لماذا يخشى بعض الناس الله أكثر من البشر؟

يخشى بعض الأفراد الله أكثر لأن هذا الخوف (التقوى) ينبع من معرفة عميقة بقدرة الله وعظمته، مما يجعل أي خوف آخر تافهًا ويؤدي إلى الحرية والسلام الحقيقيين. هذه الخشية تدفع الإنسان نحو الطاعة وتجنب الذنوب، بينما الخوف من البشر يقتصر عادة على المكاسب والخسائر الدنيوية المؤقتة.

إجابة القرآن

لماذا يخشى بعض الناس الله أكثر من البشر؟

مفهوم 'خشية الله' في التعاليم الإسلامية عميق ومعقد، ولا ينبغي الخلط بينه وبين الخوف العادي من الخطر أو العقاب. هذه 'الخشية' في الحقيقة تعني أكثر 'التقوى' و 'الورع'؛ أي الوعي العميق بعظمة الله، وقدرته اللامتناهية، وعلمه المطلق، وعدله الكامل، ورحمته الواسعة. من يعرف الله على هذا النحو ويدرك حقيقة أن مصيره النهائي وسعادته الأبدية بيد القدرة الإلهية الأزلية، فإن هذه العظمة والجلال الإلهي يغلبان على قلبه بشكل طبيعي، فيبدو كل خوف آخر ضئيلًا أمامه. هذه الخشية ليست خوفًا معيقًا أو مشلولًا، بل هي خوف بناء يدفع الإنسان نحو الطاعة، وفعل الخير، والابتعاد عن الذنوب، وفي النهاية يجلب السلام والحرية الحقيقية. هذه الخشية هي ثمرة الإيمان الراسخ والمعرفة العميقة بالرب؛ كلما اكتمل فهم الإنسان لله، زاد ورعه واحترامه للعظمة الإلهية، ونتيجة لذلك، يصبح الخوف من أي شيء آخر سواه في نظره بلا معنى وغير مهم. هذه هي النقطة التي يصل فيها الإنسان إلى ذروة التوكل والتسليم، وبدلاً من الخوف من الأحكام، أو الانتقادات، أو الأضرار المحتملة من البشر، يركز كل انتباهه وخوفه على نيل رضا الخالق الأعلى. من ناحية أخرى، الخوف من البشر غالبًا ما ينبع من قضايا دنيوية: الخوف من فقدان المكانة الاجتماعية، أو فقدان المال، أو فقدان السمعة، أو الخوف من الأضرار الجسدية والنفسية التي يمكن أن يلحقها البشر ببعضهم البعض. هذه المخاوف غالبًا ما تكون محصورة في هذه الدنيا الفانية، وتؤدي في النهاية إلى خسائر ومنافع مؤقتة وزائلة. من يخشى الله يعلم أن القوة المطلقة لله وحده، وأنه لا يمكن لأي إنسان، مهما كان قويًا أو مؤثرًا، أن يضر أو ينفع إلا بإذن الله وإرادته. هذا الفهم العميق يمنح الإنسان الشجاعة والحرية لكي لا يسكت عن الظلم، وليقول الحق حتى لو كان ضد مصلحته، وألا يخشى في سبيل الله لومة لائم. القرآن الكريم يؤكد مرارًا وتكرارًا أن المؤمنين يجب ألا يخشوا البشر، بل يجب أن يخشوا الله وحده ويتوكلوا عليه. هذا النوع من التقوى وخشية الله هو قوة تحافظ على المؤمن ثابتًا وثابتًا ضد وساوس الشيطان، والضغوط الاجتماعية، وحتى التهديدات بالحياة. عندما يصل الفرد إلى هذا المستوى من الإيمان، مع إدراكه بأن رضا الله أهم من أي شيء آخر وأن عواقب رضا الله أبدية لا حدود لها، بينما عواقب غضب الناس محدودة وزائلة، فإن أولوياته تتغير بشكل طبيعي. لم يعد يهتم بحديث الناس، أو الأحكام السطحية، أو فقدان المصالح الدنيوية الزائلة، بل يركز كل جهوده على الحفاظ على علاقته مع الخالق الفريد وتعزيزها. تأثير هذا النوع من خشية الله في الحياة اليومية مدهش للغاية. فالإنسان الذي يخشى الله يبتعد عن الذنوب في الخفاء والعلن، يلتزم بوعوده، يحافظ على الصدق والعدل في تعاملاته وعلاقاته، ويتحلى بالخير والإحسان دائمًا. وذلك لأنه يعلم أن الله مطلع على أعماله، وأن أدق النوايا والأفعال لا تخفى عنه. هذا الشعور بالرقابة الإلهية الدائمة يؤدي إلى تزكية النفس، وتهذيب الأخلاق، وتنمية الفضائل. في المقابل، من كان خوفه من البشر أكبر، قد يرى نفسه حرًا في ارتكاب الذنوب في الخفاء، أو يكتم الحق في مواجهة السلطات والمسؤولين، أو يتنازل عن مبادئه الأخلاقية والدينية لإرضاء الآخرين. الفرق بين هذين النوعين من الخوف هو الفرق بين السعادة الأبدية والشقاء الزائل. لذلك، عندما يتحدث القرآن والسنة عن 'خشية الله'، فإن المقصود هو ذلك النوع من الخوف المقترن بالمعرفة والمحبة الذي يدفع الإنسان نحو الكمال، والعبودية الخالصة، وأقصى درجات القرب الإلهي. هذه الخشية هي مصدر راحة القلوب، ومنارة طريق الحياة، وعامل النجاة في الدنيا والآخرة، لأنها تربط الإنسان بالمصدر الأصلي للقوة والرحمة وتحرره من أي تبعية وخوف كاذب. هذه الحرية من قيود المخاوف الدنيوية والبشرية هي أعظم هبة وثمرة للخشية الإلهية التي تمنح للمؤمن الحقيقي. هنا، يبقى الفرد صامدًا حتى في مواجهة أصعب الاختبارات والتهديدات، لأنه واثق من أن قوة عليا وحاكمًا عادلًا مسيطر على جميع الأمور، وأن أجر من يثق به لن يضيع أبدًا. وبالتالي، فإن إعطاء الأولوية لخشية الله على أي خوف آخر، ليس مجرد واجب ديني، بل هو خيار عقلاني وأخلاقي يمهد طريق حياة الإنسان نحو الفضيلة والنجاح الأبدي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن أنوشروان العادل، الملك العظيم والقوي، كان جالسًا في مجلسه ذات يوم، وكل الكبار والقادة ينحنون أمامه باحترام. في غمرة هذا المشهد المهيب، دخل درويش بسيط القلب لا يبالي بأي بروتوكولات وجلس في زاوية باسترخاء. استغرب أنوشروان الذي اعتاد على الأدب والاحترام في بلاطه، من عدم مبالاة الدرويش، وسأله بنبرة استفهامية: «أيها الدرويش، ألا تعرفني ولا تخشى هيبة ملكي فتجلس هكذا بلا مبالاة؟» أجاب الدرويش بابتسامة هادئة ووجه مشرق: «يا ملك، في أعماق وجودي، لا أخشى إلا تلك القوة التي تخضع لها أنت وجميع الملوك الآخرين في النهاية، وليس هناك قوة أعلى منه. كيف يمكن لمن يخشى الخالق وحده أن يخشى مخلوقًا كالإنسان، حتى لو كان ملكًا؟ خوفي هو من الذي وهبك التاج والعرش، والذي يستطيع أن يستعيدهما. لذا، في حضورك، التواضع الوحيد الذي يليق هو التواضع أمام الأمر الإلهي الذي علمني ألا أخشى سواه وألا أخشى غيره.» دهش أنوشروان وتأثر كثيرًا بكلام الدرويش الحكيم، وقدره حق قدره، لأن الدرويش بكلمات بسيطة قد علمه درسًا عظيمًا حول المصدر الحقيقي للقوة والخوف.

الأسئلة ذات الصلة