لماذا لا نزال نشعر بالنقص على الرغم من توفر الإمكانیات الکثیرة؟

الشعور بالنقص رغم الوفرة ينبع من الطمع البشري، وطبيعة الدنيا الخادعة، والغفلة عن ذكر الله. الطمأنينة الحقيقية تتحقق بالشكر والاتصال بالخالق.

إجابة القرآن

لماذا لا نزال نشعر بالنقص على الرغم من توفر الإمكانیات الکثیرة؟

إن الشعور بالنقص وعدم الرضا الداخلي، حتى مع وجود وفرة من الإمكانيات والظاهر الكافي، هو أحد التحديات الإنسانية العميقة والدائمة التي تضرب جذورها في الفطرة البشرية. القرآن الكريم، بصفته كلام الله ودليل الحياة، يتناول هذه الظاهرة الإنسانية بجمال وعمق، ويشرح أسبابها ويقدم حلولها. في منظور القرآن، هذا الشعور بالنقص ينبع من عدة عوامل رئيسية تتعلق بالطبيعة العابرة للحياة الدنيا، والميول النفسية للإنسان، ونسيان الهدف الأصلي من الخلق. دعونا نستعرض هذه الأسباب معاً لنحصل على فهم أعمق لهذا التحدي ونتعلم طرق التغلب عليه. السبب الأول، وربما الأهم، الذي يذكره القرآن لشعور النقص رغم وفرة الإمكانيات، هو الطمع الذي لا يشبع والجشع المتأصل في الإنسان. يشير الله تعالى في آيات عديدة إلى هذه السمة البشرية. على سبيل المثال، في سورة التكاثر، الآية 1 و2 يقول: «أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ ﴿١﴾ حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ ﴿٢﴾» أي: «أشغلكم التفاخر بكثرة الأموال والأولاد، حتى زرتم المقابر (أي: متم).» هذه الآية توضح بجلاء أن الإنسان يميل بطبيعته إلى الزيادة والمنافسة، وهذا الميل يصرفه عن الأهداف الأسمى والأكثر روحانية. الإنسان يسعى دائمًا لامتلاك المزيد؛ المزيد من المال، المزيد من السلطة، المزيد من الشهرة. هذه المنافسة والرغبة في الازدياد هي دورة لا نهاية لها ولا تصل أبدًا إلى نقطة الاكتفاء. بغض النظر عن مدى ما يحصل عليه الإنسان، فإنه بسبب مقارنة نفسه بالآخرين أو ظهور احتياجات جديدة، يشعر دائمًا أن ما لديه ليس كافيًا. هذا الطمع يشبه النار التي كلما ألقيت فيها الوقود، زاد لهيبها ولا تنطفئ أبدًا. يعلمنا القرآن أن هذا الجشع لا يجلب الطمأنينة فحسب، بل يؤدي أيضًا إلى الغفلة عن الهدف الأساسي للحياة والابتعاد عن السعادة الحقيقية. العامل الثاني هو الطبيعة الخادعة والعابرة للحياة الدنيا. يؤكد القرآن مرارًا أن الحياة الدنيا ليست سوى لعب ولهو ومتاع زائل. في سورة الحديد، الآية 20 نقرأ: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْنِيَّا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ» أي: «اعلموا أنما الحياة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد، كمثل غيث أعجب الكفار نباته، ثم يهيج فتراه مصفرا، ثم يكون حطاما، وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور.» هذه الآية توضح ببراعة أن التعلق بالدنيا ومواردها المادية يشبه السراب؛ يبدو جميلاً وجذابًا من بعيد، ولكن عندما نصل إليه، لا نجد شيئًا سوى الخداع. عندما يلخص الإنسان هدفه النهائي في جمع الثروة والمكانة والملذات المادية، فإنه لن يشعر أبدًا بالاكتفاء والراحة بسبب زوال هذه الأمور وعدم قدرتها على إشباع الاحتياجات الروحية العميقة. هذا الشعور بالنقص هو في الواقع إنذار من الفطرة البشرية يقول للإنسان أن يبحث عن الطمأنينة وسد الفراغ في مكان آخر. العامل الثالث هو الغفلة عن ذكر الله وعدم الشكر. قلب الإنسان هو وعاء لا يمتلئ إلا بذكر الله وحبه. في سورة الرعد، الآية 28 ورد: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» أي: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب.» عندما يبتعد الإنسان عن المصدر الأساسي للطمانينة والثراء الحقيقي، فمهما أقبلت عليه الدنيا، فإنه سيظل يشعر بالفراغ والنقص. ذكر الله يعني حضوره في جميع لحظات الحياة ومعرفة نعمه. هذه المعرفة تؤدي إلى الشكر. الشكر لا يزيد فقط بركة النعم (كما جاء في سورة إبراهيم، الآية 7: «لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ» أي: «لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.»)، بل يغير أيضًا نظرة الإنسان إلى ما يمتلكه. الشخص الشاكر، بدلاً من التركيز على ما ليس لديه، ينتبه إلى ما يمتلكه، وهذا يؤدي إلى القناعة والرضا الداخلي. أما إذا كنا ناكرين للجميل ونتجاهل النعم، فسنشعر دائمًا أننا نستحق المزيد، وهذا الشعور يدفعنا إلى هوة النقص. باختصار، شعور النقص رغم وفرة الإمكانيات، ينبع من الميول النفسية للزيادة والتكاثر، والطبيعة الخادعة لظواهر الدنيا، والبعد عن ذكر الله. القرآن يقدم حلولًا لهذه المعضلة في تغيير النظرة، والتركيز على الآخرة، والشكر، والقناعة، والأهم من ذلك كله، إقامة علاقة عميقة مع خالق الكون. فقط بملء الفراغات الداخلية بالروحانية والرضا بالقدر الإلهي يمكن للإنسان أن يحقق الطمأنينة الحقيقية ولن يسعى بعد ذلك للبحث عن الشبع الذي لا يتحقق في الدنيا. هذا يعني تحويل الحاجة المادية إلى حاجة روحية، وملء هذه الحاجة بما يغذي الروح، لا مجرد الجسد.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

حكي أن تاجرًا كان يمتلك ثروة طائلة، لكن قلبه لم يجد الراحة قط. كان يسعى باستمرار لزيادة ممتلكاته، وكلما اكتسب المزيد، شعر بنقص أكبر. ذات يوم، صادف حكيمًا زاهدًا كان يجلس بسلام في حديقة، قانعًا بخبز الشعير والماء العذب فقط. سأل التاجر بدهشة: «يا رجل الله، أنا بكل هذه النعم والمال، لا أجد الراحة لحظة واحدة، وأنت بهذا الفقر، كيف أنت هادئ ومسرور هكذا؟» ابتسم الحكيم وقال: «يا تاجر، أنت تحمل ممتلكاتك على كتفيك، وأنا قد رفعت عبء ممتلكاتي عن كتفي. ما يروي الروح ليس كثرة المال ولا وفرة النعم، بل هو القناعة وذكر الرب. أنت تريد أن تمسك الدنيا في قبضتك، وأنا أردت أن أخرج الدنيا من قلبي. ما دمت متعلقًا بالدنيا وما فيها، فلن تشبع أبدًا، لأن الدنيا لا تشبع. ولكن متى فتحت قلبك نحو الخالق ورضيت بما رزقك، فحينئذ يكون الفقر لك غنًى، ويتحول النقص نفسه إلى كمال.» أخذ التاجر العبرة من كلام الحكيم وسلك طريق القناعة والشكر، ووجد السلام الحقيقي في ما يملك، لا في زيادة ممتلكاته.

الأسئلة ذات الصلة