لماذا العمل بما نعلم أصعب من تعلمه؟

العمل بما نعلم أصعب من تعلمه لأنه يتطلب الصراع مع النفس الأمارة بالسوء، والتغلب على وساوس الشيطان، والتخلي عن التعلقات الدنيوية. يعتبر القرآن الكريم هذا جهادًا أكبر، ويشدد على الأهمية الكبيرة للعمل جنبًا إلى جنب مع العلم.

إجابة القرآن

لماذا العمل بما نعلم أصعب من تعلمه؟

السؤال الذي طرحته يلامس أحد أعمق التحديات الوجودية للإنسان، وقد تناوله القرآن الكريم بأبعاد مختلفة وبصيرة لا مثيل لها. لماذا يبدو أحيانًا أن معرفة الحقائق أسهل من العمل بها؟ ولماذا تتسع الفجوة بين 'العلم' و 'العمل' إلى هذا الحد، مما يجعل الكثيرين يتزعزعون أو لا يسلكون هذا المسار الصعب؟ يصور القرآن الكريم هذه الظاهرة ليس مجرد ضعف فردي، بل صراعًا مستمرًا في مسار التنمية الروحية والأخلاقية للإنسان، مستكشفًا جذورها العميقة في وجود الإنسان وتأثيرات خارجية. ففي الحقيقة، التعلم غالبًا ما يكون عملية ذهنية معرفية قد تتطلب جهدًا فكريًا وذاكرة، لكن العمل بما علمناه يتطلب إرادة قوية، وصراعًا مع النفس، وتغلبًا على الوساوس، وأحيانًا مواجهة الصعوبات والضغوط الخارجية. أحد الأسباب الرئيسية التي يشير إليها القرآن هي طبيعة النفس البشرية. فالنفس، أو الـ 'أنا' الوجودية للإنسان، لها أبعاد مختلفة، أحدها 'النفس الأمارة بالسوء'. تميل هذه النفس إلى الشرور والرغبات الدنيوية، وتدعو الإنسان باستمرار إلى الراحة، واتباع الشهوات، والتهرب من المسؤوليات. يقول الله تعالى في سورة يوسف، الآية 53: «وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ». هذه الآية تبين بوضوح أن النفس لديها ميل فطري نحو الشر والخطيئة. لذا، فإن العمل بما هو صحيح وخير يتطلب صراعًا دائمًا مع هذه الميول النفسية، وهو ما يتطلب إرادة فولاذية وجهادًا داخليًا. يمكن أن يتم التعلم دون هذه المجاهدات، لكن العمل لا يمكن أبدًا. بالإضافة إلى النفس الأمارة، يلعب دور الشيطان أيضًا دورًا بارزًا في صعوبة العمل بما علمناه. فالشيطان، العدو اللدود للإنسان، يبذل قصارى جهده لإبعاد الإنسان عن طريق الحق. فهو يزين المعاصي، ويخلق الخوف من الأعمال الصالحة، ويوسوس بالراحة، ويلقي الشك واليأس، وبالتالي يزيد الفجوة بين العلم والعمل. يشير القرآن مرارًا إلى دور الشيطان في خداع الإنسان ويصفه بـ 'العدو المبين'. هذه الوساوس يمكن أن تضعف إرادة الإنسان وتمنعه من فعل ما يعرف أنه صواب. عقبة أخرى مهمة هي حب الدنيا والتعلقات المادية. فالإنسان يميل بطبيعته إلى المال والجاه والشهرة والراحة الدنيوية. أحيانًا، يتطلب العمل بالمعرفة الدينية والأخلاقية التخلي عن بعض الملذات الدنيوية أو تحمل المشقات. على سبيل المثال، قول الصدق حيث قد يؤدي إلى خسارة مادية، أو الإنفاق في سبيل الله الذي يتطلب التخلي عن المال، هي أعمال، على الرغم من معرفة الإنسان بفضلها، تصبح صعبة بسبب حب الدنيا. هنا تتعارض القيم المادية مع القيم الروحية، وتجد النفس البشرية نفسها في مفترق طرق. كما يحذر القرآن الكريم من ظاهرة النفاق والتناقض بين القول والفعل. في سورة الصف، الآيات 2 و 3، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ». هذه الآيات تلوم صراحة أولئك الذين يمتلكون العلم وحتى ينصحون الآخرين، لكنهم لا يعملون به بأنفسهم. وهذا يدل على أن الله يعتبر العمل شرطًا أساسيًا لقبول الإيمان والقول، وعدم تطابق الاثنين يوجب سخط الله. هذا التناقض ينبع من ضعف الإرادة وهيمنة النفس. نقطة أخرى هي أن المعرفة تضع عبئًا من المسؤولية على كاهل الإنسان. فكلما زادت معرفة الإنسان، زادت مسؤوليته عن العمل بتلك المعرفة. قد تكون هذه المسؤولية أحيانًا ثقلاً كبيرًا، وقد تدفع بعض الأفراد، لا شعوريًا، إلى تجنب اكتساب معرفة جديدة أو حتى الاعتراف بما يعرفونه، للتهرب من عبء العمل بها. لكن القرآن يذم هذا بشدة. ففي سورة الجمعة، الآية 5، يضرب مثلاً مؤثرًا: «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ». هذه الآية تبين بوضوح أن العلم بدون عمل لا فائدة منه بل هو مذموم، تمامًا كحيوان يحمل كتبًا ثمينة ولكنه لا يستفيد من محتواها. للتغلب على هذه الصعوبة، يقدم القرآن حلولاً: التقوى، الصبر، الاستعانة بالله، تذكير النفس بالجزاء والعقاب، مصاحبة الصالحين، والاستغفار المستمر. العمل بما علمناه هو الجهاد الأكبر للإنسان؛ صراع مستمر مع النفس والوساوس. كل خطوة يخطوها الإنسان في هذا المسار تقربه من الله وتكمل شخصيته. لذلك، فإن صعوبة العمل ليست مجرد عقبة، بل فرصة للنمو الروحي والارتقاء بالإنسان، وقد وضع الله هذه الصعوبة لتطهير عباده وسموهم. بالإرادة القوية، والتوكل على الله، والمجاهدة المستمرة، يمكن التغلب على هذه الصعوبات وتذوق حلاوة العمل بما علمنا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

لقد سمعت أن عالمًا جليلاً كان منغمسًا ليل نهار في دراسة وجمع المعارف. لقد قرأ آلاف الكتب واكتسب مئات الحكم. ذات يوم، سأله تلميذه: 'يا أستاذ، لديك كل هذا العلم، ولكن لماذا يبدو أحيانًا أن العمل بهذا العلم أصعب من مجرد اكتسابه؟' فابتسم الأستاذ وقال: 'العلم يدل على الطريق، لكن السير في هذا الطريق قصة أخرى تمامًا. قد تمتلك خريطة دقيقة لكنز، ولكن حتى تخطو على الطريق، ولا تخف من العوائق، وتتحمل مشقات الرحلة، لن تصل أبدًا إلى الكنز. النفس البشرية تبحث عن الراحة وتأمرها دائمًا بالجلوس والاكتفاء بالمشاهدة. العمل يتطلب النهوض والصراع مع هذا الصوت الداخلي، وهذا هو جوهر الصعوبة.'

الأسئلة ذات الصلة