لماذا يشعر بعض الناس بالفراغ؟

الشعور بالفراغ غالبًا ما ينبع من الغفلة عن ذكر الله وعدم فهم الهدف الحقيقي من الخلق. يقدم القرآن الحل من خلال تقوية الاتصال بالخالق واكتشاف المعنى الحقيقي للحياة.

إجابة القرآن

لماذا يشعر بعض الناس بالفراغ؟

إن الشعور بالفراغ هو تجربة عميقة ومؤلمة يمر بها الكثير من الناس في مراحل مختلفة من حياتهم. إنه ليس مجرد غياب لشيء محدد، بل هو إحساس عميق بغياب المعنى والهدف والاتصال الحقيقي. من منظور القرآن الكريم، يعود هذا الشعور بالفراغ إلى عوامل متعددة، كلها مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالابتعاد عن المسار الإلهي والغفلة عن الحقيقة الوجودية للإنسان. فالقرآن يُعرّف الإنسان بأنه كائن ذو فطرة إلهية، يسعى بطبيعته إلى السكينة والكمال، وهذه السكينة الحقيقية لا تتحقق إلا في ظل الاتصال بخالق الكون وفهم الغاية من الوجود. أحد أهم أسباب الشعور بالفراغ من وجهة نظر القرآن هو انقطاع الصلة بالله والغفلة عن ذكره. لقد خُلق قلب الإنسان بطريقة تجعله بحاجة إلى سند موثوق ومصدر لا نهائي للطمأنينة. فعندما ينقطع هذا الاتصال بالله، أو يضعف، يصاب القلب بالاضطراب والتململ، وهذا الاضطراب يتجلى في شكل مشاعر الفراغ، وانعدام المعنى، وعدم الرضا الداخلي. فالقرآن الكريم في سورة الرعد، الآية 28، يقول بوضوح: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب). هذه الآية تبين بوضوح أن الطمأنينة الحقيقية والتحرر من الفراغ مرهونان بذكر الله. والذكر ليس مجرد تكرار للكلمات؛ بل يشمل كل أنواع الانتباه إلى الله، والعمل بأوامره، والتفكر في آياته، والشكر له. فالإنسان الذي يغفل عن ذكر الله، حتى لو كان في أوج النجاحات المادية، سيظل يشعر بفراغ داخلي لا يمكن لأي شيء مادي أن يملأه. سبب آخر هو عدم الفهم الصحيح للهدف من الخلق. فكثير من الناس يقضون حياتهم في السعي وراء أهداف زائلة ودنيوية، دون التفكير في عاقبة أمرهم. فالقرآن يوضح أن الهدف من خلق الجن والإنس هو العبادة: "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (سورة الذاريات، الآية 56). والعبادة في الإسلام لا تقتصر على الصلاة والصيام؛ بل تشمل كل عمل يتم بنية إلهية وفي سبيل مرضاته. عندما لا يدرك الإنسان أن هدفه الأساسي هو التقرب إلى الله والعيش وفق القيم الإلهية، فإنه يسعى وراء أهداف زائفة وعابرة. قد يجعل الثروة، أو السلطة، أو الشهرة، أو الملذات الدنيوية هدفه الأسمى. ولكن هذه الأهداف، وإن بدت مثيرة في البداية، فإنها، بسبب طبيعتها الفانية والمحدودة، لا تستطيع تلبية احتياجات الروح العميقة للإنسان. فبعد تحقيقها، أو حتى أثناء السعي لتحقيقها، يصاب الفرد بشعور بالفراغ وانعدام الهدف. فالقرآن الكريم في سورة الحديد، الآية 20، يشبه الحياة الدنيا باللعب واللهو والزينة والتفاخر بين الناس والتكاثر في الأموال والأولاد، كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا. وهذا التشبيه يوضح أن الدنيا وإن كانت ذات مظهر جذاب، فهي فانية وزائلة، والتعلق بها لا يجلب سوى الشعور بالفراغ وخيبة الأمل. كذلك، فإن الإعراض عن ذكر الله وتعاليم القرآن هو أحد المصادر الرئيسية للفراغ والقلق. فالقرآن الكريم في سورة طه، الآية 124 يقول: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ" (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى). والمعيشة الضنكا، أو الحياة الضيقة والصعبة، يمكن أن تعني حياة خاوية من الداخل، تفتقر إلى السلام والاتساع الروحي، حتى لو كان الفرد في رفاهية مادية. وهذا الضيق والضغط الروحي هو نفسه الشعور بالفراغ الذي يسيطر على الإنسان. في الختام، يمكن القول إن الشعور بالفراغ هو بمثابة جرس إنذار من فطرة الإنسان، يدعوه إلى إعادة تقييم حياته وإيجاد المعنى الحقيقي. يقدم القرآن الكريم حلاً لهذا الفراغ في العودة إلى الله، وتقوية الإيمان، والعمل بتعاليمه، وذكره الدائم، والفهم الصحيح لغاية الخلق، والاستثمار في القيم الروحية الدائمة. فعندما يبني الإنسان حياته على هذه المبادئ، فإنه لا يتحرر فقط من الفراغ، بل يصل إلى سكينة دائمة ورضا عميق لا يمكن لأي ثروة أو قوة أن توفره. هذا هو الطريق الذي يؤدي إلى معنى أبدي ورضا إلهي لا نهاية له، ويجعل الحياة مليئة بالهدف والنور. ولهذا، يؤكد القرآن باستمرار على أهمية التقوى والورع والابتعاد عن الذنوب، فالذنوب هي حجاب تحجب القلب عن النور الإلهي وتجره إلى الظلمة والفراغ. لذلك، للتغلب على الشعور بالفراغ، لا بد من الشروع في رحلة داخلية؛ رحلة غايتها معرفة الله وقربه، وزادها الإيمان، والعمل الصالح، وذكر الله الدائم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في كليلة ودمنة (تصحيح: القصة من كلستان سعدي) أن أحد ملوك الزمان، على الرغم من كل عظمته وثروته، كان دائم الاضطراب والحزن. وفي يوم من الأيام، مر بمتصوف زاهد ومنعزل، والذي بالرغم من فقره الظاهر، كان يمتلك وجهًا هادئًا وقلبًا مطمئنًا. سأله الملك بدهشة: "يا درويش، كيف وأنت في هذا الفقر، تكون سعيدًا وخاليًا من الهم؟" ابتسم الدرويش وقال: "يا ملك، لقد تحررت من عذاب الطمع والجشع بيدي، عندما ابتعدت عن الدنيا وعلقت قلبي بالله. ما أملك يكفيني، وما لا أملكه لا أحزن عليه. أما أنت، رغم أنك ملك سبعة أقاليم، ما زلت متعطشًا للقوة والثروة. أنت قلق باستمرار من فقدان ما تملك، ومتلهف للحصول على ما لا تملك. الفراغ يأتي من تعلق القلب بالدنيا الفانية والغفلة عن خالقك. طمأنينتي تكمن في استغنائي عن الدنيا وحاجتي إلى الله، بينما أنت مستغنٍ عن الله ومحتاج للدنيا." استوعب الملك كلام الدرويش وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في الداخل، وليس في الخارج.

الأسئلة ذات الصلة