التردد في الإصلاح غالبًا ما ينبع من اليأس من رحمة الله أو وساوس الشيطان. يؤكد القرآن أن باب التوبة والرحمة الإلهية مفتوح دائمًا، وأن الجهود الصادقة لتحسين الذات تُقابل دائمًا بلطف الله وهدايته.
«لماذا لا أمنح نفسي فرصة للإصلاح؟» هذا السؤال التأملي العميق يتردد صداه كصراع مشترك بين العديد من البشر، معركة صامتة بين الرغبة في تحسين الذات والقوى العديدة التي تعيقنا. من منظور إسلامي، غالبًا ما ينبع هذا التردد في تبني التغيير أو السعي للإصلاح من تداخل معقد للعوامل: اليأس من رحمة الله الواسعة، والوساوس الخبيثة للشيطان، والتعلق بالعادات المألوفة – حتى لو كانت ضارة – وأحيانًا، خوف عميق من الفشل أو الجهد الهائل المتصور المطلوب للتحول. القرآن الكريم، بصفته دليلًا شاملًا للبشرية، يتناول هذه المآزق الإنسانية العميقة بحكمة بالغة، مقدمًا ليس فقط التشخيص بل أيضًا مسارًا واضحًا للتحرر والنمو الروحي. في صميم هذه المسألة يكمن المفهوم المحوري لرحمة الله اللامتناهية واستعداده الثابت للمغفرة. كثيرون ممن يترددون في الإصلاح يفعلون ذلك لأنهم يشعرون أن خطاياهم عظيمة جدًا، وماضيهم ملوث جدًا، أو قدرتهم على التغيير محدودة جدًا. ومع ذلك، فإن هذا الشعور باليأس يتناقض مباشرة مع العديد من الآيات القرآنية. فالله ينهى صراحة عن اليأس من رحمته، معلنًا في سورة الزمر (39:53): «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.» هذه الآية منارة أمل، تؤكد لكل فرد، بغض النظر عن تجاوزاته السابقة، أن باب التوبة والإصلاح مفتوح دائمًا. إنها تؤكد أن مغفرة الله تشمل جميع الذنوب عندما تحدث توبة صادقة. مجرد طرح هذا السؤال – «لماذا لا أمنح نفسي فرصة؟» – هو في حد ذاته بارقة أمل، رغبة وليدة في التغيير يشجعها الله ويسهلها. عقبة أخرى مهمة أمام الإصلاح هي خداع الشيطان الماكر. يحذرنا الله من عداوته وجهوده الدؤوبة لإضلال البشرية. استراتيجية الشيطان الأساسية هي تثبيط المؤمنين عن فعل الخير، وعن التوبة، وعن السعي نحو الأفضل. قد يوسوس بأفكار مثل: «فات الأوان»، «لست قويًا بما يكفي»، «ستفشل مرة أخرى»، أو «استمتع بحياتك، أصلح لاحقًا.» في سورة البقرة (2:268)، يقول الله تعالى: «الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ۖ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ.» غالبًا ما يجعل الشيطان طريق الإصلاح يبدو شاقًا، مليئًا بالتضحيات، وخاليًا من المتعة الفورية، بينما يجعل العادات الآثمة تبدو مريحة، سهلة، أو حتى مجزية على المدى القصير. إدراك هذه الوساوس كإغراءات خارجية، وليست إخفاقات شخصية متأصلة، هو الخطوة الأولى نحو نزع سلاحها. علاوة على ذلك، فإن البشر كائنات عادات. يتطلب الانفصال عن الأنماط الراسخة، حتى الضارة منها، جهدًا واعيًا كبيرًا وقوة إرادة. إن «منطقة الراحة» لحالتنا الحالية، على الرغم من عيوبها، يمكن أن تكون جذابة بشكل خادع لأنها معروفة ويمكن التنبؤ بها. إن فكرة الدخول في المجهول من التغيير الحقيقي يمكن أن تثير الخوف – الخوف من حكم المجتمع، الخوف من فقدان جوانب معينة من هويتنا، أو الخوف من الصراع نفسه. ومع ذلك، يعلمنا الإسلام أن الراحة والسلام الحقيقيين يكمنان في مواءمة المرء لنفسه مع الإرادة الإلهية وتطهير الروح. يذكرنا القرآن بأن هذه الحياة مؤقتة واختبار، وأن النجاح الحقيقي يقاس بالتزام المرء بالصلاح والإصلاح الذاتي. طريق الإصلاح ليس مجرد التخلي عن الذنوب؛ بل هو السعي بنشاط نحو الخير. يتجلى هذا المفهوم بشكل جميل في سورة العنكبوت (29:69): «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ.» تؤكد هذه الآية مبدأ أن الله يكافئ الجهد الصادق ويوفر الهداية لأولئك الذين يسعون بنشاط للتقرب إليه. إنه وعد إلهي بأنه عندما يتخذ الشخص ولو خطوة صغيرة نحو الإصلاح، فإن الله سيقابله بدعم أكبر ويفتح له أبوابًا لم يتخيلها أبدًا. المجاهدة، أو الصراع الداخلي ضد النفس الأمارة بالسوء، هي عملية مستمرة لتنقية الذات. إنها تنطوي على خيارات واعية، وصبر، ومثابرة، وتوكل على الله. لكي يمنح المرء نفسه فرصة حقيقية للإصلاح، يجب عليه أولاً أن يزرع نية صادقة للتغيير من أجل الله. هذه النية تحول مجرد الرغبة إلى قوة دافعة. بعد ذلك، تأتي التوبة النصوح (التوبة الصادقة) والتي لا غنى عنها. هذه ليست مجرد قول «أنا آسف»، بل تشمل عدة عناصر: التعبير عن الندم الحقيقي على الأفعال الماضية، التوقف الفوري عن السلوك الآثم، العزم الراسخ على عدم العودة إليه أبدًا، وإذا كان ذلك ممكنًا، تعويض من تم الإساءة إليهم. الله يشجع هذا صراحة، كما في سورة النور (24:31): «وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.» الفلاح، بالمعنى القرآني، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بهذا الرجوع إلى الله. أخيرًا، تذكر أن الإصلاح رحلة وليست وجهة. قد تكون هناك انتكاسات، ولحظات ضعف، أو عودة عادات قديمة. المفتاح هو عدم الاستسلام لليأس، بل النهوض مرة أخرى، وتجديد النية، وطلب مغفرة الله مرة أخرى. الله يحب أولئك الذين يعودون إليه مرارًا وتكرارًا. منح المرء نفسه فرصة يعني تبني الشفقة الذاتية مع الحفاظ على المساءلة الذاتية، وفهم أن رحمة الله دائمًا أعظم من أي خطيئة، وأن كل جهد صادق، مهما كان صغيرًا، يتم الاعتراف به ومكافأته. إنها دعوة لإعادة بناء العلاقة مع الإله، مطمئنين إلى أن السلام والنجاح الحقيقيين يكمنان في هذا السعي الدائم نحو النقاء الداخلي والمواءمة مع هداية الله الكاملة.
كان هناك رجل، مثقل بأخطائه الماضية، وغالبًا ما كان يقول لنفسه: «أتمنى أن أبدأ صفحة جديدة، ولكن كيف لي ذلك بعد كل ما مضى؟ خطاياي كثيرة جدًا، وروحي ضعيفة جدًا.» فاقترب منه درويش حكيم، لاحظ حزنه الدائم، وقال له: «يا صديقي، النهر يجري إلى الأمام دائمًا، مطهرًا نفسه مع كل تيار جديد. هل تظن أن الشمس ترفض أن تشرق من جديد لأنها غابت بالأمس؟ رحمة الله أوسع من جميع خطاياك، وباب توبته مفتوح دائمًا. الضعف الحقيقي ليس في ارتكاب الخطأ، بل في رفض النهوض مرة أخرى. امنح نفسك الفرصة التي يقدمها لك خالقك بكل سخاء.» استلهم الرجل من هذه الكلمات، وتخلص من يأسه، وعلى الرغم من أن الطريق لم يكن خاليًا من الصراعات، إلا أنه وجد القوة في البحث عن ذات أفضل، عالمًا أن كل خطوة نحو الخير تُحسب ويُرحب بها من الرحمن.