يتعب الإنسان أحيانًا من الخير بسبب طبيعته الساعية للراحة، والابتلاءات الإلهية، ووسوسة الشيطان، أو نقص الإخلاص ونسيان الهدف الأسمى. تجديد النوايا، واللجوء إلى الله، والصبر والصلاة هي العلاجات الأساسية.
يا إخواني وأخواتي الأعزاء، هذا سؤال عميق ومحفز للتفكير، يضرب بجذوره في تعقيدات الوجود البشري والحكمة الإلهية. القرآن الكريم، وهو كتاب الهداية والبصيرة، لا يذكر صراحةً لماذا يتعب الإنسان من 'الخير' في آية مباشرة. ومع ذلك، من خلال استكشاف آياته، يمكننا الحصول على فهم أعمق لطبيعة الإنسان، والابتلاءات الإلهية، والعوامل المؤثرة على ثباته في طريق الصلاح. هذا التعب من الخير، غالبًا ما لا يعني نفورًا من جوهر الخير نفسه، بل هو ناتج عن عوامل داخلية وخارجية تتحدى مثابرة الإنسان واستمراريته. أحد أهم الأسباب يكمن في طبيعة الإنسان ذاتها. يصف القرآن الكريم الإنسان بأنه عجول أحيانًا (سورة الإسراء، الآية 11)، وقليل الإحسان (سورة المعارج، الآيات 19-21)، وكفور (سورة إبراهيم، الآية 34). فالنفس البشرية تسعى بالفطرة إلى الراحة وتجنب المشقة. والاستمرار في أداء الأعمال الصالحة، التي غالبًا ما تتطلب جهدًا وصبرًا وإيثارًا وتضحية، يمكن أن يكون صعبًا عليها. هذا الصراع بين رغبة النفس في الراحة وضرورة الجهاد في سبيل الله وأداء الخير، يؤدي أحيانًا إلى الشعور بالتعب والإرهاق. فالله سبحانه وتعالى يقول في سورة البلد (الآية 4): "لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ"، أي "لقد خلقنا الإنسان يكابد الشدائد في الدنيا". تشير هذه الآية إلى أن حياة الإنسان مليئة بالجهد والمشقة، والاستمرار في الخير ليس استثناءً لهذه القاعدة. سبب آخر هو طبيعة الدنيا الاختبارية. يؤكد الله تعالى في آيات عديدة من القرآن الكريم أن الحياة الدنيا هي ميدان اختبار للبشر (سورة الملك، الآية 2: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا" - الذي خلق الموت والحياة ليختبركم أيكم أحسن عملاً). هذه الاختبارات تظهر أحيانًا في صورة مصاعب ومشاق، ولكن أحيانًا يكون الاستمرار في فعل الخير ومقاومة وساوس الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، بحد ذاته نوعًا من الابتلاء. الشيطان يتربص بنا دائمًا ليصرفنا عن الطريق المستقيم بإلقاء التعب والوسوسة واليأس، وجعل الأعمال الصالحة تبدو بلا قيمة. يوصينا القرآن بالاستعاذة بالله من شر وسوسته (سورة الناس). عدم تجديد النية والإخلاص يمكن أن يكون أيضًا من أسباب التعب. فعندما لا يؤدَّى العمل الصالح ابتغاء مرضات الله وبنية خالصة، بل تكون هناك دوافع دنيوية مثل السعي للشهرة، أو المديح، أو المنافع المادية، فإن دافع الفرد يتراجع مع عدم تحقيق التوقعات أو عدم تلقي مكافآت دنيوية فورية، مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق. يؤكد القرآن بشدة على أهمية الإخلاص في العمل (سورة البينة، الآية 5: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ" - وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين). فعندما تكون النية خالصة، يكون الثواب الأصلي عند الله، وهذا بحد ذاته مصدر لا ينضب لتجديد الطاقة والحماس. نسيان الهدف الأسمى وعظمة الثواب الإلهي يمكن أن يؤدي أيضًا إلى التعب. إذا نسي الإنسان أن كل عمل صالح يقوم به محفوظ عند الله، وأن ثوابه سيعود إليه في الدنيا والآخرة، فقد يفقد الدافع. يشير القرآن الكريم مرارًا إلى الثواب العظيم للأعمال الصالحة لتشجيع المؤمنين على الثبات في طريق الخير (مثل سورة الزلزلة، الآية 7: "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه" - فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره). وعلاوة على ذلك، فإن عدم الشكر على التوفيق في فعل الخير يمكن أن يزيد من هذا الشعور. فكل توفيق لأداء عمل صالح هو نعمة من الله، وشكر هذه النعمة بحد ذاته يؤدي إلى زيادتها وبركتها. بالإضافة إلى ذلك، قد تستنفد كثرة المشاكل وضغوط الحياة أحيانًا القوة الروحية والجسدية للإنسان، مما يجعله يشعر بالتعب حتى من أداء الأعمال الصالحة. في مثل هذه الظروف، ينصحنا الله أن نستعين بالصبر والصلاة (سورة البقرة، الآية 153). الصبر يعني الثبات في مواجهة الصعاب والمشقات، والصلاة هي مصدر عظيم لتجديد القوى والاتصال بالقوة الإلهية اللانهائية. هذه هي الحلول التي يقدمها القرآن للحفاظ على الثبات في طريق الحق ومواجهة التعب. في الختام، التعب من الخير حالة مؤقتة وليست دائمة. بتجديد النية، وتذكير النفس بالهدف الأسمى، واللجوء إلى الله، والاستعانة بالصبر والصلاة، يمكن التغلب على هذا الشعور ومواصلة طريق الخير بحماس متجدد. يعلمنا القرآن الكريم أن نكون دائمًا في جهاد وسعي، وألا نيأس أبدًا من رحمة الله وفضله، وأن نعلم أن الأجر الحقيقي عنده سبحانه.
في بستان سعدي، يُروى أن ملكًا سأل أحد الدراويش: "لماذا يتضجر الدراويش أحيانًا ويفقدون صبرهم، مع أنهم يسعون ظاهريًا في الزهد والتقوى؟" فأجاب الدرويش بحكمة: "يا أيها الملك، النبع الصافي، ما دام ماؤه يجري، يبقى عذبًا ويروي العطش. ولكن إذا ركد الماء في مكان وتوقف عن الجريان، فإنه يتحول إلى مستنقع وتصدر منه رائحة كريهة. قلب الإنسان كذلك. إذا لم يكن في حركة وتجديد مستمر في أداء الأعمال الصالحة، ورعاية خلق الله، وذكر الحق، وإذا واجه روتينًا وتكرارًا بلا روح، فإنه يتكدر كالمياه الراكدة ويتعب من الخير. روحنا تحتاج إلى نوايا متجددة، وأفكار جديدة، والابتعاد عن الروتين في العمل الصالح لتحافظ على نضارتها." استوعب الملك هذه الكلمات وأدرك أن الخير نفسه يحتاج إلى تجديد الروح والمعنى ليظل بمنأى عن التعب.