الضلال رغم المعرفة ينشأ من ضعف الإيمان وعدم الاتصال الصحيح بالله.
إن موضوع الهداية والضلال هو من أبرز المواضيع التي تناولها القرآن الكريم، ويعتبر أحد الموضوعات الحيوية التي تمس قلب الإنسان وتحديد مصيره في الدنيا والآخرة. الهداية ليست مجرد مسألة نظرية أو أكاديمية، بل هي منحة إلهية يتطلب الحصول عليها عبادة صادقة وقلبًا خاشعًا. في عالمنا اليوم، نجد العديد من الأشخاص الذين يمتلكون كميات هائلة من المعرفة، إلا أنهم لا يزالون يتيهون في غياهب الضلال بعيدًا عن الصراط المستقيم. فما هي الأسباب وراء هذا التناقض بين العلم والضلال؟ وكيف يمكننا فهم هذا في سياق تعاليم القرآن الكريم؟ ### الأسباب وراء الضلال رغم امتلاك العلم القرآن الكريم أوضح في آياته الكريمة أن أحد الأسباب الجوهرية وراء الضلال – برغم تواجد العلم – هو ضعف الإيمان وعدم اليقين. قلة التقوى وعدم الالتزام بأوامر الله تعالى يؤديان إلى انحراف الكثيرين عن الطريق الصحيح. وهذا يعني أنه حتى لو كان الشخص يملك المعرفة حول مسائل دينية، فإن نقص الإيمان قد يجعله ينحرف عن الحق. وبالإضافة إلى ذلك، تلعب العوامل النفسية والاجتماعية دورًا رئيسيًا في انحراف الناس. إن الإنسان يتأثر بمحيطه وقيم المجتمع الذي يعيش فيه، مما قد يؤدي به إلى عدم الالتزام بتعاليم دينه رغم معرفته بها. فبعض الأشخاص يميلون إلى تبني الأفكار الشائعة في مجتمعهم – على الرغم من كونها خاطئة – لمجرد أنهم يرغبون في التوافق مع الآخرين أو الاندماج في المجتمع. السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ماذا يجب علينا أن نفعل لنكون على هدى في زمن تتضارب فيه الآراء وتكثر فيه المغريات؟ ### مفهوم الهداية في القرآن يؤكد القرآن الكريم أن الهداية هي هدية من الله تعالى، وهي لا تأتي فقط بالمعرفة بل تحتاج إلى نية صادقة وإخلاص في العمل. في سورة الإنسان، الآية 3، يقول الله: "إنا هديناهم السبيل إما شاكراً وإما كفوراً." هذه الآية توضح بجلاء أن الله هو الذي يهدينا إلى الطريق المستقيم، لكن القرار في النهاية يعود إلينا. فالبعض يستقبل هذه النعمة بالشكر والسلوك الصحيح، بينما يرفض آخرون ذلك متجهين نحو الضياع. لننظر إلى سورة الجاثية، الآية 23، حيث يقول الله تعالى: "أفمن هو منهج إلى شهادة وآية ورزق وما يسره." لفتة مهمة هنا هي كيف أن بعض الناس يستخدمون ما لديهم من علم لأغراض مادية دنيوية، بدلاً من توجيهه نحو الخير والنفع العام. وهنا يظهر أن العلم لا يعبر عن الهيمنة أو السلطة بل يجب أن يكون في خدمة الحق. ### آثار الضلال في حياة الإنسان الآية 141 من سورة الأنعام توضح لنا أن: "وأولئك هم الخاسرون." وهذا يعني أن الأشخاص الذين يتجاهلون الحقائق الروحية بعد معرفتهم العلمية هم بالفعل في خطر. إنهم يمتلكون المعرفة، لكنهم يضيعون أنفسهم في عالم المادة ويستغلون علمهم بطريقة خاطئة. هذه الخسارة لا تقتصر على الفرد بل تمتد لتأثر المجتمع بأسره. ### أهمية الإخلاص والتقوى الإخلاص في النية والتوجه القلبي نحو الله هما من العوامل الأساسية التي تجعل الشخص قادرًا على الهداية. وعلينا أن نتذكر دائمًا أنه كما أن المعرفة مهمة، فإن التقوى هي التي تفتح أبواب الهداية. فالعلم الذي يفتقر إلى التقوى سيكون بلا قيمة، بل قد يؤدي بالإنسان إلى الضياع واتباع الهوى. إن الله تعالى أعطانا العقول لنستخدمها في الخير، وهذه دعوة لنا جميعًا لكي نوجه معرفتنا في سبيل رفع مستوى الإيمان والإخلاص. يجب أن يكون لدينا الوعي الكافي لنميز بين علم ينقلنا نحو الحق وآخر يجرنا نحو الضلال. ### الخاتمة في الختام، يمكن القول إن الهداية هي رحلة طويلة تحتاج الى استمرارية في الإيمان والعمل الصالح. يجب أن نعترف أن العلم ليس سوى وسيلة تساعدنا في الوصول إلى الحق، ولهذا يجب علينا التقرب من الله بالدعاء والتوجه إليه بالنية الصافية. انطلاقًا من هذا، ينبغي علينا جميعًا أن نتعهد بأن نكون من الباحثين عن الهداية، وأن نستخدم معرفتنا لتخدم الحق ولندفع أنفسنا نحو الأعمال الصالحة. لنگّن دائمًا في حالة من التوازن بين علمنا وديننا، حتى نستطيع فهم حقائق الدنيا والآخرة. إن الهداية هي الخيار الذي يتطلب منا الوعي والإرادة الحقيقية، لخلق توازن بين متطلبات الحياة الروحية والمادية.
في يوم من الأيام، كان هناك شاب يُدعى أمير، ورغم أنه كان لديه معرفة كبيرة، وجد نفسه في فخ الضلالة. كان يستخدم علمه للظهور وكسب المال. ولكن في يوم من الأيام، واجه آية من القرآن هزته: 'أفَمَن هُوَ مُهْدٍ إِلَى حَقٍّ.' ومنذ ذلك الحين، قرر أن يعمل على إيمانه وسلوكه وتقوية علاقته بالله.