يستخدم القرآن مصطلح 'عمي القلوب' للأفراد الذين، على الرغم من امتلاكهم حواس جسدية، إلا أنهم محرومون من إدراك الحقائق والعلامات الإلهية. هذا العمى هو نتيجة لخياراتهم وأفعالهم، مثل الكبرياء والإنكار والغفلة عن الآخرة والاستمرار في الذنوب، مما يختم قلوبهم.
في القرآن الكريم، يُستخدم مصطلح "عمي القلوب" أو تعبيرات مشابهة تشير إلى العمى الروحي لوصف الأفراد الذين، على الرغم من امتلاكهم حواس ظاهرية سليمة، إلا أنهم محرومون من القدرة على فهم الحقائق الإلهية، والآيات الواضحة لله في الكون، ورسائل الوحي. هذه الحالة ليست إعاقة جسدية، بل هي نقص عميق في البصيرة الداخلية، والإدراك القلبي، والفهم الروحي. يصف القرآن هؤلاء الأفراد بأنهم "عمي القلوب" بسبب خياراتهم وأفعالهم التي أدت إلى ختم قلوبهم وإغلاقها. يُعد هذا التعبير القرآني تحذيراً جاداً لكل إنسان قد يسير في طريق الغفلة والإنكار ويبقى محرومًا من هذه البصيرة. القلب، من المنظور القرآني، ليس مجرد عضو مادي، بل هو مركز الإدراك، والتفكير، والإيمان، والمشاعر. إنه المكان الذي تتكون فيه البصيرة والرؤية الحقيقية أو تضيع. عندما يتحدث القرآن عن "عمى القلوب"، فإنه يعني أن هؤلاء الأفراد قد فقدوا القدرة على تمييز الحق من الباطل، والخير من الشر، والهدى من الضلال. إنهم غير قادرين على رؤية آيات قوة الله وحكمته ورحمته، والتي تتجلى في كل مكان من الخلق وفي آيات القرآن، والاستفادة منها. وكما يقول القرآن في سورة الحج، الآية 46: "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ"؛ هذه الآية توضح صراحة أن المشكلة ليست في البصر الظاهري، بل في البصيرة الداخلية وهذا ما يؤدي إلى الحيرة والضلال. تذكر القرآن أسباباً مختلفة تؤدي إلى "عمى القلوب" لدى البشر، وهذه الأسباب دائماً ما تكون لها جذور داخلية وأخلاقية: 1. **الاستكبار والكبرياء ضد الحق:** الأفراد الذين، بسبب الغرور والعظمة، لا يقبلون الحقيقة، حتى لو أدركوها بوضوح. يمنع هذا الكبرياء قلوبهم من الانفتاح على نور الهداية. يعتبرون أنفسهم أسمى من أن يتلقوا الهداية من الآخرين (حتى الأنبياء) أو أن يتواضعوا أمام الحق. هذا الكبر يخلق حجاباً عظيماً بين الإنسان والحقيقة. 2. **الإصرار على الإنكار والعناد:** بعض الناس، على الرغم من رؤية الآيات الإلهية الواضحة وسماع رسائل الحق، يرفضون القبول بعناد وإصرار. يؤدي هذا الإصرار على الكفر والعصيان إلى قسوة وظلام قلوبهم، لدرجة أنهم لم يعودوا قادرين على رؤية الحقيقة. هذه الحالة من العناد تحرمهم من أي فرصة للتوبة والعودة. 3. **الانغماس في الملذات الدنيوية والإغفال عن الآخرة:** عندما يكرس الإنسان كل اهتمامه للدين والماديات وينسى ذكر الله والآخرة، تتراكم الصدأ على قلبه تدريجياً ويفرغ من نور البصيرة. يعمي هذا الإهمال المزمن عين القلب ويمنع التفكير في غاية الخلق وعواقب الأفعال. التعلق المفرط بالدنيا يلقي حجاباً سميكاً على البصيرة. 4. **التقليد الأعمى للأجداد والتحيزات الجاهلية:** بعض الأفراد، بسبب التحيزات العرقية أو القبلية أو العائلية، يلتزمون بمعتقدات وتقاليد أسلافهم الباطلة ويرفضون قبول أي حقيقة جديدة تتعارض مع معتقداتهم. يمنع هذا التقليد الأعمى استيقاظ الضمير واستنارة القلب، ويبقيهم في دائرة مغلقة من الجهل. 5. **تراكم الذنوب المستمرة والشوائب الروحية:** كل ذنب يرتكبه الإنسان يضع نقطة سوداء على قلبه. إذا استمرت هذه الذنوب ولم يتب الإنسان، فإن هذه البقع المظلمة تتصل ببعضها وتغطي القلب بأكمله، مما يؤدي إلى ختمه. القلب المظلم لم يعد يستقبل نور الهداية الإلهية ويغرق في الظلام المطلق. 6. **اتباع الهوى والشهوات:** عندما يخضع الإنسان لأهوائه وشهواته ويتجاهل عقله وضميره، تتلاشى بصيرته. تعمل الشهوات كحجاب على عين القلب وتمنعها من رؤية الحقائق. هذا الالتزام المطلق للشهوات يسد طريق الهداية. إن ختم القلب وعمى البصيرة هو نتيجة لأفعال الإنسان وخياراته، وليس قدراً جبرياً. فالله لا يغلق باب الهداية على أحد إلا إذا أغلقه هو بنفسه بالإصرار على الكفر والظلم والمعصية. يشير القرآن الكريم إلى هذه الحالة في آيات عديدة. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 7، يقول: "خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ۖ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ۖ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ"؛ هذه الآية تتحدث عن الذين، بعد أن يتضح لهم الحق، ينكرونه عمداً ويصرون على كفرهم. ختم القلب هنا هو عقاب إلهي ونتيجة طبيعية لانحرافهم المستمر وتمرد وصد عن آياته، الذي اختاروه بأنفسهم. كون القلب "أعمى" يعني عدم القدرة على التفكير الصحيح، ورفض قبول الحجج المنطقية، واللامبالاة تجاه الآيات والعلامات الإلهية. هؤلاء الأفراد لن يؤمنوا حتى لو رأوا معجزة، لأن بصيرتهم الداخلية مغلقة. يتم طرح هذا المفهوم في القرآن كحالة تحذيرية لمنع الناس من الوقوع في الغفلة والإنكار، وللحفاظ على قلوبهم دائماً مستعدة ومنفتحة لاستقبال النور الإلهي. يؤكد القرآن أن قابلية الهداية والبصيرة هي أمر مكتسب يتطلب الجهد، والتأمل، والابتعاد عن الذنوب. لذا، فإن وصف بعض الناس بأنهم "عمي القلوب" هو وصف دقيق لحالة يكون فيها الفرد، بسبب خيارات خاطئة واستمراره عليها، محرومًا من فيض الهداية الإلهية وغير قادر على إدراك الحقائق الواضحة والبيّنة. هذا بمثابة جرس إنذار لنا جميعاً لنحافظ على قلوبنا ولا نسمح للغفلة والذنوب أن تلقي حجاباً على بصيرتنا وتبعدنا عن سبيل النور والهداية.
ذات يوم، وصل حكيم إلى قرية. لاحظ أن أهل القرية، حتى في وضح النهار، كانوا يسيرون بمشاعل مطفأة، ويتصادمون باستمرار ويشتكون قائلين: 'الطريق مظلم!' تعجب الحكيم وسأل: 'لماذا لا تضيئون مشاعلكم؟ الشمس في السماء، والطريق واضح!' أجاب القرويون بلا مبالاة: 'ما الفائدة التي نجنيها من إضاءتها؟ لقد اعتدنا على ذلك، ولا نرغب في تغيير أي شيء.' أدرك الحكيم أن أعينهم مفتوحة، لكن قلوبهم مغلقة، غارقون في العادة والغفلة. فقال بتنهيدة عميقة: 'هؤلاء لا يحتاجون إلى نور خارجي، بل إلى نور داخلي.'