يكمن تفاوت سرعة تغير البشر في حالة القلب، الاستعداد الداخلي، الجهد الفردي، وبالطبع الهداية الإلهية. فبعض القلوب المستعدة واليقظة تتغير بسماع آية واحدة، بينما تقاوم القلوب القاسية، بسبب التكبر والغفلة، التغيير، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
الإجابة على سؤال لماذا يتغير بعض الناس بسرعة بينما يقاوم آخرون التحول، تتطلب استكشافاً عميقاً لتعاليم القرآن الكريم. القرآن، هذا الكتاب السماوي، يتعمق بدقة لا مثيل لها في الطبيعة المعقدة للوجود الإنساني، والقوى الداخلية والخارجية المؤثرة في شخصيته، وعوامل الهداية والضلال. هذه الظاهرة – حيث يقوم بعض الناس بسرعة بتصحيح ذاتهم وتغيير مسار حياتهم، بينما يتمسك آخرون بعناد بجهلهم أو خطاياهم على الرغم من أوضح الدلائل والأسباب – يمكن تفسيرها من منظور قرآني. أحد المفاهيم المحورية في الإجابة على هذا السؤال هو "حالة القلب" و "القدرة الداخلية" للإنسان. يشير القرآن الكريم مراراً وتكراراً إلى حالة القلوب: فبعض القلوب حية ويقظة، مستعدة لتقبل الحقيقة، بينما البعض الآخر قاس ومريض أو حتى مختوم عليها. في سورة البقرة، الآية 7، يقول الله تعالى: "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ". هذا الختم ليس إجباراً إلهياً على الضلال، بل هو نتيجة لأفعال الإنسان المتكررة واختياراته برفض الحقيقة والإعراض عن آيات الله. عندما يحرم قلب نفسه من نور الهداية بسبب الكبر، أو التعصب، أو الغفلة المستمرة، يصبح التغيير فيه بطبيعة الحال صعباً أو مستحيلاً. في المقابل، القلوب السليمة والمستعدة، عند سماع آية واحدة، أو رؤية معجزة، أو مواجهة نصيحة حكيمة، تلين بسرعة وتميل نحو الحقيقة. خير مثال على ذلك سحرة فرعون، الذين آمنوا فوراً عند رؤيتهم معجزة عصا موسى (عليه السلام)، ولم تستطع حتى تهديدات فرعون إعادتهم عن مسارهم الجديد. هذا يدل على أن قلوبهم في تلك اللحظة كانت تتمتع بالقدرة على تقبل الحق، وأُزيلت الحُجب عن أبصارهم. عامل آخر حاسم هو "الهداية الإلهية". فمع أن الإنسان يمتلك الإرادة الحرة وحرية اختيار طريق الحق أو الباطل، إلا أن الهداية النهائية والتوفيق في التغيير يأتيان من الله تعالى. يقول القرآن: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ" (القصص، آية 56). هذه الآية لا تعني أن الله يهدي أو يضل بدون سبب؛ بل تشير إلى أن توفيق الهداية والمساس القلبي بالحقيقة بيديه، وهو يمنح هذا التوفيق لأولئك الذين يبدأون بأنفسهم، ولديهم نية خالصة، ويهيئون قلوبهم لتقبل الحق. فالذين يتغيرون بسرعة هم غالباً أولئك الذين يمتلكون استعداداً كامناً في دواخلهم لتلقي الهداية، ومع أول شعاع من النور الإلهي، تُشعل شرارة في كيانهم. وعلاوة على ذلك، تلعب "المجاهدة والجهد الفردي" دوراً بالغ الأهمية. يؤكد القرآن الكريم أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد، آية 11). هذه الآية تعبر عن قانون إلهي عميق وعام. فالذين يتغيرون بسرعة هم عادة أفراد يبحثون في أعماق ذواتهم عن الحقيقة، أو السلام، أو التحرر من الألم، وعندما يجدون الطريق، يسارعون إليه بكل قوتهم. إنهم يجاهدون بنشاط من أجل تغيير ذواتهم. وعلى النقيض، أولئك الذين يفتقرون إلى الرغبة في الجهد والمجاهدة، أو الذين يمنعهم الكبر والتعصب عن رؤية نقاط ضعفهم، يظلون بطبيعة الحال بطيئين أو متوقفين في مسار التحول. "العوائق الداخلية والخارجية" تؤثر أيضاً على سرعة التغيير. العوائق الداخلية تشمل أهواء النفس، والتكبر، والطمع، والحسد، وحب الدنيا، والتي يمكن أن تربط الإنسان بقوة بحالته الراهنة. فالذين يتشبثون بهذه الصفات السلبية لا يستطيعون الخروج بسهولة من منطقة راحتهم وقبول التغيير. أما العوائق الخارجية فتشمل تأثير البيئة، ورفاق السوء، والضغوط الاجتماعية، أو حتى الخوف من فقدان المناصب الدنيوية. ينهى القرآن الكريم بشدة عن التقليد الأعمى للأسلاف أو لأغلبية المجتمع التي تكون على باطل. والذين يتغيرون بسرعة غالباً ما يمتلكون الشجاعة للتخلي عن التعلقات الدنيوية ومقاومة الضغوط الخارجية، بينما يظل المقاومون محاصرين في قيود هذه التعلقات والمخاوف. "عمق تأثير الآيات الإلهية وعلامات الخلق" يتفاوت أيضاً. بالنسبة للبعض، إشارة صغيرة في الطبيعة، حدث مؤسف، أو حتى سماع آية قرآنية، يكفي لإزالة الحجب عن قلوبهم وتغيير مسار حياتهم. هؤلاء الأفراد يمتلكون روحاً حساسة وقلباً يقظاً يستجيب بسرعة لنداء الفطرة. بينما بالنسبة للبعض الآخر، لا تجدي حتى المعجزات الكبرى والتحذيرات المتعددة نفعاً؛ لأن قلوبهم قد قست بسبب الكفر والذنوب، فلا ينفذ إليها نور الهداية. هذا الاختلاف في مدى التأثر يدل على اختلاف في "المرتبة الوجودية" و "الاستعداد الروحي" للأفراد. في الختام، يمكن القول إن التفاوت في سرعة تغير البشر هو نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل الداخلية (مثل استعداد القلب، ودرجة إخلاص النية، والجهد الفردي) والعوامل الخارجية (مثل مواجهة الآيات الإلهية، ومواعظ الأنبياء والأولياء)، وبالطبع إرادة ومشيئة الله، الذي يمنح التوفيق والهداية لمن يستحق ويستعد. يدعونا القرآن إلى التأمل في هذه الحقائق لنتحرر من قيود العوائق ونسير نحو التغييرات الإيجابية والكمالية. وهذا يتطلب معرفة الذات، ونية خالصة، والتوكل على الله. ومن يسلك هذا المسار بجدية، سيكون التغيير والتحول الإيجابي في وجوده أسرع وأعمق.
في يوم من الأيام، كان في بلاط ملك مستشاران. استشار الملك حكيماً فقيهاً، فقال الحكيم: "أيها الملك! سعادة وشقاء الناس يعتمدان على نقاء القلب وإخلاص النية. فمن كان قلبه مفتوحاً لنور الحقيقة، شرب كلام الحق كالعسل واستفاد منه؛ أما من كان قلبه محجوباً بالجهل، فألف نصيحة لن تفيده." أحد المستشارين، وكان رجلاً طيب النفس، تأمل فوراً عند سماع هذا القول وقرر من ذلك اليوم فصاعداً أن يحافظ على قلبه نقياً ومستعداً لقبول أي حق. فتغير بسرعة وأصبح مستشاراً أميناً للملك ومعيناً للناس. أما المستشار الآخر، الذي كان قلبه مليئاً بالغطرسة والحسد، فسخر من كلام الحكيم وقال: "هذا كلام دراويش لا ينفع في حكم المملكة." لم يتغير فحسب، بل ازداد حقده، وفي النهاية طُرد من البلاط بسبب سوء نيته وكبريائه. فابتسم الحكيم وقال: "حقاً، القلوب أوعية مختلفة؛ بعضها يمتلئ بإشارة واحدة، والبعض الآخر لا يرتوي حتى بمحيط من العلم."