بعض الأفراد يلتزمون بالمظهر الخارجي للدين فقط بسبب غياب النية الخالصة، وقيامهم بالعبادة بدافع النفاق أو الرياء، وتفضيلهم للحياة الدنيا على الآخرة. يؤكد القرآن أن الله ينظر إلى القلوب، وأن العبادة لا تُقبل إلا إذا كانت بنية صادقة وابتغاءً لرضاه، لا لجذب انتباه الناس أو كسب منافع دنيوية.
سؤالكم العميق حول لماذا يلتزم بعض الأفراد بالمظاهر الخارجية للدين فقط، ويتجاهلون جوهره وحقيقته، هو موضوع بالغ الأهمية وقد تناوله القرآن الكريم بتفصيل. تعود هذه الظاهرة إلى جذور متعددة، تتمحور أساسًا حول غياب الإخلاص في النية، والنفاق، وتفضيل الحياة الدنيا على الآخرة. الإسلام هو دين الظاهر والباطن؛ فالعبادات مثل الصلاة والصيام والحج والزكاة هي مجرد قشرة خارجية للدين، وما يمنحها الروح والحقيقة هو النية الخالصة، والمعرفة الإلهية، والإيمان القلبي. يؤكد القرآن مرارًا أن الله ينظر إلى القلوب والنوايا، وليس فقط إلى الأشكال الظاهرية للأعمال. أولئك الذين يهتمون بالمظاهر فقط، يُحرمون من الفهم العميق والتحول الداخلي الذي يجلبه الدين الحقيقي، مما يؤدي إلى نوع من التدين السطحي وغير الفعال. أحد الأسباب الرئيسية التي يطرحها القرآن لهذه الظاهرة هو مفهوم "النفاق". المنافقون هم الذين يظهرون أنفسهم كمسلمين ومؤمنين في الظاهر، لكنهم في الباطن يحملون الكفر أو ضعف الإيمان. وصف الله المنافقين في آيات عديدة، كاشفًا عن صفاتهم ليحذر المؤمنين من الوقوع في شركهم. على سبيل المثال، في سورة النساء، الآية 142، يقول تعالى: "إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا." تُظهر هذه الآية بوضوح أن صلاة هؤلاء الأفراد ليست من خشوع وتواصل قلبي مع الله، بل من الكسل وللرياء أمام الناس. هدفهم هو كسب انتباه الناس، والحفاظ على مكانتهم الاجتماعية، أو تجنب اللوم، وليس طلب رضا الله. هذا النوع من التدين، خالٍ من المعنى ومجرد من أي أثر روحي، لأن النية الكامنة وراءه مادية ودنيوية وليست إلهية. إنهم محاصرون بين ازدواجية ظاهرهم وباطنهم، وهذا التناقض يمنع نموهم الروحي. سبب آخر هو "الرياء" أو التباهي. الرياء هو أداء الأعمال الصالحة بقصد أن يراها الناس ويمدحوها، وليس لابتغاء وجه الله. يقول القرآن الكريم في سورة الماعون، الآيات 4-6: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ." تُبين هذه الآيات أن مجرد أداء الصلاة لا يضمن قبول العمل، إذا كانت النية الكامنة وراءها هي الرياء وإظهار النفس. فالشخص الذي يتمسك بمظاهر الدين فقط، قد يصلي ويتصدق، بل وقد يحج، ولكن إذا كان هدفه من هذه الأعمال هو تعزيز مكانته الاجتماعية، أو كسب منفعة دنيوية، أو التظاهر بالتقوى، فإن عمله يكون بلا قيمة. الله لا يقبل إلا الأعمال التي أُدِّيَت بنية خالصة وابتغاء وجهه وحده. هؤلاء الأفراد، بدلًا من بناء علاقة عميقة مع الخالق، يسعون للحصول على تأييد المخلوقين، وهذا بحد ذاته هو أكبر حجاب بينهم وبين حقيقة الدين. الرياء هو سم قاتل للأعمال الصالحة، يفرغها من جوهرها ويحرم الفرد من ثوابها الأخروي. العامل الثالث هو عدم الفهم العميق والجوهر للدين. يرى بعض الأفراد الدين على أنه مجرد مجموعة من القوانين والطقوس التي يجب أداؤها بشكل ميكانيكي، دون الاهتمام بفلسفتها وحكمتها وروحها. يغفلون البعد الأخلاقي والروحي والتربوي للدين. على سبيل المثال، يرون الصلاة مجرد سلسلة من الحركات الجسدية، والصيام مجرد إمساك عن الطعام والشراب. هذا النوع من النظرة السطحية للدين، يمنع الشخص من الاستفادة من الفوائد الباطنية للعبادات، ونتيجة لذلك، يظل تدينه محصورًا في قشرة خارجية. يدعو القرآن باستمرار الإنسان إلى التفكير والتدبر والتعقل في الآيات الإلهية وعلامات الخلق لكي يتغلغل الإيمان من المستويات الظاهرية إلى أعماق القلب. أولئك الذين يبتعدون عن هذا التفكير والتدبر غالبًا ما يقعون في فخ الظاهرية ولا يستطيعون تذوق حلاوة الإيمان الحقيقي؛ إيمان يمنح القلب راحة وينير طريق الحياة. كما أن تفضيل الحياة الدنيا على الآخرة يعد أحد الأسباب الهامة لهذا الظاهرية. يقول القرآن الكريم في سورة النجم، الآية 29: "فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا." عندما يكون الهدف الرئيسي للإنسان من الحياة هو جمع الثروة، أو الحصول على المكانة، أو الاستمتاع بالملذات الدنيوية، يصبح الدين أداة لتحقيق هذه الأهداف، وليس وسيلة للتقرب إلى الله. قد يستخدم هؤلاء الأفراد الغطاء الديني لكسب ثقة الجمهور واستغلالها لمصالح شخصية. الإيمان الحقيقي لا يستقر في قلوب هؤلاء الأفراد، لأن قلوبهم مشغولة بالدنيا ومظاهرها الخادعة. إنهم على استعداد لإظهار أنفسهم متدينين بأي شكل من الأشكال ليتمكنوا من الاستفادة من مزايا الدنيا، حتى لو كان هذا العرض بعيدًا كل البعد عن حقيقتهم الداخلية. هذا النهج المرتكز على الدنيا يمنع تكون الإخلاص والصدق في الأعمال العبادية. النقطة الأخيرة هي أن الضغط الاجتماعي والثقافي يمكن أن يؤدي أيضًا إلى الظاهرية. في المجتمعات التي يعتبر فيها التدين معيارًا اجتماعيًا قويًا، قد يظهر الأفراد أنفسهم متدينين للتكيف مع المجتمع، أو للحفاظ على السمعة، أو لتجنب النبذ، حتى لو لم يكن لديهم قناعة داخلية قوية. هذا النوع من التدين هو تدين إجباري أو ظاهري يفتقر إلى الحماس والنشاط الروحي. يؤكد القرآن على حرية العقيدة وعدم الإكراه في الدين، لأن الإيمان الحقيقي يجب أن يكون اختياريًا وداخليًا. الدين الحقيقي هو تحول داخلي لا يغير مظهر الفرد فحسب، بل يغير جوهره وأخلاقه وسلوكه أيضًا. أولئك الذين يهتمون بالمظهر فقط محرومون من هذا التحول الداخلي، وبالتالي تصبح حياتهم الروحية فارغة وبلا معنى. في الختام، يجب الإشارة إلى أن الله مطلع على نوايا القلوب، ولا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا وصادقًا، وليس ما كان للتظاهر والرياء.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، في مدينة مزدهرة، عاش عابدان. كان أحدهما "الزاهد المتظاهر" الذي كان دائمًا يقف في الصف الأول للصلاة في المسجد، يتلو القرآن بصوت عالٍ، ويرتدي ثيابًا بالية ومرقعة ليظن الناس أنه زاهد وتقي. كان الناس يثنون عليه كثيرًا، وحيثما ذهب، كان يحظى بالاحترام. أما الآخر، فكان "العابد المجهول" الذي كان يتعبد في خلوته، لم يكن بحاجة إلى أن يراه أحد، وإذا فعل خيرًا، حاول ألا يلاحظه أحد. كان يعيش دائمًا بتواضع ولم يتحدث أبدًا عن أعماله. في أحد الأيام، مرض الزاهد المتظاهر وأصابه الوهن الشديد. كان يتوقع أن يأتي جميع الناس لعيادته ويدعو له، ولكن لم يأتِ إلا قليلون، الأمر الذي أحزنه كثيرًا. في هذه الأثناء، أصيب العابد المجهول أيضًا بمرض. لم يعلم بمرضه أحد سوى جار طيب. عندما وصل الخبر إلى أهل المدينة، تفاجأوا بأن عددًا كبيرًا من الناس، بمن فيهم أولئك الذين كانوا يثنون على الزاهد المتظاهر نفسه، جاؤوا بقلق واهتمام لعيادة العابد المجهول ودعوا له. الزاهد المتظاهر، الذي كان يرى هذا المشهد من بعيد، سأل أحد تلاميذه باستغراب: "لماذا يهرع الناس إليه هكذا؟ أنا الذي قضيت حياتي كلها في العبادة علنًا وكنت دائمًا في مرأى الناس، لم أرَ أقل من هذا القدر من الإخلاص!" فأجاب التلميذ: "يا شيخ، أنت عبدت من أجل الناس، وأخذت أجرك من الناس. أما هو فقد عبد الله، ووضع الله محبته في قلوب الناس. كان ظاهرُكَ للناس، وباطنُهُ لله. وما خرج من القلب، لا بد أن يستقر في القلب." تذكر هذه الحكاية أن التدين الحقيقي ينبع من أعماق الوجود ولا يحتاج إلى تظاهر. إخلاص النية كنزٌ تفوق قيمته جميع المظاهر الدنيوية.