الاكتئاب رغم الإيمان قد ينشأ من ضغوط الحياة وعدم الاعتناء بالجسد والروح. تذكر الله وطلب المساعدة الطبية يمكن أن يكون مفيدًا.
هذا السؤال يتناول معضلة يواجهها العديد من المؤمنين في الحياة اليومية. يتعلق الأمر بالضغط النفسي الذي قد يتعرض له الإنسان بفعل ظروفه الحياتية، وخصوصًا عندما يكون هذا الإنسان مؤمنًا يسعى لتحقيق التوازن بين دنياه وآخرته. فهم هذه المعضلة يتطلب تفكيرًا عميقًا وتحليلًا شاملاً للعوامل النفسية والاجتماعية والروحية التي تؤثر على الإنسان. أول شيء يجب أن نأخذه في الاعتبار هو أن البشر هم كائنات معقدة تتكون من جسد وروح ونفس. الجسد هو الوعاء المادي الذي يعيش فيه الإنسان، أما الروح فهي تلك القوة الخفية التي تعطي للحياة معنى وهدف. الروح في القرآن الكريم تأخذ أهمية خاصة، حيث يؤكد الله سبحانه وتعالى على روح الإنسان ويشير إليها بأنها من أمره. يقول الله تعالى في سورة الإسراء: "وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي" (17: 11)، مما يدل على عظمة الروح وعلو مكانتها. هذه النقطة توضح أن روح الإنسان حساسة جدًا وتتأثر بعوامل مختلفة، سواء كانت داخلية كالأفكار والمشاعر، أو خارجية كالعلاقات الاجتماعية والبيئة المحيطة. نستعرض في هذا الصدد بعض الآيات التي تسلط الضوء على كيفية تعامل المؤمنين مع الضغوط النفسية. في سورة البقرة، الآية 286، يقول الله: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"، تشير هذه الآية إلى أن الله سبحانه وتعالى يدرك تمامًا حدود طاقة الإنسان، وبالتالي يمكن أن يكون الضغط الذي يعاني منه المؤمن أحيانًا شديدًا لدرجة أن حتى المؤمنين الأقوياء قد يشعرون بالإحباط والاكتئاب. الحوار مع النفس في هذه اللحظات الصعبة يمكن أن يكون سبيلًا للخروج من الأزمة النفسية. كما أن هناك آيات أخرى تشير إلى تحديات الحياة والدروس التي يمكن أن نتعلمها من خلالها. في سورة الأنفال، الآية 28، يقول الله: "وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ"، مما يعني أن الأمور الدنيوية يمكن أن تكون أيضًا مصادر للضغط على روح الإنسان. بينما يسعى المؤمن لتحقيق النجاح في الحياة الدنيا، يجب أن يتذكر دائمًا أن المال والأبناء يجب أن يكونوا في سياق العبادة والطاعة لله. في مواجهة الاكتئاب وضغوط الحياة، لا يمكن التغافل عن أهمية العناية بالجسد والعقل. يُعتبر الإيمان عاملًا حاسمًا في الحصول على السلام الداخلي، لكنه ليس العامل الوحيد. يجب على المؤمنين تعزيز صحتهم الجسدية والنفسية بالتوجه إلى متخصصين في الطب النفسي أو طلب المشورة من استشاريين محترفين. إن التحدث مع شخص يؤمن ويستمع إلى همومنا يمكن أن يخفف من حدة التوتر الذي نشعر به. بالإضافة إلى ذلك، تعتبر الصلاة والدعاء وذكر الله من الأمور الفعّالة في تخفيف حدة مشاعر الاكتئاب والقلق. في سورة الرعد، الآية 28، قال الله: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، مما يبرز أهمية الذكر في تحقيق السكينة والطمأنينة. إن ممارسة الذكر والتوجه إلى الله بالعبادة يمكن أن يكون له تأثير عميق على النفس، حيث يمنحنا شعورًا بالأمان والراحة. علاوة على ما سبق، يجب أن نتذكر أن الحياة مليئة بالتحديات، وأن الإيمان يساعدنا على مواجهتها بقلوب مطمئنة وعقول متفتحة. إن الفهم الصحيح للدور الذي تلعبه الروح والجسد والنفس في صياغة تجربتنا الحياتية، يمكن أن يساعد المؤمنين في التغلب على أزماتهم النفسية وتحقيق توازن أفضل في حياتهم. ولذلك، من الضروري أن نتبنّى رؤية شاملة تجاه الصحة النفسية، تجمع بين الإيمان والعمل، وأن نتكاتف جميعًا من أجل دعم بعضنا البعض في الأوقات الصعبة. إن إدراك الأمور الروحية والمادية في إطار واحد من شأنه أن يمكّننا من تجاوز الصعوبات وإنقاذ أرواحنا من براثن الاكتئاب والقلق. فالإيمان، والاعتناء بالجسد، والعناية بالصحة النفسية، كلها عوامل متشابكة تؤثر فينا وتساعدنا على العيش بسلام وطمأنينة.
كان يامًا، قرر رجل يُدعى حسن أن يعمل بجد ويغير حياته. كان لديه إيمان بالله وكان يدعو، لكنه كان يشعر أحيانًا بالاكتئاب. في يوم من الأيام، أثناء نزهته، تذكر فجأة آيات القرآن. أدرك أنه بحاجة إلى ذكر الله أكثر والاعتناء بروحه وجسده. بدأ حسن يقضي المزيد من الوقت مع عائلته ولم ينسَ أن يصلي ويدعو بجانب عمله. مع مرور الوقت، شعر أنه خاصة مع ذكر الله ومحبة عائلته، تم استعادة سكينة خاصة في حياته.