الخوف من الله (التقوى) في الإسلام هو خشية احترام وورع لا رعب. إذا لم يقترن هذا الخوف بالمحبة، فإنه يدل على فهم ناقص لصفات الله وعدم التأمل في النعم، بينما الإيمان الكامل يمزج بين الخوف والرجاء (الأمل)، مما يؤدي إلى المحبة الحقيقية.
سؤالكم عميق ومثير للتأمل، ويتناول جانبًا أساسيًا من علاقة الإنسان بخالقه. في التعاليم الإسلامية، وخاصة في القرآن الكريم، ذُكر مفهوم 'الخوف من الله' (التقوى) و'محبة الله' على حد سواء. ومع ذلك، فإن هذين المفهومين ليسا متناقضين، بل هما يكملان بعضهما البعض في مسار الكمال الإيماني. عندما يخاف شخص الله ولكنه لا يحبه، فغالبًا ما يكون ذلك مؤشرًا على فهم ناقص أو سطحي للذات الإلهية وعلاقة الإنسان بربه. الخوف من الله، أو 'التقوى' بمعناها القرآني، لا يعني على الإطلاق الخوف من ظالم أو حاكم طاغية يشل حركة الإنسان. بل التقوى تعني اليقظة، الوعي، الورع، والابتعاد عن كل ما يؤدي إلى غضب الله. هذا الخوف هو خوف ينبع من الأدب والاحترام لجلال الله وقوته اللامتناهية، وفي الوقت نفسه، هو خوف ينبع من الوعي بمسؤوليات الإنسان تجاه خالقه. يخشى المتقي أن يفسد علاقته النقية والقيمة بربه بالغفلة والعصيان، أو ألا ينال لطفه ورحمته. هذا النوع من الخوف هو دافع للقيام بالأعمال الصالحة والابتعاد عن السيئات، لأن الإنسان يرغب في عدم الانحراف عن طريق رضا الله. ولكن لماذا قد يتوقف بعض الناس عند مرحلة الخوف هذه ولا يصلون إلى مرحلة المحبة؟ 1. الفهم الخاطئ للصفات الإلهية: أحد الأسباب الرئيسية هو عدم الفهم الكامل والشامل لصفات الله. فالقرآن الكريم يعرف الله بأسماء وصفات متنوعة جدًا؛ فهو 'الرحمن' و'الرحيم'، وهو أيضًا 'شديد العقاب'. وهو 'الغفور' و'الودود'، وهو أيضًا 'القهار' و'الجبار'. إذا ركز الفرد فقط على جوانب قهر الله وعدله وتجاهل رحمته ومغفرته ولطفه ووده، فإن الخوف سيغلب على قلبه بشكل طبيعي، ولن تتوفر البيئة لنمو المحبة. بينما كمال الإيمان يكمن في الجمع بين 'الخوف' (الخوف من العدل) و'الرجاء' (الأمل في الرحمة). فالمؤمن الحقيقي يخاف عقاب الله بقدر ما يأمل في رحمته ومغفرته، وهذا الأمل هو الذي يشعل الحب في قلبه. وبدون فهم عمق وسعة رحمة الله، لا يمكن أن تتشكل المحبة بمعناها الحقيقي. 2. التركيز على الجوانب التشريعية والظاهرية فقط للدين: في بعض الأحيان، تركز التعاليم والتجارب الدينية للأفراد بشكل مفرط على أداء الطقوس والالتزام بالأحكام الظاهرية، ويهملون البعد الروحي والمعنوي للعلاقة مع الله. الدين ليس مجرد مجموعة من الأوامر والنواهي؛ بل هو سبيل لإقامة علاقة عميقة، قلبية، وعاشقة مع خالق الكون. إذا كان الفرد يؤدي العبادات فقط خوفًا من جهنم أو طمعًا في الجنة، ولم تنبع هذه الأعمال من عمق كيانه، فلن يتكون لديه شعور حقيقي بالمحبة لله. في هذه الحالة، يبدو الله مجرد مشرّع قوي بدلاً من أن يكون معشوقًا حنونًا ومحبوبًا. 3. عدم التأمل في نعم الله: من طرق نمو المحبة لله، التفكر والتأمل في نعمه التي لا تُحصى. فمن خلق الإنسان في أحسن صورة، إلى الرزق، والهداية، والصحة، والأسرة، وجميع هبات الحياة، كل ذلك مظاهر للطف الله وكرمه. إذا غفل الإنسان عن هذه النعم واعتبرها أمرًا بديهيًا، فلن ينمو لديه الشعور بالشكر ومن ثم المحبة لمصدر هذه النعم. يدعو القرآن مرارًا الإنسان إلى التفكر في الخلق ونعم الله ليقوده إلى معرفة ومحبة أكبر. 4. آثار الذنوب والغفلة: الذنوب والتعلق المفرط بالدنيا، يخلقان حجابًا بين الإنسان والله. عندما ينشغل قلب الإنسان بالمسائل المادية والشهوات الدنيوية، يضعف نور محبة الله فيه. فالذنب لا يزيد فقط من الخوف من العقاب، بل يجعل الإنسان يبتعد عن الله ويفقد اللذة الروحية للقرب منه. هذا البعد يقلل المحبة ولا يترك سوى ظل الخوف. 5. وساوس الشيطان: يسعى الشيطان دائمًا لإبعاد الإنسان عن الصراط المستقيم. وإحدى طرقها تضخيم جوانب غضب الله وإلقاء اليأس والقنوط في قلوب الناس. فبإيحاء أن ذنوب الفرد عظيمة جدًا ولن تُغفر أبدًا، يحاول قطع علاقة الأمل والمحبة بين الإنسان وربه، ويحصره في دائرة الخوف من العقاب فقط. القرآن الكريم يؤكد على هذا التوازن: في سورة البقرة، الآية 165، يقول تعالى: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ» هذه الآية تبين أن محبة الله هي أسمى درجات الحب وأن المؤمنين الحقيقيين هم أشد الناس حبًا لربهم. وفي سورة المائدة، الآية 54، نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ» هذه الآية تعبر عن علاقة حب متبادل، حيث يحب الله العبد، والعبد أيضًا يحب الله. هذه العلاقة تتجاوز مجرد الخوف. في الختام، الخوف (التقوى) والمحبة لله وجهان لعملة واحدة. يجب أن يكون الخوف من الله خوفًا من الاحترام، الوعي، والابتعاد عن النكران، ليصبح ممهدًا لمحبة أعمق. عندما يصل الإنسان إلى فهم صحيح لرحمة الله، ومغفرته، وجماله، وعظمته، فإن خوفه من العصيان والابتعاد عن المحبوب، سيبلغ الكمال مصحوبًا بحب وشوق للقرب منه ورضاه. هنا تتحول العبادة من مجرد واجب إلى متعة روحية ومن عبء ثقيل إلى تحليق عاشق. لذا، فإن الخوف بدون محبة هو خوف ناقص يحتاج إلى معرفة أعمق وتسليم أكبر للذات الإلهية اللامتناهية.
جاء في گلستان سعدي أن ملكًا كان ذو سلطة عظيمة، وكان رعاياه يخشونه ويطيعون أوامره، لكن ليس بدافع المحبة، بل خوفًا من عقوباته الشديدة. فقال أحد وزرائه الحكماء للملك: «أيها الملك، إذا كان رعاياك يخافونك، فهذه قوتك، ولكن إذا أحبوك، فهذا عدلك ولطفك الذي يُديم المُلك.» تأمل الملك كلمات الوزير وقرر أن يغير سلوكه ويصبح أكثر لطفًا مع رعاياه. وشيئًا فشيئًا، رأى أن خوف الرعايا تحول إلى احترام ومحبة، وأصبح خدمتهم تنبع من القلب والروح، لا مجرد إجبار. وهكذا، أصبحت حُكم الملك لصالح الناس ولرضا الله، فإن المحبة القلبية أثمن من أي خوف.