لماذا يخرج بعض الناس عن مسار الإيمان بسرعة؟

قد يخرج الناس عن الإيمان بسبب الابتلاءات الإلهية، وزينة الدنيا، والغفلة عن ذكر الله، ووساوس الشيطان، وضعف الإيمان، وتأثير الصحبة السيئة. يتطلب الإيمان رعاية وتقوية مستمرة لمواجهة هذه العوامل.

إجابة القرآن

لماذا يخرج بعض الناس عن مسار الإيمان بسرعة؟

إن خروج الأفراد عن مسار الإيمان هو ظاهرة معقدة يتناولها القرآن الكريم من أبعاد مختلفة، ويعدد لها أسباباً متنوعة. تعود جذور هذه المسألة إلى الطبيعة البشرية، ووساوس الشيطان، ومغريات الحياة الدنيا، وتحديات الحياة. إن فهم هذه الأسباب لا يساعدنا فقط على حماية أنفسنا من الزلل، بل يجعلنا أيضاً ننظر بتعاطف أكبر إلى أولئك الذين وقعوا في هذا الموقف، مذكّرين إياهم بطريق العودة. يوضح القرآن بجلاء أن الإيمان ليس مجرد ادعاء؛ بل هو حقيقة تُختبر في الابتلاءات الإلهية ويتطلب رعاية وتقوية دائمة. أحد أهم الأسباب التي يشير إليها القرآن هو الاختبارات والفتن الإلهية. يؤكد الله تعالى صراحة في آيات عديدة أن الناس، بعد ادعاء الإيمان، سيتعرضون للاختبار لكشف صدقهم وتمييز الصادق من الكاذب. في سورة العنكبوت، الآيتين 2 و3، نقرأ: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)". يمكن أن تتجلى هذه الاختبارات في شكل مصاعب وبلايا، مثل الفقر، والمرض، وفقدان الأحباء، أو الخوف والجوع، كما ورد في سورة البقرة، الآية 155. في هذه الظروف، يفقد بعض الأفراد الذين أسس إيمانهم ضعيفة صبرهم وثباتهم، وبدلاً من التوكل على الله واللجوء إليه، يستسلمون لليأس والكفر والجحود، وينحرفون بذلك عن الطريق المستقيم. من ناحية أخرى، يمكن أن تظهر الاختبارات أيضاً في شكل الرخاء، والثراء، والسلطة، والمكانة الاجتماعية. في مثل هذه الحالات، يصاب بعض الأفراد، بدلاً من استخدام النعم في سبيل الله وشكره، بالغرور والكبرياء والطغيان، ويجعلون الحياة الدنيا هدفهم الأسمى، وهذا أيضاً شكل من أشكال الخروج عن مسار الإيمان. إنهم ينسون أن هذه نعم وأمانات من الله وليست وسيلة للتمرد. سبب آخر هو الانبهار بمغريات الحياة الدنيا والتعلق المفرط بها. يحذر القرآن الكريم بشدة من زيف الحياة الدنيا وزينتها. في سورة آل عمران، الآية 14، يقول: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ". إن الدنيا ببريقها وزخرفها تدعو الإنسان إليها، مما يجعل القيم الروحية تتضاءل أمام المكاسب المادية. عندما يصبح الهدف الأساسي للإنسان هو جمع المال، أو اكتساب السلطة، أو الشهرة، أو الملذات الدنيوية الزائلة، يضعف ارتباطه بالله والقيم الدينية تدريجياً. قد يلجأ هؤلاء الأفراد إلى أي وسيلة لتحقيق أهدافهم الدنيوية، حتى لو كانت تلك الوسائل تتعارض مع المبادئ الأخلاقية والدينية. يؤدي هذا التركيز المفرط على الدنيا إلى غفلة الإنسان عن الآخرة وفقدانه للطريق الصحيح. الغفلة عن ذكر الله وقسوة القلب هي أيضاً من العوامل الهامة للانحراف. يشدد القرآن كثيراً على الذكر وتذكر الله، لأن ذكر الله يطمئن القلوب ويمنع الضلال. في سورة الحديد، الآية 16، ورد: "أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ". عندما يغفل الإنسان عن ذكر الله، يقسو قلبه تدريجياً ويفقد القدرة على فهم الحقائق الروحية والرسائل الإلهية. يمكن أن تنتج هذه الغفلة عن الانشغال بأمور لا جدوى منها، وعدم التفكر في آيات الله، والابتعاد عن مجالس الذكر والعلم. فالقلب القاسي لا يتعرف على الحق ويتأثر بسهولة بالوساوس الشيطانية وينجرف نحو المعصية والانحراف. كما تلعب الوساوس الشيطانية دوراً حاسماً في إضلال البشر. الشيطان هو عدو الإنسان المبين ويسعى باستمرار لإبعاده عن الصراط المستقيم. إنه يغوي الناس بالوعود الكاذبة ويزين لهم الشرور، ويدفعهم نحو الخطيئة والتمرد. يستغل الشيطان نقاط ضعف الإنسان، فيزرع الشك والريبة في القلوب ويضعف إيمانهم. يشير القرآن في العديد من الآيات، بما في ذلك سورة الناس وسورة البقرة، الآية 168، إلى هذه الوساوس، ويقدم سبيل مواجهتها باللجوء إلى الله والتقوى. فالذين لا تملك إيمانهم أساساً قوياً يقعون بسهولة فريسة لخدع الشيطان ويتبعون سبيله. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي ضعف أسس الإيمان وعدم التعمق في الدين إلى خروج سريع من الإيمان. إيمان بعض الأفراد سطحي ومقلد، ولم يبنَ على فهم عميق للمبادئ والمعارف الدينية. مثل هذا الإيمان يكون عرضة للشكوك والصعوبات ومغريات الدنيا. عندما يواجه الفرد سؤالاً لا يعرف إجابته أو تحدياً يختبر إيمانه، فإنه سرعان ما يصاب بالتردد وقد يتخلى عن الطريق. يسعى هؤلاء الأشخاص عادةً إلى تبريرات سطحية لترك الدين، وبدلاً من البحث والتعمق، يستسلمون للوساوس والشكوك. يمكن أن يزيد عدم التواصل المستمر مع العلماء وأهل المعرفة، وإهمال الدراسة والتدبر في القرآن، من هذا الضعف. وأخيراً، يمكن أن يؤثر مجالسة الأفراد الفاسدين والبيئات غير المناسبة سلباً على إيمان الإنسان. الإنسان كائن اجتماعي ويتأثر ببيئته وأصدقائه. إذا صاحب الفرد أشخاصاً لا يلتزمون بالقيم الدينية ويكون الفساد والمعصية أمراً عادياً لديهم، فإنه يتأثر تدريجياً، وتضعف معتقداته الدينية. يأمر القرآن المؤمنين بمصاحبة الصالحين والابتعاد عن مصاحبة الفاسدين، لأن تأثير البيئة والصديق لا يمكن إنكاره. في سورة الفرقان، الآية 28، يذكر القرآن حسرة الضالين يوم القيامة بسبب اختيارهم للرفيق السيئ. بشكل عام، إن الخروج عن مسار الإيمان ليس نتيجة لعامل واحد، بل غالباً ما يكون نتاجاً لتضافر عدة عوامل تدفع الإنسان تدريجياً أو فجأة بعيداً عن طريق الحق. هذا يشير إلى أن الإيمان جوهرة ثمينة تتطلب حماية ورعاية مستمرة. بالاعتماد على الله، وزيادة الوعي الديني، والابتعاد عن الوساوس، والثبات في الشدائد، واختيار الرفاق الصالحين، يمكننا تقوية إيماننا ومنع الزلل في هذا الطريق المليء بالتحديات.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في حكاية من "كلستان" لسعدي، كان هناك شاب ورع وتقي، كان دائمًا منشغلاً بالعبادة في المسجد، زاهدًا في أمور الدنيا. في أحد الأيام، رآه تاجر ثري، ولتحقيق ربح أكبر في صفقة ما، طلب منه أن يتوقف عن عبادته للحظة ويشهد زوراً. قاوم الشاب في البداية، لكن التاجر وضع أمامه الكثير من الثروات الدنيوية والفرص المغرية حتى اهتز قلب الشاب. فكر في نفسه: "ما الضير إذا ارتكبت ذنبًا ليوم واحد وأعيش في رخاء وراحة بقية حياتي، ثم أتوب؟" وهكذا، شهد زوراً وحصل على مبلغ كبير من المال. لكن لم يمض وقت طويل حتى أصبح ذلك المال وبالاً عليه، وقاده إلى مزيد من الذنوب. انغمس الشاب في ملذات الدنيا لدرجة أنه لم يعد إلى المسجد قط، وإيمانه السابق، كالثلج تحت شمس الصيف الحارقة، ذاب واختفى. تنهد شيخ حكيم، كان يعرف حاله، بأسف قائلاً: "يا حسرة على عبد باع جوهرة الإيمان الثمينة بمتاع دنيوي زائل وأفرغ قلبه من النور. إن الدنيا مثل المستنقع؛ كلما غاص المرء فيها أكثر، كلما صعب عليه الخروج منها."

الأسئلة ذات الصلة