يؤكد القرآن على التواضع كصفة بارزة للمؤمنين ويعتبره مفتاحًا للسلام والعلاقات الإيجابية.
التواضع هو أحد الصفات الأساسية التي يتميز بها المؤمنون في الإسلام، وقد تم التأكيد على هذه القيمة في القرآن الكريم. فهي ليست مجرد خصلة أخلاقية، بل هي مفتاح لفتح قلوب الناس وكسب رضا الله عز وجل. في سورة الفرقان، الآية 63، تصف الآية خصائص عباد الرحمن، حيث يقول الله تعالى: "وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا". تعكس هذه الآية بوضوح أن المؤمنين مطالبون بإظهار التواضع في أقوالهم وأفعالهم. إذ يجب عليهم تجنب الغرور والأنانية، والسير بمهارة ولين في التعامل مع الآخرين. إن التواضع هو السلوك الذي يعكس الاحترام للآخرين، ويعبر عن انفتاح القلب والعقل. عند مواجهة الجاهلين أو الأشخاص الذين قد يستفزونهم، يظهر المؤمنون حكمةً في ردودهم، حيث يكون سلام الكلمات خياري الأسمى. التواضع ليس فقط مهمًا في العلاقات اليومية، بل له أيضًا دور كبير في العلاقات الاجتماعية. في سورة آل عمران الآية 133، يقول الله تعالى: "وَالَّذِينَ كَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ"، مما يشير إلى أن المؤمن الذي يتحلى بالتواضع هو أيضًا قادر على سياقة غضبه وكظم مشاعره. عندما يتعاطى الشخص مع سلوكيات الآخرين السلبية أو المؤذية، فإنه يظهر شجاعة عظيمة من خلال العفو والتحمل، وهي قيم تفيد في بناء العلاقات الاجتماعية القوية. باتباع هذه القيم، يمكن للفرد أن يحقق سلامًا داخليًا أكبر ويعزز من جودة الحياة الاجتماعية. إن التواضع يمتد أيضًا ليشمل السلوكيات القيادية. في سورة النمل، الآية 37، نجد الله سبحانه وتعالى يصف سلوك النبي سليمان، مترجمًا كيف يجب أن يكون القائد متواضعًا، بغض النظر عن منصبه أو سلطته. فالنبي سليمان، بالرغم من قوته وثرائه، إلا أنه كان يتمتع بالتواضع، الذي كان يضفي له الهيبة والاحترام بين أبناء شعبه. فقد كان دائمًا يذكر أن القيادة ليست مجرد سلطة أو قوة، بل هي مسؤولية وأمانة تتطلب تواضعاً وإخلاصاً. تظهر لنا هذه الآيات الكريمة أن التواضع ليس مجرد صفة إيجابية، بل هو سلوك متجذر في تعاليم الإسلام. يُعزز التواضع من قدرة المسلم على تأمل نفسه وفهم نقاط قوته وضعفه، مما يتيح له تطوير ذاته والحفاظ على كلمة الحق. كما يُعتبر التواضع صفة تجمع بين الحب والاحترام، سواء مع الله تعالى أو مع الآخرين. بالتواضع، نخرج من حلقة الأنانية ونفتح قلوبنا لتقبل الآخر، سواء كان قريبًا أو بعيدًا. كما أن للتواضع أيضًا فوائد روحية ونفسية كبيرة. فعندما يتواضع الإنسان، فإنه يتخلص من العواطف السلبية مثل الغضب والحقد، ويزيد من مشاعر السعادة والامتنان. نجد أن روح التقرب إلى الله تكون أفضل عند التواضع، فهو يقترب من قلوبنا ويسمح لدعائنا بأن يصل إلى عرش الرحمن. كما أن الشخص المتواضع عادة ما يكون محبوبًا بين الناس، حيث ينجذب الآخرون إلى شخصيته الهادئة والمريحة. وفي النهاية، تجسد آيات القرآن الكريم درسًا عظيمًا حول قيمة التواضع. فإذا أراد المسلم أن يكون من الذين يحظون برحمة الله، عليه أن يتحلى بهذه الصفة العظيمة، التي هي أساس الأخلاق الإيمانية. فالتواضع ليس فقط سلوكًا يتعين علينا الالتزام به، بل هو طريقة للحياة تعزز من روح التأمل والانفتاح والإيجابية. لذا، يجب على كل مسلم أن يسعى جاهدًا لتحقيق التواضع في حياته اليومية، وأن يضعه نصب عينيه كهدف سامٍ في سعيه للحصول على رضا الله وعيش حياة مليئة بالبركة والسعادة. إن الخطوة الأولى في طريق التواضع تبدأ من القلب، حيث نعلم أن كل ما نفكر به ونتحدث به يجب أن يشع من عقل متواضع وروح خاضعة لإرادة الله عز وجل.
في يوم من الأيام ، ذهب رجل يُدعى سليم إلى السوق وواجه شخصًا ذو مكانة اجتماعية عالية. بدلاً من التعامل معه بغطرسة ، تحدث إليه باحترام وتواضع ، متذكرًا نصيحة والده: "لا تفكر أبدًا أنك أعظم من الآخرين." هذا التصرف المتواضع جعله دائمًا محترمًا من الآخرين وجعل علاقاته مع الجميع جيدة.