لماذا نخاف التغيير؟ منظور قرآني

ينبع الخوف من التغيير من تعلق الإنسان بالدنيا وعدم كفاية توكله على الله. ويؤكد القرآن على فناء الدنيا، وطبيعة الحياة الاختبارية، وضرورة التوكل على الله للتغلب على هذا الخوف.

إجابة القرآن

لماذا نخاف التغيير؟ منظور قرآني

الخوف من التغيير ظاهرة بشرية عميقة الجذور نفسياً ووجودياً. من منظور القرآن الكريم، يمكن إرجاع هذا الخوف إلى عدة عوامل أساسية تدور بشكل رئيسي حول طبيعة الإنسان، علاقته بالدنيا، وفهمه للمشيئة الإلهية. فالقرآن، وإن لم يشر مباشرة إلى مصطلح «الخوف من التغيير»، إلا أنه يتناول مراراً وتكراراً مفاهيم تفسر هذا الخوف وتقدم حلولاً للتغلب عليه. أحد الأسباب الرئيسية للخوف من التغيير هو التعلق الشديد للإنسان بـ«الدنيا» وما فيها. يشدد القرآن الكريم مراراً على طبيعة الحياة الدنيا الفانية والعابرة. ففي سورة الحديد الآية 20، يقول الله تعالى: ﴿اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ﴾. تظهر هذه الآية أن الإنسان بطبيعته يتعلق بماله ومكانته وعلاقاته وظروفه الراهنة. والتغيير بطبيعته يمثل تهديداً لهذه التعلقات؛ لأنه يمكن أن يؤدي إلى فقدان ما اعتاد عليه الإنسان أو يعتبره ملكاً له. يتجلى هذا الخوف من الفقدان في القلق بشأن المستقبل المجهول، وفقدان الأمان والراحة، أو حتى فقدان الهوية الشخصية. في الواقع، كلما حوّل الإنسان توازنه من الاعتماد على «الاستقرار الإلهي» إلى «الاستقرار الدنيوي»، ازداد الخوف من التغيير والفقدان. السبب الآخر هو الطبيعة الاختبارية للحياة. يعتبر القرآن الكريم الحياة ميداناً للابتلاء والامتحان. ففي سورة آل عمران الآية 140 نقرأ: ﴿وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ﴾. هذه الآية تبين بوضوح أن تبدل الأحوال (من نصر إلى هزيمة والعكس) جزء من السنة الإلهية، والهدف منه تمييز المؤمنين الحقيقيين وتزكية النفوس. عندما يُنظر إلى التغيير على أنه اختبار إلهي، فإن الخوف من الفشل في هذا الاختبار، أو الصعوبات التي تتبعه، يمكن أن يؤدي بطبيعة الحال إلى الخوف من التغيير نفسه. فالإنسان بطبعه يخاف المجهول والأشياء التي لا يملك سيطرة عليها. والتغيير غالباً ما يصاحبه عدم اليقين، وهذا عدم اليقين هو مصدر للقلق والخوف. وإذا لم يكن للإنسان توكل كامل على قدرة الله المطلقة وحكمته، فإن هذا الخوف يتفاقم. بالإضافة إلى ذلك، يلعب النقص في «التوكل» والثقة بالله دوراً مهماً في الخوف من التغيير. فالقرآن يدعو المؤمنين باستمرار إلى التوكل على الله. في سورة الطلاق الآية 3 جاء: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾. غالباً ما ينبع الخوف من التغيير من الاعتقاد بأن الإنسان وحده يجب أن يتحمل عبء المستقبل وأنه لا يمتلك القدرة على إدارة العواقب غير المتوقعة. في حين أن التوكل الحقيقي يعني أن يبذل الإنسان قصارى جهده، ثم يسلم الأمر لله ويعلم أن ما قدره الله هو الأفضل، حتى لو بدا غير سار في الظاهر. فالافتقار إلى التوكل أو ضعفه يجعل الإنسان عرضة لتقلبات الحياة ويعزز لديه الخوف من فقدان السيطرة. كما أن الخوف من التغيير يمكن أن ينشأ عن عدم الفهم الصحيح للسنن الإلهية. فالقرآن يوضح أن لله سنناً في الخلق والتدبير لا تتغير. ومن هذه السنن الإلهية، سنة التغيير والتحول. فالدنيا في حركة وتغيير دائمين، ولا شيء يبقى ثابتاً إلا ذات الله. إذا لم يقبل الإنسان هذه الحقيقة وتوقع ثباتاً مطلقاً في عالم ديناميكي، فإن كل تغيير سيعتبر تهديداً له. على النقيض من ذلك، فإن قبول هذه السنة يساعد الإنسان على التكيف مع تيار الحياة، وبدلاً من المقاومة العقيمة، يتجه إلى المرونة والتكيف. هذه النظرة القرآنية تشجع الإنسان على الديناميكية والتجديد ضمن إطار رضا الله، بدلاً من اللجوء إلى الركود والجمود. في الختام، من خلال التأكيد على العودة إلى الله والهدف الأسمى من الخلق، يساعد القرآن الإنسان على تقليص دائرة مخاوفه. فعندما يكون الهدف الأساسي من الحياة هو نيل رضا الله والسعادة الأخروية، فإن التغيرات الدنيوية، مهما كانت كبيرة، تفقد أهميتها المطلقة وتتحول إلى وسيلة لتحقيق ذلك الهدف السامي. الخوف من التغيير في هذه الرؤية يتحول إلى فرصة للنمو واختبار الإيمان وتقوية التوكل. لذلك، يمكن اعتبار الخوف من التغيير ناتجاً عن التعلق بالدنيا، وعدم كفاية التوكل على الله، وعدم الفهم الصحيح لطبيعة الحياة الاختبارية والمتغيرة، والقرآن يرى أن حل ذلك يكمن في تقوية الإيمان والتوكل وقبول المشيئة الإلهية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

قال أحد الحكماء لتلاميذه: "لماذا لا يتحرك البط، كلما اضطرب البحر وتلاطمت أمواجه؟" فقال أحد التلاميذ: "ربما لأنه يعلم أنه مع كل موجة يستطيع أن يصعد وينزل دون أن يغرق." فابتسم الحكيم وقال: "نعم، إنه يثق في عمق البحر وفي القدرة الإلهية التي تحكمه. لكن الإنسان أحياناً، بدلاً من الثقة بتلك القدرة اللامتناهية والاستقرار الداخلي، يتعلق بالاستقرار الظاهري ومياه الدنيا العكرة. وعندما تأتي موجة التغيير، يخاف ويظن نفسه غارقاً. بينما لو سلم قلبه للذات الإلهية وعلم أن كل شيء بيده، لكانت كل موجة سلماً للصعود لا دوامة للغرق." فاستفاد التلاميذ من هذا القول وفهموا أن الخوف من التغيير ينبع من قلة التوكل والتعلق بالأشياء الفانية.

الأسئلة ذات الصلة