لماذا الحسد موجود حتى في قلوب المؤمنين؟

الحسد ميل إنساني يمكن أن ينبت حتى في قلوب المؤمنين، لكن الإيمان يوفر الأدوات لمواجهته والتغلب عليه. فالمؤمن، بالشكر والقناعة والتوكل على الله ومقاومة وساوس الشيطان، يستطيع أن يطهر قلبه من هذا الداء الروحي.

إجابة القرآن

لماذا الحسد موجود حتى في قلوب المؤمنين؟

الحسد، وهو ما يُعرف في اللغة العربية بـ«الحسد»، هو عاطفة إنسانية معقدة، ومرض عميق في القلب حذّر القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة منه بشدة. والسؤال عن سبب وجود الحسد حتى في قلوب المؤمنين هو سؤال عميق، يتناول طبيعة الإنسان ذاتها، والجهاد الروحي المستمر (جهاد النفس)، والتأثير المنتشر للشيطان. من الضروري أن نفهم أن مجرد وجود فكرة أو شعور عابر بالحسد لا يخرج المرء فورًا من كونه مؤمنًا. بل إن طريقة الاعتراف بهذا الشعور ومواجهته والسعي الجاد للتغلب عليه هي التي تحدد قوة الفرد الروحية والتزامه بإيمانه. يقر القرآن الكريم بالضعف والنزعات المتأصلة في الطبيعة البشرية. فالإنسان خلق ولديه ميل إلى الطمع وعدم الصبر والرغبة في زينة الحياة الدنيا. يقول الله تعالى في سورة الكهف (الآية 46): ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾. وبينما هذه النعم هي عطايا من الله، إلا أنها يمكن أن تصبح مصادر اختبار ومقارنة. فعندما يرى المؤمن شخصًا آخر قد أنعم الله عليه بشيء يرغب فيه – سواء كان مالاً، أو علمًا، أو جمالاً، أو مكانة، أو نجاحًا – فقد تنبت بذرة الحسد لحظيًا في قلبه. وهذا التحرك الأولي هو اختبار، ووسوسة من الشيطان. ورد المؤمن على هذه الوسوسة هو الذي يحدد ما إذا كانت ستصبح قوة مدمرة أم ستظل فكرة عابرة يجب التخلص منها بسرعة. إن جوهر الإيمان ليس غياب العيوب البشرية، بل هو السعي المستمر لتزكية النفس ومواءمة رغبات المرء مع إرادة الله. يوفر الإسلام إطارًا شاملاً لهذه التزكية. عندما يعتنق شخص الإسلام، لا يتخلى فورًا عن جميع صفاته البشرية السلبية. بل يبدأ رحلة مدى الحياة لتحسين الذات، يسترشد بالوحي الإلهي. فالحسد، مثل الغضب والكبر والجشع، هو أحد هذه الميول البشرية المتأصلة التي تتطلب يقظة مستمرة وانضباطًا روحيًا لإدارتها. يسلط القرآن الضوء على حالات لعب فيها الحسد دورًا، حتى بين أولئك الذين يمتلكون المعرفة أو الإيمان. على سبيل المثال، تتحدث سورة البقرة (الآية 109) عن بعض أهل الكتاب الذين «مِنْ عِندِ أَنفُسِهِمْ»، كانوا يتمنون لو يردون المؤمنين كفارًا بعد إيمانهم، بعدما تبين لهم الحق. وهذا يظهر أن الحسد المتأصل يمكن أن يعمي الأفراد عن الحقيقة ويقودهم إلى تمني السوء للآخرين، حتى لأولئك الذين يسعون للصلاح. هذا الشكل من الحسد متجذر في الغطرسة ورفض النعمة الإلهية الممنوحة للآخرين. يلعب الشيطان، العدو اللدود للبشرية، دورًا مهمًا في إذكاء نيران الحسد. هدفه الأساسي هو زرع الشقاق وخلق العداوة وإضلال الناس. فبهمسه أفكار المقارنة وعدم الرضا والاستياء في قلوب المؤمنين، يسعى لإضعاف إيمانهم، وإفساد أعمالهم الصالحة، وإبعادهم عن الشكر والقناعة. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا من مكائد الشيطان ويشجع المؤمنين على الاستعاذة بالله من وسوساته الشريرة، كما هو موضح في سورة الفلق (الآية 5)، التي تأمرنا صراحة أن نستعيذ «وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ». هذه الآية تقر بواقع الحسد وضرره المحتمل، وتؤكد على الحاجة إلى الحماية الإلهية. فكيف يحارب المؤمن هذه العاطفة الخبيثة؟ يقدم القرآن علاجات عميقة: 1. تنمية الشكر: يذكرنا القرآن باستمرار بأن نكون شاكرين لنعم الله. فعندما يركز المؤمن على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، بدلاً من التركيز على ما يمتلكه الآخرون، يفقد الحسد أساسه. يقول الله تعالى في سورة إبراهيم (الآية 7): ﴿لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾. الشكر يحول التركيز من النقص المتصور إلى النعمة الوفيرة. 2. القناعة والتوكل على الله: فهم أن الله هو الرزاق الأوحد، وأنه يوزع نعمه وفق حكمته وعدله اللامتناهي، يساعد في تخفيف الحسد. فرزق كل شخص وظروفه جزء من خطة إلهية. يقول الله تعالى في سورة الزخرف (الآية 32): ﴿أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾. هذه الآية تعلمنا أن الفروقات في الأرزاق الدنيوية جزء من نظام الله. وتأتي القناعة الحقيقية من قبول قضاء الله. 3. الاستعاذة بالله (الدعاء): كما ذكر في سورة الفلق، فإن السعي الحثيث لحماية الله من شر الحسد هو سلاح روحي قوي. تقوية الاتصال بالله بالدعاء المنتظم يبني درعًا روحيًا ضد التأثيرات السلبية. 4. التركيز على تحسين الذات والآخرة: بدلاً من الطمع فيما يمتلكه الآخرون، يشجع المؤمنون على التركيز على تحسين أنفسهم، وتجميع الأعمال الصالحة، والسعي للحصول على المكافآت الأبدية في الآخرة. فالمنافسة الحقيقية هي في الصلاح، وليس في المكاسب الدنيوية. 5. التفرقة بين الغبطة والحسد: من المهم التمييز بين الحسد المدمر (الحسد) وشكل مقبول من «الغبطة». الغبطة هي أن يتمنى المرء أن يمتلك نعمة أو صفة مشابهة لشخص آخر دون أن يتمنى أن يفقدها ذلك الشخص. على سبيل المثال، الرغبة في امتلاك العلم كعالم أو الثراء للإنفاق في سبيل الله كشخص كريم، دون أن يتمنى لهما فقدان علمهما أو ثروتهما. هذا الشكل من التطلع صحي ويمكن أن يحفز على الأعمال الصالحة. أما الحسد، فهو تمني زوال نعمة الغير، وهو محرم ومدمر بشكل لا لبس فيه. في الختام، فإن وجود الحسد في قلب المؤمن هو دليل على الصراع البشري المستمر ضد النفس الأمارة بالسوء والوساوس المستمرة من الشيطان. فالإيمان لا يقضي على هذه التحديات ولكنه يجهز المؤمن بالأدوات الروحية والإرشاد والمرونة لمواجهتها. ومن خلال تنمية الشكر والقناعة والتوكل على الله والتماس حمايته ورعاية المحبة للآخرين، يمكن للمؤمنين تطهير قلوبهم بفعالية من آفة الحسد المدمرة، والاقتراب من الحالة المثالية للسلام الداخلي والنقاء الروحي التي يهدف إليها الإسلام. إنها رحلة مستمرة، وليست وجهة يتم الوصول إليها بين عشية وضحاها، وكل لحظة يتم فيها التغلب على الحسد هي انتصار في سبيل الإيمان.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، اشتكى درويش يرتدي خِرقة من فقره لملك، متمنيًا الثراء. الملك، الذي كان يراقبه لبعض الوقت، ابتسم ولم يقل شيئًا. لاحقًا، بينما كان الدرويش يغادر، مر به متسول أعمى يصرخ طلبًا للمساعدة. توقف الدرويش، نظر إلى الرجل الأعمى، ثم إلى عينيه، وسجد فورًا، قائلاً: «الحمد لله الذي وهبني البصر، حتى لو كنت أفتقر إلى المال. ففقري مع البصر خير من الثراء مع العمى.» من ذلك اليوم، توقف عن الشكوى ووجد القناعة فيما لديه. عندما سمع الملك هذا، أدرك أن الثروة الحقيقية تكمن في الصحة والسلام الداخلي، وليس مجرد الممتلكات. تعلمنا هذه القصة أنه بالشكر على نعمنا، يمكننا التغلب على الحسد وإيجاد راحة القلب.

الأسئلة ذات الصلة