لماذا يشل الندم الإنسان؟

الندم، خاصة على الفرص الأخروية الضائعة، يحبس الإنسان في ماضٍ لا يمكن تغييره، ويسلب منه كل أمل في المستقبل ودافع للعمل، مما يؤدي إلى شلل روحي وفكري. ولكن في الدنيا، التوبة والأمل في رحمة الله هما سبيل للتحرر من هذا الشلل والتحرك إلى الأمام.

إجابة القرآن

لماذا يشل الندم الإنسان؟

الندم، وخاصة ذلك النوع العميق من الندم المشار إليه في آيات القرآن الكريم، هو حالة نفسية مدمرة يمكن أن تمنع الإنسان من أي حركة أو تقدم، وتؤدي به نوعًا ما إلى "الشلل". هذا الشلل ليس بالضرورة شللاً جسديًا، بل هو شلل نفسي وفكري وروحي يمنع أي أمل في المستقبل، أو محاولة للتعويض، أو حتى قبول القدر. لقد تناول القرآن الكريم في مواضع عديدة عواقب الندم في الدنيا والآخرة، وبخاصة ندم يوم القيامة، مقدمًا صورة بليغة لهذا الشلل الروحي. من المنظور القرآني، غالبًا ما يظهر الندم عندما تفوت الفرص ولا يبقى طريق للتعويض. وهذا الندم بصفة خاصة لأولئك الذين لم يقبلوا الحقائق في الدنيا، وابتعدوا عن الهدى الإلهي، ولم يقوموا بالأعمال الصالحة، أو أضاعوا فرصة التوبة. عندما تُرفع الحجب ويواجه الإنسان حقيقة أعماله وعواقب غفلته، يستولي عليه ندم لا نهاية له. هذا الندم، بسبب فقدان الفرص الذي لا رجعة فيه، يؤدي إلى نوع من التجمد والشلل الروحي. لا يوجد دافع للعمل بعد الآن، لأن إمكانية العمل لم تعد موجودة. لا يوجد أمل في التغيير بعد الآن، لأن وقت التغيير قد انتهى. هذا هو "الشلل" الذي يحبس الإنسان في قبضة ماضٍ لا يستطيع تغييره. يذكر القرآن مرارًا على لسان أهل النار أو من هم في سكرات الموت، أمنيتهم بالعودة إلى الدنيا ليتمكنوا من فعل الصالحات أو تعويض ما فات. لكن الرد الإلهي القاطع هو "كلا!". هذا العجز عن العودة والتعويض هو أبلغ مثال على حالة الشلل. فالإنسان يريد، لكنه لا يستطيع. هذه الرغبة بلا قدرة تستنزف الروح وتقضي على الأمل. إن ندم فقدان فرصة السعادة الأبدية عظيم جدًا لدرجة أنه يسد كل فكر وحركة. هذه الحالة هي حالة يأس كامل، حيث لا يملك الفرد أي قوة لتغيير وضعه، وينغمس فقط في عذاب الندم والحسرة. وهذا العجز عن الفعل والتجمد أمام الواقع المرير هو ما نسميه "الشلل الروحي". إن الشلل الناتج عن الندم له جذور عميقة في عدم القدرة على قبول الماضي. فالإنسان الذي يعيش في حسرة يعيش دائمًا في ماضٍ كان يمكن أن يكون مختلفًا. هذا العود المستمر إلى "لو" و "يا ليت" يستنزف طاقة الحاضر ويمنعه من التحرك نحو المستقبل. وفي يوم القيامة، يصل هذا الندم إلى ذروته، لأنه لم يعد هناك "حاضر" للعمل ولا "مستقبل" للأمل. تغرق كل الآمال في ماضٍ ضاع، وهذه التجربة، حرفيًا، تشل الإنسان. يرى الفرص التي لا تقدر بثمن التي كانت لديه لكسب رضا الله والسعادة الأبدية، لكنه أضاعها بالإهمال والغفلة. هذه الرؤية بدون إمكانية التعويض، تضع أثقل عبء ممكن على روحه. بالإضافة إلى ذلك، قد يعمل الندم في الدنيا أيضًا بأشكال مشابهة. إذا ركز الإنسان في الدنيا بشكل مفرط على أخطائه الماضية ولم يستطع أن يسامح نفسه أو يتعلم منها، فإن هذا الندم يمكن أن يمنعه من التقدم. غالبًا ما يقع هؤلاء الأشخاص في دائرة من الندم ولوم الذات التي تمنع أي مبادرة أو جهد أو حتى علاقات صحية مع الآخرين. قد يتراجعون عن القيام بأعمال جديدة أو متابعة أهدافهم بسبب الخوف من الفشل المتكرر أو عدم القدرة على ترك الماضي. هذا النوع من الندم، على الرغم من أنه ليس بشدة ندم الآخرة، إلا أنه يمكن أن يعطل حياة الإنسان الدنيوية بنفس القدر ويبقيه في حالة سلبية وخمول. يفتح القرآن الكريم، بالتأكيد على التوبة والأمل في رحمة الله، الطريق للتحرر من هذا النوع من الشلل في الدنيا. يؤكد الله في آيات عديدة أن كل ذنب، مهما كان عظيمًا، قابل للمغفرة بالتوبة النصوح، ولا ينبغي لأحد أن ييأس من رحمة الله. وهذا بحد ذاته دعوة للتحرر من قيود الندم والتحرك نحو مستقبل أكثر إشراقًا، بالتوكل على الله وفعل الصالحات. باختصار، الندم يشل الإنسان لأنه يحبسه في ماضٍ ضائع لا يمكن تغييره. هذه الحالة تقضي على الأمل في المستقبل وتسلب أي دافع للعمل. في الآخرة، هذا الشلل مطلق ولا مفر منه، ولكن في الدنيا، بالتوبة والاستغفار والتوكل على الله، يمكن للمرء أن ينجو من براثن هذا الندم المدمر ويجد طريقة للتعويض والتحرك إلى الأمام. يظهر القرآن دائمًا طريق العودة والأمل، إلا عندما تفوت فرصة التوبة وتُرفع الحجب.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في گلستان سعدي أن ملكًا عادلًا كان لديه وزير حكيم وذكي. وفي يوم من الأيام، مرض الوزير فذهب الملك لزيارته. قال الوزير بحسرة عميقة: «أيها الملك، لقد أضعت عمري الثمين في الفراغ، وجمعت أموال الدنيا بدلًا من أن أجمع زادًا للآخرة. الآن، والموت يتربص بي، يداي مقيدتان ولا أستطيع فعل شيء. يا ليتني اغتنمت الفرص الماضية وجمعت العلم والعمل الصالح بدلًا من المال.» واساه الملك، لكن الوزير من شدة ندمه لم يستطع النهوض أو حتى التفكير في المستقبل، وكأن الندم قد سمّره في فراش مرضه. هذه الحكاية تذكرنا بأن الفرص تمر كالسحاب؛ إذا لم تُغتنم، ينشأ ندم يسلب الإنسان القدرة على الحركة والعمل.

الأسئلة ذات الصلة