تقلب الإيمان طبيعي وينشأ من وساوس الدنيا والابتلاءات الإلهية والذنوب. وتشمل الحلول القرآنية لتثبيت الإيمان ذكر الله، الصلاة، تلاوة القرآن، الصبر، أداء الأعمال الصالحة، واجتناب الذنوب.
إن الإجابة على سؤال لماذا يتأرجح إيمان الإنسان أحيانًا تتطلب فهمًا عميقًا للطبيعة البشرية ونظرة شاملة لتعاليم القرآن الكريم. يعتبر القرآن الكريم الإيمان ليس حالة ثابتة ومستقرة، بل مسارًا ديناميكيًا وعملية مستمرة. إن تقلبات الإيمان هي في الواقع جزء طبيعي من الرحلة الروحية لكل فرد، وقد أشار الله تعالى في آيات عديدة إلى هذه الديناميكية والعوامل المؤثرة عليها. أحد الأسباب الرئيسية لتقلب الإيمان هو طبيعة الحياة الدنيا نفسها. نحن نعيش في عالم مليء بالتحديات والإغراءات والمشتتات. يذكر القرآن مرارًا وتكرارًا جاذبية الحياة الدنيا وطبيعتها الزائلة. عندما يغرق الإنسان في الأمور المادية والهموم اليومية، قد يغفل عن ذكر الله والهدف الأسمى من الخلق. هذا الغفلان يمكن أن يضعف الإيمان تدريجيًا ويسبب تقلباته. إن التعلق المفرط بالمال والأولاد والمناصب والجمال الزائل للحياة الدنيا يمكن أن يبعد الإنسان عن الروحانية ويفرغ القلب من نور الإيمان. تشير سورة الحديد، الآية 20، بشكل جميل إلى هذه النقطة: "اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ". وهذا تحذير من أن هذه الأمور الخادعة قد تلهي الإنسان عن ذكر الله والآخرة. تلعب الاختبارات والابتلاءات الإلهية دورًا مهمًا في تقلب الإيمان. يؤكد الله تعالى مرارًا في القرآن أنه يبتلي الناس بالخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات (البقرة 2:155). عند مواجهة هذه الابتلاءات، قد يصاب بعض الأفراد بالشك أو اليأس أو حتى الجحود، وهذه الردود يمكن أن تؤدي إلى ضعف الإيمان. لكن القرآن يقدم الصبر والصلاة كحل، ووعد بأن الله مع الصابرين. هذه الاختبارات ليست مجرد تقييم للإيمان، بل توفر أيضًا فرصًا لتقويته وترسيخه. عندما يخرج الفرد بنجاح من ابتلاء إلهي، يصبح إيمانه أقوى وأكثر رسوخًا. في الواقع، يمكن أن يكون تقلب الإيمان في هذه الظروف علامة على عملية النمو والتطهير الروحي. الذنوب والمعاصي هي من العوامل الأخرى التي تضعف الإيمان. كل ذنب يرتكبه الإنسان يترك أثرًا سلبيًا على قلبه وروحه، ويمكن أن يقلل تدريجيًا النور الذي يحمله في داخله. يشجع القرآن المؤمنين على التوبة والاستغفار لتطهير قلوبهم وإعادة إضاءتها. الاستمرار في الذنوب، صغيرة كانت أو كبيرة، يؤدي إلى إقامة حاجز بين الإنسان وربه، وهذه المسافة تؤدي إلى تقلب الإيمان وضعفه. في المقابل، فإن الأعمال الصالحة والإحسان يقويان الإيمان ويمنحانه الاستقرار. لمواجهة تقلبات الإيمان وتثبيته، يقدم القرآن حلولاً عملية وعميقة: 1. الذكر وذكر الله: يؤكد القرآن مرارًا على أهمية ذكر الله. "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد 13:28). الذكر، سواء كان تلاوة القرآن، أو الدعاء، أو التسبيح، أو حتى التفكر في آيات الله في الخلق، يمكن أن يبقي القلب حيًا ويحرره من الغفلة. الذكر الدائم هو بمثابة غذاء للروح يغذي الإيمان. 2. الصلاة والعبادة: الصلاة هي عمود الدين ومعراج المؤمن. إن الاتصال المنتظم والخاشع مع الله يمنح الإيمان قوة هائلة. الصلاة ليست مجرد فريضة؛ إنها فرصة للحوار مع الخالق، والتعبير عن الحاجات، والشكر، مما ينقي القلب ويثبت الإيمان. في سورة البقرة، الآية 45، جاء: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ". 3. تلاوة القرآن وتدبره: القرآن الكريم هو كتاب الهداية. قراءة آياته والتفكر في معانيها يعمق فهم الإنسان لعظمة الله وحكمته. عندما يعيش الإنسان بمفاهيم القرآن، يصبح إيمانه أكثر رسوخًا ويقل تأثره بالاضطرابات. القرآن شفاء للقلوب ويكشف الحقائق الإلهية التي تزيد اليقين. 4. الصبر والثبات في مواجهة المشاكل: الحياة هي ساحة اختبار. قبول حقيقة أن المشاكل جزء من الحياة وأنه يمكن التغلب عليها بالصبر والتوكل يقوي الإيمان. في سورة البقرة 2:155-157، يبشر الله الصابرين الذين يقولون عند المصيبة: "إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ"، بالرحمة والهداية. 5. الأعمال الصالحة والابتعاد عن الذنوب: العمل الصالح هو تجلٍّ عملي للإيمان ويقويه. فكما أن الذنب يضعف الإيمان، فإن الأعمال الصالحة مثل الصدقة ومساعدة المحتاجين والصدق وحسن الخلق، تسقي الإيمان وتمنحه الاستقرار. 6. صحبة الصالحين: إن مصاحبة الأفراد المؤمنين والصالحين توفر بيئة إيجابية يتقوى فيها الإيمان. يمكن لهؤلاء أن يكونوا مذكرين بالله، وأن يقدموا العزاء والإرشاد في لحظات الضعف. إن تقلب الإيمان، على الرغم من أنه قد يكون مزعجًا في بعض الأحيان، إلا أنه يمكن أن يكون بمثابة تنبيه للعودة إلى الذات والاهتمام أكثر بالاتصال بالله. يجب ألا تكون هذه التقلبات سببًا للإحباط، بل دافعًا لمزيد من الجهد في المسار الروحي. الإيمان كالشجرة التي تحتاج إلى سقي مستمر (ذكر وعبادة) وحماية (اجتناب الذنوب) لتتعمق جذورها وتزداد قوتها. بالالتزام بهذه المبادئ القرآنية، يمكن تحقيق استقرار أكبر في الإيمان والتقليل من تقلباته. في النهاية، الإيمان رحلة وليست وجهة نهائية، وكل تقلب يمكن أن يكون فرصة لتعميق وتطور أكبر.
سُئِلَ أحدُ الدراويش الصافيةِ القلوب، الذي كان قلبهُ دائمًا مُنيرًا بنور الحقيقة، يومًا: 'كيف لا تظهر حزينًا ولا يائسًا أبدًا في هذا العالم المليء بالتقلبات؟' فأجاب الدرويش: 'ماء النهر يجري باستمرار، تارةً هادئًا وتارةً متدفقًا بعنف، ولكن النهر لا يتوقف عن الجريان. وكذلك قلب المؤمن. أحيانًا تعصف به عواصف الدنيا ودواماتها، وتهزّه الإغراءات والمصاعب وتزعزع إيمانه. ولكن إذا كانت جذور القلب متصلة بقوة بالينبوع الصافي لذكر الله والتوكل عليه، فلن يجف أبدًا ولن يحيد عن مساره. هذه التقلبات هي مجرد تذكير لنا لتجديد ماء الإيمان ولا نتركه يركد. المهم هو ألا نضل الطريق وألا نغفل أبدًا عن فيضان ذكر المحبوب.' فلنتخذ العبرة من هذه الحكاية: الإيمان كالنهر؛ يجري ويتطهر، ولا يجب أبدًا الغفلة عن ذكر الله تعالى.