لماذا يصف القرآن الإنسان بأنه كثير النسيان؟

يصف القرآن الإنسان بأنه كثير النسيان، سواء كان ذلك سهوًا طبيعيًا أو غفلة متعمدة عن الحقائق الإلهية نتيجة للتعلق بالدنيا ووساوس الشيطان. وقد ذُكرت هذه الصفة لتنبيه الإنسان وتشجيعه على ذكر الله واليقظة.

إجابة القرآن

لماذا يصف القرآن الإنسان بأنه كثير النسيان؟

يتناول القرآن الكريم، بصفته كلام الهداية الإلهي، الطبيعة البشرية بعمق، ويستعرض سماتها المختلفة، الإيجابية والسلبية منها، ليُرشد الإنسان إلى طريق الفلاح. من أبرز السمات التي أشارت إليها آيات القرآن المتعددة هي صفة "النسيان" أو النسيان لدى الإنسان. هذه السمة ليست مجرد خلل نفسي، بل تحمل أبعادًا وجودية وأخلاقية وروحية عميقة، ولها تبعات مهمة في الحياة الدنيا والآخرة. يشير القرآن إلى هذه السمة لتوعية الإنسان بها، وتقديم سبل مواجهة آثارها السلبية. من منظور القرآن، للنسيان البشري أبعاد متعددة. في بعض الآيات، يشير النسيان إلى السهو والخطأ الطبيعي غير المقصود، وهو جزء من الفطرة البشرية، وقد نُسب حتى إلى النبي آدم (عليه السلام). على سبيل المثال، في سورة طه، الآية 115، نقرأ: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا". تُظهر هذه الآية أن النسيان يمكن أن يكون ضعفًا فطريًا لا يسلم منه حتى الأنبياء، وإن كان هذا النسيان في حق الأنبياء لا يؤدي أبدًا إلى ذنب أو معصية متعمدة، بل يقتصر على الجانب الطبيعي البشري. أما البعد الآخر للنسيان، والذي يؤكد عليه القرآن بشدة، فهو النسيان الإرادي الناتج عن الغفلة والإعراض المتعمد عن الحقائق. هذا النوع من النسيان يتجذر في التعلقات الدنيوية، ووساوس الشيطان، وقلة التفكر والتدبر في آيات الله. فالإنسان، نتيجة لتعلقه الشديد بالدنيا وملذاتها، ينسى الحقائق الأساسية للحياة، وهدف الخلق، ويوم المعاد، بل وينسى النعم الإلهية التي لا تُحصى. هذا النوع من النسيان، الذي يصاحبه الإهمال والإعراض، خطير جدًا ويمهد للانحراف عن طريق الحق والضلال. عندما يغفل الإنسان عن ذكر الله، فإنه ينسى نفسه أيضًا، ويفقد هويته الأساسية ومكانته الحقيقية في الوجود. هذا ما أشار إليه القرآن في سورة الحشر، الآية 19: "وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ". هذه الآية توضح بجلاء أن نسيان الله يؤدي إلى نسيان الذات، وهذا هو قمة الضلال والفسق، لأن الإنسان عندما ينسى نفسه، فإنه لا يعرف هدفه ورسالته، وينحدر نحو الهلاك. أما الأسباب الرئيسية لهذا النسيان الإرادي فهي متعددة. أولًا، الانجذاب إلى الدنيا والمشاغل المادية يغرق الإنسان لدرجة تجعله يغفل عن الحقائق الأسمى. فزينة الدنيا، والمال والأولاد، والسلطة والشهرة، يمكن أن تضع حجابًا على قلب الإنسان وتصرفه عن ذكر الله ويوم القيامة. ثانيًا، تلعب وساوس الشيطان دورًا مهمًا في تعزيز هذا النسيان. فالشيطان يسعى دائمًا لإضلال الإنسان بوعود كاذبة وتزيين الباطل، محاولًا محو ذكر الله من قلبه. ثالثًا، يؤدي نقص التفكر والتدبر في آيات الله في الكون وفي داخل الإنسان إلى تهيئة الظروف للنسيان. عندما لا يتأمل الإنسان في الآيات الآفاقية والأنفسية، فإن قلبه يقسو وينفر من التذكر والتذكير. نتائج النسيان في القرآن تُصور بخطورة بالغة. أبرز هذه النتائج هو نسيان "لقاء الله" أو لقاء الرب يوم القيامة. فالذين جعلوا الدنيا غايتهم القصوى وغفلوا عن يوم الحساب، يواجهون العذاب الإلهي يوم القيامة. في سورة الأعراف، الآية 51، يقول الله تعالى: "الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا ۚ فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَٰذَا وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ". "نسيان" الله هنا يعني إهمال الإنسان وتركه في العذاب، وليس بمعنى عدم علم الله أو إدراكه. مع ذلك، فإن القرآن لا يذكر هذه السمة النسيانية لمجرد اللوم والتوبيخ، بل كتحذير ودعوة إلى اليقظة والتذكر. فالهدف الأساسي هو أن الإنسان، بإدراكه لهذا الضعف الفطري فيه، يسعى دائمًا إلى التذكر و"الذكر". فذكر الله، سواء باللسان أو بالقلب أو بالفعل، هو السبيل الوحيد لمواجهة النسيان والغفلة. فالصلاة، وتلاوة القرآن، والتفكر في آيات الله، وتذكر الموت والقيامة، ومصاحبة الأخيار، كلها أدوات تحمي الإنسان من النسيان وتساعده على الثبات على طريق الحق. يدعو القرآن الإنسان إلى التذكر الدائم لواجباته والتزاماته تجاه الله وخلقه، ليظل بمنأى عن الوقوع في فخ النسيان وعواقبه الوخيمة. بعبارة أخرى، يعلمنا القرآن أن النسيان جزء من طبيعتنا، لكن الاستسلام له هو خيارنا، وعلينا أن نغلبه باليقظة والوعي وبمعونة ذكر الله، ونتجاوز هذا القيد البشري.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جاء في گلستان سعدي أن أحد الحكماء قال: "إن لم أكن في ذكرك، فلن يكون لي مكان في قلب أحد آخر". وينطبق الأمر ذاته على الإنسان وربه. يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، شرع رجل تقي في رحلة روحية. كان يمتلك نية خالصة ويرغب في الوصول إلى القرب الإلهي، ولكن بين الحين والآخر، كانت نفسه تميل نحو بريق الدنيا وزخرفها، مما يبعده عن مساره الأصلي. أحيانًا كان ينغمس في التجارة، وأحيانًا أخرى يستسلم للملذات الفانية، وفي غمرة ذلك، كان ينسى عهده مع الله وهدفه الأسمى في الحياة. رأى شيخ حكيم حاله، فقال له برفق: "يا سالك طريق الحق! ازرع شجرة أملك في تربة قلبك، ولكن اسقها دائمًا بماء ذكر الله، وإلا فإن إعصار النسيان سيُذبل أغصانها وأوراقها. كلما وجدت نفسك غافلًا وناسيًا، تذكر أن غايتك هي لقاء المحبوب، وأن الابتعاد عن ذكره هو أعظم حجاب." أخذ الرجل نصيحة الشيخ بقلبه، ومنذ ذلك الحين، جعل ذكر الله يجري على لسانه وقلبه في كل لحظة، وكلما شعر بالنسيان، عاد مسرعًا إلى ذكر الله. وهكذا، استطاع أن يتغلب على صفة النسيان وأن يمضي قدمًا نحو هدفه.

الأسئلة ذات الصلة