التقوى تعني تجنب الذنوب وأداء الأعمال الصالحة، وهو ما تم التأكيد عليه مرارًا في القرآن.
التقوى كلمة تتجلى في معانيها بالعديد من المفاهيم النبيلة والسمات الحميدة التي تعكس قلب المؤمن وأخلاقه. وتعبر التقوى عن حالة من الوعي والاستشعار بوجود الله والعمل بما يرضيه، وإن كنا نتحدث عن هذه القيمة السامية، فلا بد لنا أن نستعرض بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تتحدث عن هذا الموضوع المهم ونعرض من خلالها الأهمية الكبيرة للتقوى في حياة المسلم. ابتدأت الآيات القرآنية التي تناولت التقوى بوضوح كتأكيد على مكانتها العظيمة في الحياة، حيث قال تعالى في سورة البقرة، الآية 177: "لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَأَعْطَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَوَةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءَ وَحِينَ الْبَأْسِ أُو۟لَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُو۟لَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ". تشير الآية الكريمة إلى أن التقوى والسلوك اللائق هما أهم من المعرفة البحتة، وأن الاتصاف بهذه الصفات هو ما يرفع من شأن الإنسان ويقربه إلى الله. وبالتالي، فإن السعي إلى تحقيق التقوى يجب أن يكون هدفاً سامياً يسعى إليه كل مسلم. كما تشير سورة الأحزاب، الآية 35، إلى ضرورة التقوى في حياة الفرد، حيث قال الله: "إن المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، والقانتين والقانتات، والصادقين والصادقات، والصابرين والصابرات، والخاشعين والخاشعات، والمتصدقين والمتصدقات، والصائمين والصائمات، والحافظين فروجهم والحافظات، والذاكرين الله كثيراً والذاكرات، أعد الله لهم مغفرة وأجراً عظيماً". فهذه الآية تبرز التقوى كمفتاح للنجاح والبركة في الحياة. من خلال هذه الآيات، نرى أن التقوى تعتبر هبة إلهية، توجيه للأفراد نحو الطريق الصحيح في هذه الحياة الشائكة. وهذه الهبة ليست مجرد ممارسة شكلية، بل هي حالة تنعكس على سلوك الإنسان وأخلاقه. إن الذين يحافظون على طاعة الله ويبتعدون عن الذنوب هم الذين يكتسبون محبة الله ورضاه. وفي السياق نفسه، فإن آثار التقوى تتجلى في حياة الفرد من خلال عدة جوانب. حيث تُعتبر التقوى سبباً لتسهيل الرزق واستجابة الدعوات، كما أن التقوى تجلب البركة في الحياة وتعليم الإنسان كيف يكون صبوراً في السراء والضراء. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى يقول: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء". وهذا يدل على أن التقوى تعزز الثقة بالله وتجعل الفرد يشعر بالسلام الداخلي. علاوة على ذلك، تشير العديد من الأحاديث النبوية إلى أهمية التقوى. فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: أن لا أشرك بالله شيئًا، وأن أسمع وأطيع، وأن أقول الحق ولو كان مرًّا". يشير هذا الحديث إلى أهمية الوفاء بالعهد والصدق في القول والعمل، وهذا هو جوهر التقوى. إن تقييم الأعمال لا يعتمد فقط على الكمية التي يقدمها الفرد، بل يعتمد أيضًا على كيفية أداء هذه الأعمال. فالشخص الذي يصلي خمس صلوات يومياً دون إخلاص أو خشوع، لا يقترب من الله بقدر ما يقترب منه الشخص الذي يؤدي الصلاة بصدق وإيمان بالغ. وبهذا، فإن التقوى تعمل كمؤشر حقيقي على قرب العبد من ربه. إضافة إلى ذلك، يمكن القول إن التقوى هي حافز على الخير والتفاني في العمل. فهي تدفع الإنسان للاعتناء بماله، وأهله، ومجتمعه. فالمتقون هم الذين يساهمون في رقي المجتمع وحماية المكتسبات من الفساد والمشاكل. إنهم يتمتعون برؤية أوسع تجاه المشاكل التي تواجههم، ويعملون على إيجاد الحلول بدلاً من الاستسلام. من جهة أخرى، يمكن أن تمتلئ الحياة بالكثير من الفتن والمغريات، مما يعقد الأمور ويجعل من السهل الانزلاق نحو الذنوب أو الاعتماد على الذات. ولكن المتقي يعرف حدود الله ويعمل على تجنب المحرمات، مما يجعله في مأمن من الضلال. في الختام، يمكننا القول إن التقوى ليست مجرد مفهوم ديني بل هي أسلوب حياة ومبدأ يوجه الإنسان نحو الخير والصواب. والحياة التي تعتمد على التقوى تعكس الحب والتواصل مع الله، فتسهل الرزق وتُدِخل البهجة في القلوب. لذلك، يجب على كل مسلم أن يسعى جاهدًا لتحقيق التقوى في حياته اليومية من خلال الأعمال الصالحة والعلم النافع، مما سيؤدي إلى النجاح والسعادة في الدنيا والآخرة.
يوماً ما، كان عيسى جالسًا بجوار شجرة يفكر في حياته. كان يقوم بدراسته جيدًا وكان دائمًا يسعى للمعرفة. في تلك الأثناء، اقترب منه رجل مسن وقال: "يا شاب! المعرفة جيدة، لكن التقوى أعظم منها." تفاجأ عيسى وسأل الرجل العجوز عن السبب. تابع الرجل مازحًا: "إذا لم تؤدِ المعرفة إلى التقوى، فإنها تصبح عبئًا على الأكتاف. ومع ذلك، فإن التقوى توجه الشخص نحو الخير وتحميه من الذنوب." من ذلك اليوم، أدرك عيسى أن التقوى يجب أن تكون أساس حياته.