التعب من كوننا بشرًا ينبع من تحديات الدنيا والغفلة عن غاية الخلق. يقدم القرآن علاجات مثل ذكر الله، الصبر، والتركيز على الآخرة للتغلب على ذلك.
إن الإجابة على هذا السؤال العميق والمعبر عن سبب شعور الإنسان أحيانًا بالإرهاق من وجوده البشري يتطلب تأملاً عميقًا في الآيات النورانية للقرآن الكريم وفهم مكانة الإنسان في الكون من منظور إلهي. هذا الشعور بالتعب، أو كما وصفتموه "التعب من كونك إنسانًا"، ليس ظاهرة تقتصر على عصرنا؛ بل له جذور عميقة في فطرة البشر والتحديات المتأصلة في الحياة الدنيوية، والتي تناولها القرآن الكريم بجمال وإتقان. يُقدم القرآن الإنسان ككائن معقد ومتعدد الأبعاد. فمن ناحية، هو خليفة الله على الأرض (سورة البقرة، الآية 30)، وموهوب بالعقل والإرادة الحرة، وقادر على بلوغ أسمى درجات الكمال. ومن ناحية أخرى، هو كائن ضعيف، عجول، كثير النسيان، وعرضة للخطأ (سورة النساء، الآية 28؛ سورة المعارج، الآيات 19-22). هذا الازدواج في طبيعة الإنسان يوفر بيئة خصبة لظهور المشاعر المتناقضة، بما في ذلك التعب واليأس. أحد الأسباب الرئيسية لهذا التعب هو "الابتلاء" أو الاختبار الإلهي. يؤكد الله تعالى في القرآن مرارًا وتكرارًا أن الحياة الدنيا هي ميدان اختبار للبشر ليكشف مدى إيمانهم وصبرهم وعملهم الصالح. «الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا» (سورة الملك، الآية 2): "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً". تشمل هذه الابتلاءات المخاوف، والجوع، ونقص الأموال والأنفس والثمرات، كما ورد في سورة البقرة، الآية 155: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». في مواجهة هذه الابتلاءات، من الطبيعي أن يشعر الإنسان أحيانًا بثقل وإرهاق. هذا التعب هو علامة على العبء الثقيل للمسؤوليات والتحديات التي يحملها الإنسان في مسار الاختبار الإلهي. ومن العوامل الأخرى التي تسهم في هذا التعب هي الطبيعة الزائلة والفانية للدنيا وملحقاتها. فالإنسان مفطور على السعي نحو الكمال والبقاء، ولكن العالم المادي مليء بالعيوب وعدم الاستقرار والفناء. عندما يربط الإنسان هويته وسعادته كلها بالأمور الدنيوية – سواء كان ذلك المال، أو المنصب، أو العلاقات الإنسانية، أو حتى الصحة البدنية – وعندما يواجه فقدانًا أو نقصًا في هذه الأمور، ينتابه شعور عميق بالفراغ وخيبة الأمل والتعب الشديد. يشير القرآن الكريم مرارًا إلى هذه الحقيقة: «وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ» (سورة الأنعام، الآية 32): "وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو، وللدار الآخرة خير للذين يتقون، أفلا تعقلون؟" إن فهم هذه الحقيقة بأن ما يؤلمنا هو في الغالب تعلقات دنيوية زائلة، وليس طبيعة الإنسان الأصيلة، يمكن أن يساعد في تخفيف هذا العبء الثقيل. يقدم القرآن حلولاً لمعالجة هذا التعب واستعادة السلام الداخلي. وأهمها "ذكر الله" أو تذكر الله. يقول الله تعالى في سورة الرعد، الآية 28: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»: "الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب". ذكر الله، سواء كان بالصلاة، أو تلاوة القرآن، أو الدعاء، أو التفكر في الخلق، أو أي عمل يربط الإنسان بخالق الوجود، هو قوة هائلة للصمود أمام الصعوبات وإيجاد المعنى في الحياة. عندما يغفل الإنسان عن هدفه الأساسي من الخلق ويوجه كل اهتماماته نحو الأمور الدنيوية، يصاب تدريجيًا بالفراغ الروحي والتعب المفرط. ولكن بالعودة إلى الله وتذكره، تعود إليه حيوية الحياة وبهجتها. يلعب الصبر، كفضيلة أخلاقية مهمة في القرآن، دورًا حيويًا في التغلب على التعب. «وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ» (سورة البقرة، الآية 153): "واستعينوا بالصبر والصلاة". الصبر يعني الثبات في مواجهة الصعوبات، وضبط النفس في مواجهة الشدائد، والحفاظ على الأمل في مواجهة اليأس. الصلاة ليست مجرد عبادة، بل هي ملجأ روحي يفصل الإنسان عن صخب الدنيا ويربطه بالمصدر الذي لا ينضب من السلام. لذلك، فإن الشعور بالتعب من كونك إنسانًا ليس ضعفًا؛ بل هو أحيانًا دعوة للاستيقاظ؛ دعوة من الداخل لإعادة تقييم الأولويات والعودة إلى جوهر الذات. يعلمنا القرآن أن هذا التعب يمكن أن يكون نتيجة لنسيان الهدف الأساسي من الخلق، والغرق في الماديات، والابتعاد عن المصدر الأصلي للسلام. من خلال التوجه إلى الله، وتقوية الإيمان، والثبات في مواجهة المشكلات، وتذكر فلسفة الحياة كاختبار، يمكن تحويل هذا الشعور بالتعب إلى فرصة للنمو والتقرب من الله، وبالتالي استعادة الحيوية والمعنى في الحياة البشرية. هذا المنظور لا يساعد الإنسان فقط على التعامل مع التحديات الوجودية، بل يقوده أيضًا نحو حياة أكثر هادفًا وإثراءً ومليئة بالسلام الداخلي. هذا التعب هو، في بعض الأحيان، مؤشر على أن روحنا بحاجة إلى تغذية وتجديد، وأفضل تغذية للروح هي الاتصال بخالقها.
يُروى أن رجلاً كان يمشي حافيًا في الصحراء، وقد أرهقته المسيرة، فكان يتذمر من حاله. دخل مسجدًا في الكوفة فرأى رجلاً قد بترت قدماه. في الحال، خر ساجدًا شاكرًا لله وقال: 'هذا هو ما يجب أن يُشكر عليه نعمه.' وبعد ذلك، لم يشكُ بعد ذلك من كونه حافيًا وأدرك قيمة ما لديه. أحيانًا، يتحول تعبنا وعدم رضانا عن ما نملك إلى سلام وشكر عندما نرى حال من هم أقل منا حظًا، مذكّرين أنفسنا بأن حتى في تعبنا هناك رحمة خفية.