لماذا لا يريد بعض الناس التغيير؟

من منظور قرآني، عدم الرغبة في التغيير ينبع من الكبر، والتقليد الأعمى للتقاليد الباطلة، والتعلق بالهوى والدنيا، وقسوة القلوب. هذه العوامل تمنع إدراك وقبول الحق.

إجابة القرآن

لماذا لا يريد بعض الناس التغيير؟

القرآن الكريم، كتاب الهداية والبصيرة، يتناول بطرق متنوعة طبيعة الإنسان وميوله. ورغم أن القرآن لا يذكر صراحة عبارة “بعض الناس لا يريدون التغيير”، إلا أنه يشير مراراً إلى العوامل التي تؤدي إلى مقاومة الإنسان للحق، والهداية، وإصلاح الذات؛ وهي العوامل التي تشكل الجذور الأساسية لعدم الرغبة في التغييرات الإيجابية والبناءة. في الواقع، التغيير والتحول الداخلي نحو الكمال هما من المحاور الأساسية للرسالة القرآنية، ويعتبر عدم قبولهما عقبة رئيسية أمام النمو الروحي والمعنوي. لفهم هذه المقاومة، يجب أن ننظر إلى أعماق النفس البشرية وتأثير العوامل الداخلية والخارجية من منظور قرآني. أحد أبرز الأسباب التي يذكرها القرآن لعدم قبول التغيير والحقيقة هو الكبر والغرور. إبليس كان أول من عصى أمر الله بسبب كبره، ورفض السجود لآدم. هذا العصيان لم يكن عن جهل، بل كان عن تضخم للذات وشعور بالتفوق، مما منعه من قبول الحق. وفرعون مثال آخر على الكبر، فبالرغم من رؤيته للمعجزات الواضحة، رفض بعناد قبول دعوة موسى وتغيير مساره. الكبر يحجب حجاباً عظيماً على بصيرة العقل والقلب، ويمنع الإنسان من رؤية الحقائق والاعتراف بأخطائه. يظن الشخص المتكبر أنه لا يحتاج إلى هداية ويصر دائماً على رأيه، حتى لو قاده ذلك الرأي إلى الضلال. هذه الصفة لا تمنع تغيير الفرد نفسه فحسب، بل تجعله مقاوماً للتغيرات المحيطة به، وتسلب منه المرونة اللازمة للبقاء والتقدم. وقد أشار القرآن مراراً إلى عاقبة المتكبرين، واصفاً إياها بأنها طريق إلى الهلاك. هذه الخصلة النفسية عائق جدي في طريق النمو والتعالي الفردي والاجتماعي، لأن الفرد المتكبر يفوت فرص التعلم والتقدم ويبقى في حالة من الجمود الفكري. سبب آخر هو التقليد الأعمى للأسلاف والتقاليد الباطلة. العديد من الأمم السابقة قاومت الأنبياء الإلهيين، مبررين ذلك بقولهم: “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون” (البقرة: 170). هذا التقليد الأعمى، بدون تفكير أو تعقل، يشكل عائقاً كبيراً أمام قبول الحق والتغيير نحو الصلاح. بسبب العادة والتعلق بما ورثه من الماضي، لا يرغب الإنسان في نقد ذلك وفحصه، ويغمض عينيه عن الحقائق الجديدة. هذه المقاومة للتغيير غالباً ما تنبع من الخوف من المجهول أو من فقدان الهوية والمكانة الاجتماعية المرتبطة بالتقاليد القديمة. يفضل هؤلاء الأفراد البقاء في فقاعة الأمان لعاداتهم بدلاً من تعريض أنفسهم لأفكار وأساليب جديدة قد تزعزع راحتهم. القرآن ذم هذا النوع من التقليد ودعا الإنسان إلى التفكير والتدبر في آيات الله وعلامات الخلق ليختار طريقه ببصيرة ووعي. هذا النوع من المقاومة لا يمنع الفرد من التقدم فحسب، بل يحبس المجتمع أيضاً في دائرة من التكرار والركود. اتباع الهوى والتعلق الشديد بالدنيا أيضاً يمثل عائقاً كبيراً للتغيير. فقد حذر القرآن الكريم مراراً الإنسان من اتباع الشهوات والرغبات النفسية. فالذين هدفهم الوحيد هو الملذات الدنيوية، وجمع المال والجاه، وإشباع الرغبات العابرة، لا يرغبون في التخلي عن هذه المتع لتحقيق الكمال والرضا الإلهي. التغيير يتطلب تهذيب النفس، ومجاهدة الهوى، وأحياناً التخلي عن الملذات الفورية. لكن من كان قلبه أسيراً للدنيا والشهوات، يفضل البقاء على حاله وتجنب مصاعب التغيير (الجاثية: 23). هؤلاء الأفراد يفسرون الواقع بناءً على ميولهم ورغباتهم، لا بناءً على الحقيقة، وبالتالي يرفضون كل ما يتعارض مع مصالحهم الشخصية وملذاتهم المادية. يرفضون قبول الحقائق التي قد تجبرهم على تغيير نمط حياتهم أو التخلي عن العادات السيئة. هذا التعلق بالدنيا والغفلة عن الآخرة يحبس الإنسان في دائرة لا نهاية لها من الرغبات غير المشبعة ويحرمه من فرصة التفكير في أهداف الحياة الأسمى. قسوة القلوب وعدم قبول الحق عامل آخر يشير إليه القرآن. فالذنوب المتكررة، والغفلة المستمرة، والإصرار على الباطل، تؤدي تدريجياً إلى قسوة القلب وسواده، بحيث يفقد القدرة على إدراك الحق وقبول الهداية (المائدة: 13). هذه القسوة هي نتيجة لاختيارات الإنسان المتكررة في طريق الانحراف وليست قدراً جبرياً. عندما يقسو القلب، لم تعد المواعظ والآيات الإلهية تؤثر فيه، ويصبح الشخص مقاوماً لأي تغيير أو تحول إيجابي. هذه الحالة أشبه بأرض جافة قاحلة ينزل عليها مطر الرحمة الإلهية ولكن الماء لا يتغلغل فيها. هؤلاء الأفراد لا يمتلكون الرغبة في التغيير فحسب، بل يتخذون أحياناً موقفاً معادياً تجاه الذين يسعون إلى التغيير والإصلاح. هذه الظاهرة تظهر أن عدم الرغبة في التغيير ليس مجرد خيار سلبي، بل هو أحياناً نتيجة لعملية طويلة من الإصرار على الخطأ وتجاهل نداءات الفطرة والعقل. وأخيراً، يشير القرآن إلى الختم والطبع على القلوب (البقرة: 7). هذه الحالة هي نتيجة مباشرة وحتمية لإصرار الإنسان على الكفر، وإنكار الحق، والعصيان المستمر. بمعنى أن الله، استجابة لاختيار الإنسان الحر في إنكار الحقيقة المستمر، يختم على قلبه فلا يعود قادراً على إدراك الحق. هذا الختم هو عقاب إلهي لمن أغلقوا، بإرادتهم، أبواب الهداية على أنفسهم. وهؤلاء الأفراد لا يرغبون في التغيير ولا يكتسبون القدرة على فهم وتمييز الطريق الصحيح، لأنهم هم من اختاروا هذا المسار. هذا الختم على القلب لا يعني سلب الإرادة بالكامل، بل هو النتيجة الطبيعية والمنطقية للمسار المنحرف الذي اختاره الإنسان بإرادته. باختصار، عدم رغبة بعض الناس في التغيير، من منظور قرآني، تتجذر في صفات وميول داخلية كالكبر، والتقليد الأعمى، والتعلق بالدنيا والهوى، وفي النهاية قسوة القلب التي قد تؤدي إلى الختم الإلهي على القلوب. هذه العوامل تمنع البصيرة الصحيحة وقبول الحقيقة، وتحبس الفرد في دائرة من الجمود وعدم التقدم. ومع ذلك، يظل القرآن دائماً يفتح باب التوبة والعودة، ويبعث الأمل في التغيير والإصلاح لمن يسعون إليه بصدق. يتطلب هذا المسار الوعي الذاتي، والنقد الداخلي، والرغبة الحقيقية في السير على طريق الحق.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جاء في بستان سعدي أن شيخاً حكيماً كان ينصح شاباً ليعود عن طريق الخطأ، ولكنه لم يفلح. فقال الشيخ: "يا بني، لا تسلك هذا الطريق فإن نهايته ليست سوى الندم!" فأجاب الشاب بضحكة: "يا أبي، قلبي متعلق بما تعلمته، ولا أستطيع تغيير عاداتي." تنهد الشيخ وقال: "العادة قفص يحبس طائر الروح ويكسر أجنحة البصيرة. ومن يبقى في قفص العادة، لن يتذوق أبداً طعم الحرية والطيران في سماء الحقيقة." قصة ذلك الشاب تذكرنا بأولئك الذين، بسبب تعلقهم بالعادات والأفكار القديمة، يحرمون أنفسهم من التغيير والتطور الإيجابي، ويفوتون فرصاً جديدة. لعل قلوبنا تبقى دائماً مفتوحة ومتقبلة لنسيم التغيير والتجدد.

الأسئلة ذات الصلة