لماذا يشعر الإنسان أحيانًا بالعجز رغم إيمانه؟

يمكن أن ينبع الشعور بالعجز رغم الإيمان من ضعف الإنسان الطبيعي ووساوس الشيطان، لكن الإيمان الحقيقي يحوّل هذا الشعور إلى طمأنينة ويقين بالصبر والصلاة وذكر الله والتوكل الكامل عليه. فالله جعل الحياة اختبارًا، وهو الملجأ الحقيقي الوحيد.

إجابة القرآن

لماذا يشعر الإنسان أحيانًا بالعجز رغم إيمانه؟

هذا سؤال عميق ومحوري يواجهه الكثير من الناس، حتى المؤمنون الصادقون، في مراحل مختلفة من حياتهم. قد يبدو الشعور بالعجز أو اليأس متعارضًا للوهلة الأولى مع مفهوم الإيمان والتوكل على الله تعالى، لكن الحقيقة هي أن هذا الشعور يمكن أن يكون جزءًا لا يتجزأ من رحلة التطور الروحي، وله جذور في الطبيعة البشرية والسنن الإلهية التي أشار إليها القرآن الكريم. دعونا نلقي نظرة أعمق على هذا الموضوع من منظور قرآني. القرآن الكريم يصف الحياة الدنيا بأنها دار اختبار وابتلاء. يشير الله تعالى في آيات عديدة إلى حقيقة أن حياة الإنسان مرتبطة بالمصاعب والتحديات والامتحانات. على سبيل المثال، يقول الله في سورة البقرة، الآية 155: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين). هذه الآية توضح بجلاء أن الخوف والجوع والفقدان والمصاعب جزء لا يتجزأ من الحياة الدنيا، وأن الغرض منها هو اختبار إيمان الإنسان. لذا، فإن الشعور بالعجز يمكن أن يكون نتيجة طبيعية لمواجهة هذه الابتلاءات، وليس بالضرورة نقصًا في الإيمان. هذه الابتلاءات هي فرص لقياس قوة إيماننا ومدى ثقتنا بوعود الله. من الأسباب الرئيسية للشعور بالعجز هو الضعف الطبيعي للإنسان. يشدد القرآن مرارًا على طبيعة الإنسان المستعجلة والقليلة الصبر. في سورة الإسراء، الآية 11 يقول: «وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا» (وكان الإنسان عجولا). هذا الاستعجال يجعل الإنسان يفقد الأمل بسرعة أمام المشاكل ويدخل في حالة من العجز، لأنه لا يملك الصبر والقدرة على انتظار الفرج. هذا الضعف جزء من التركيبة الوجودية للإنسان، والإيمان هو أداة للتغلب على هذه الضعف، وليس لإزالتها بالكامل. المؤمن الحقيقي هو الذي يلجأ إلى القدرة الإلهية المطلقة رغم هذه الضعف، عالمًا أن الله وحده هو القادر على حل جميع المشاكل. نقطة أخرى حاسمة هي جودة التوكل والاعتماد على الله. الإيمان ليس مجرد اعتقاد قلبي، بل يشمل أيضًا التوكل العملي والكامل على الذات الإلهية. أحيانًا يكون إيماننا موجودًا على المستوى النظري، ولكن عند مواجهة تحديات كبيرة، يتزعزع هذا التوكل. بدلاً من أن نسلم كل أمورنا إلى الله ونفوض الأمر إليه (بعد بذل الجهد اللازم)، نصبح مرتبطين بشكل مفرط بالأسباب والوسائل الظاهرية. وعندما تفشل هذه الوسائل أو تصبح خارج سيطرتنا، نشعر بالعجز. لكن التوكل الحقيقي هو أن نعرف أنه على الرغم من أهمية الأسباب، فإن القوة المطلقة لله وحده، وهو خير وكيل. في سورة الطلاق، الآية 3 يقول القرآن: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا» (ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا). هذه الآية تؤكد لنا أنه إذا كان توكلنا حقيقيًا، فإن الله كافينا، ولا توجد قوة أعظم منه يمكنها تدبير الأمور أفضل منه. هذه الآية توفر طمأنينة قوية للقلوب القلقة. الوساوس الشيطانية تلعب أيضًا دورًا مهمًا في إحداث الشعور بالعجز. يسعى الشيطان باستمرار إلى إضعاف إيمان المؤمنين وبث اليأس والقنوط في قلوبهم. يحاول أن يجعل الإنسان ييأس من رحمة الله من خلال إثارة الأفكار السلبية، وتضخيم المشاكل، وغرس الشعور بالوحدة والعجز. في سورة الناس، يأمرنا الله بالاستعاذة به من الوسواس الخناس. إن الوعي بهذا الدور الشيطاني يساعد الإنسان على رؤية هذه المشاعر ليس كضعف في إيمانه، بل كهجوم من عدو، ومقاومته واللجوء إلى الله. كذلك، يمكن أن يسهم سوء فهم القدر الإلهي في الشعور بالعجز. عندما يفشل الأفراد في فهم أن كل شيء يحدث بقضاء الله وقدره، أو يفسرون ذلك على أنه جبرية بدلاً من حكمة إلهية، فقد يشعرون بالعجز. الفهم الحقيقي للقدر يتضمن الاعتراف بأنه بينما نسعى ونخطط، فإن النتيجة النهائية تكمن في يد الله، وأن حكمته تتجاوز فهمنا الكامل. هذا الفهم يعزز السلام الداخلي والقبول، مما يقلل من الشعور بالضياع التام. قد يرى الإنسان في المصيبة شرًا له، بينما هي في حقيقة الأمر خير أراده الله له ليطهره أو ليرفع درجته، كما في قوله تعالى في سورة البقرة، الآية 216: «وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ». هذا الوعي يغير نظرة الإنسان للمشاكل ويساعده على مواجهتها بمنظور أوسع وتوكل أكبر. فما هي الحلول؟ يقدم القرآن الكريم حلولاً قوية للتغلب على هذا الشعور بالعجز: 1. الصبر والصلاة: في سورة البقرة، الآية 153 نقرأ: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين). الصبر هنا لا يعني الاستسلام السلبي أو التخلي عن السعي، بل المثابرة والصمود في مواجهة الصعوبات وعدم فقدان الأمل. الصبر الفعال يشمل بذل الجهد لحل المشكلة ثم التوكل على الله. والصلاة هي أقوى وسيلة للتواصل مع الله ومصدر عميق للسكينة والقوة. عندما يجد الإنسان نفسه أمام ربه في الصلاة، تخف جميع أعباء قلبه ويشعر أنه لا ملجأ إلا هو، وأنه يكفيه. الصلاة هي عماد الدين وأكثر الأعمال إراحة للروح والجسد. 2. ذكر الله: يقول القرآن: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (سورة الرعد، الآية 28: الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب). ذكر الله، سواء باللسان (التسبيح، التهليل، التكبير، تلاوة القرآن) أو بالقلب (التفكر في آياته وعلاماته، حضور القلب في كل لحظة)، يؤدي إلى راحة القلب وتخفيف القلق. تذكير النفس بقدرة الله ورحمته وعلمه اللامتناهي يحرر الإنسان من الشعور بالعجز ويطمئنه بأنه دائمًا تحت رعاية ودعم القادر المطلق الذي لا يخفى عنه شيء. 3. الدعاء والتضرع: التواصل المباشر مع الله من خلال الدعاء هو باب أمل لا يغلق أبدًا. عندما يرفع الإنسان يديه بالدعاء، فإنه في الواقع يعترف بضعفه وأن اعتماده الوحيد هو على الله. هذا الاعتراف بالضعف أمام القدرة الإلهية المطلقة هو عين القوة والعبودية، ويؤدي إلى اتصال روحي عميق. يقول الله في سورة غافر، الآية 60: «وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ» (وقال ربكم ادعوني استجب لكم). هذا الوعد هو أكبر مصدر للأمل للمؤمنين، مؤكدًا لهم أن دعواتهم مسموعة ومستجابة، وإن اختلفت طريقة الاستجابة عما يتوقعون أو يرغبون. 4. التفكر في الحكمة الإلهية: أحيانًا لا يدرك الإنسان الحكمة التي وضعها الله وراء المصائب. في القرآن جاء: «وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ» (سورة البقرة، الآية 216: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون). هذا الوعي والنظرة الأعمق يغيران منظور الإنسان للمشاكل ويساعدانه على مواجهتها بمنظور أوسع وتوكل أكبر، لأنه يعلم أن الله يريد الأفضل لعباده، حتى لو بدت الأمور صعبة في ظاهرها. في الختام، يمكن أن يكون الشعور بالعجز تذكيرًا بأن الملجأ الحقيقي الوحيد هو الله تعالى. إذا تم التعامل مع هذا الشعور بشكل صحيح، فإنه يمكن أن يفصل الإنسان عن الاعتماد على غير الله ويدفعه نحو الاعتماد الكامل على الخالق. المؤمن الذي يسلك هذا المسار، مع كل تحدي وصعوبة، لا يضعف إيمانه، بل تتجذر أصوله أعمق وتصبح أكثر ثباتًا. هذه التجربة، رغم أنها قد تكون مؤلمة، يمكن أن تؤدي إلى نمو روحي هائل وقرب من الذات الإلهية. لذا، كلما اقترب منك هذا الشعور، اعتبره علامة للعودة بعمق أكبر إلى ربك، فهو وحده «الملاذ والملجأ» الحقيقي لجميع عباده، ولا شيء يخرج عن قدرته ورحمته.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في أحد الأيام، ضل تاجر صالح يُدعى «صابر» طريقه عن قافلته في رحلة طويلة، وتاه في صحراء قاحلة. كانت الشمس الحارقة تسلط أشعتها عليه، وقد أنهكته العطش والجوع. ضاق صدره وتملكه شعور بالعجز الشديد. لكنه كان يؤمن بالله طوال حياته، فتذكر فجأة آيات القرآن التي تقول: «أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ». فأغمض عينيه، وبكل كيانه، من أعماق قلبه، لجأ إلى ربه وهمس: «ربي، أنت ملجأ العاجزين، أنت الرزاق بلا حساب.» لم يكد دعاؤه ينتهي حتى داعب نسيم بارد وجهه، ووصلت إليه رائحة الماء. بذهول، فتح عينيه ورأى على مسافة ليست ببعيدة، عين ماء صافية تنبع من قلب صخرة. أسرع إلى العين، وشرب الماء، وأدى ركعتي شكر لله. في تلك اللحظة، أدرك أنه حتى في أوج العجز، فإن الإيمان والتوكل الحقيقي لا يتركان الإنسان أبدًا، وأن الله دائمًا ملجؤه ومعينه.

الأسئلة ذات الصلة