لماذا لا يجب عليه التظاهر في العبادة؟

في القرآن الكريم، تتنوع المواضيع التي تتعلق بالعكس الحاد بين العبادة الخالصة والتظاهر في العبادة، وهو أمر يعتبر من أكبر المخاطر التي تهدد إيمان المؤمنين. منذ أن بدأ الوحي، كانت قضية الإخلاص في العبادة محور اهتمام الأنبياء والمرسلين، وقد تم التأكيد على هذا الأمر في القرآن الكريم. تُعتبر العبادة وسيلة للتواصل مع الله، لذلك لا بد أن تُؤدى بإخلاص وبدون أي مظاهر تزييف. في سورة البقرة، الآية 264 يقول الله تعالى: 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ...' هذه الآية توضح بجلاء أن إظهار الأعمال الصالحة للحصول على اهتمام الآخرين أو التظاهر بها يُؤدي إلى تدمير تلك العبادة. لا يمكن للإنسان أن يجمع بين إرضاء الله وإرضاء الناس في عبادة واحدة، فالأشياء نظهرها للناس ليس لها قيمة في ميزان الله. إن أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تفشي هذه الظاهرة هو المجتمع الذي نعيش فيه والذي يُشجع على عرض نجاحات الأفراد وأعمالهم على الملأ. فبدلاً من أداء العبادات لخدمة الله وحده، يلجأ البعض إلى استخدامها لتحقيق شهرة أو الاعتراف من الآخرين. هذه العقلية تؤدي إلى فقدان الروح الحقيقية للعبادة وتجعل الفرد ينظر إلى عبادته على أنها وسيلة لكسب الإطراء بدلاً من كونها وسيلة للتقرب إلى الله. علاوة على ذلك، في سورة المؤمنون، الآيات 1-2، يصف الله المؤمنين الحقيقيين بأنهم أولئك الذين يتواضعون ويدعون في صلاتهم. يقول تعالى: 'قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2)'. هذه الآيات تُوضح أن الصلاة الخاشعة والحضور القلبي هي علامات المؤمنين الحقيقيين. التظاهر في العبادة يعني الابتعاد عن أعمق وأصدق أنواع العبادة التي يجب أن يؤديها الإنسان من أجل الله. عندما يؤدي الإنسان العبادات بنية إظهارها، فإنه يبتعد عن رحمة الله ويقع في فخ الرياء. هذه القضية الخطيرة تتكرر في العديد من آيات القرآن الكريم والتي تدعو إلى الإخلاص والنية الصادقة في جميع العبادات. عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى' (رواه البخاري). يُظهر هذا الحديث أهمية النية في الأعمال؛ فالإخلاص في النية هو الذي يميز بين العبادة الحقيقية والتظاهر بها. يتم الحديث عن هذا الموضوع في العديد من كتب التفسير والدعوة، ومن بين هؤلاء، يتناول الأستاذ الشويري في كتابه هذه القضية بشكل عميق، مشددًا على أن العبادة الخالصة تتجاوز المظاهر وتستند إلى عمق قلب ونية الإنسان. يُعتبر الإخلاص في العبادة أمرًا أساسيًا لنجاح المؤمن في حياته الدنيا والآخرة. لذلك، يجب على كل مؤمن أن يسعى لتحقيق الإخلاص في عباداته. من المهم أن نتذكر بأن الله سبحانه وتعالى يعلم ما في القلوب ويختبر نوايا الناس. قال الله تعالى في سورة الأنعام: 'وَإِذَا قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ (61)'. ما أعظم أن يُدرك الإنسان أن الله خالقه وأن العبادة يجب أن تكون خالصة له. من جهة أخرى، يجب على المسلمين أن يتجنبوا مقارنات محمومة مع الآخرين في عباداتهم. على سبيل المثال، قد يُلاحظ البعض أن أصدقائهم يقومون بأعمال خيرية أخرى أو يذهبون إلى المساجد أكثر، مما قد يسبب شعورًا بالقلق أو الحسد. بدلاً من ذلك، يجب أن نركز على النية والإخلاص في العبادة والعمل من أجل رضوان الله، بدلاً من التفكير في ما يقوم به الآخرون. يمكن تخيل أن الشخص إذا كان يؤدي عباداته فقط ليظهر للناس مدى تقواه، فقد تكون تلك العبادات خالية من البركة. إن إدراك أهمية العبادات الخالصة يؤدي بنا إلى العودة إلى صميم الإيمان وطلب رضا الله وحده. في الختام، يجب أن نكون دائمًا يقظين للتأكد من أن عباداتنا صادقة وعملنا فقط من أجل الله تعالى. من خلال ذلك، نستطيع أن نكون من المقبولين في دار البقاء وأن نحصل على بركات ورحمات الله. الله هو الأعلم بما تخفي الصدور، وهو وحده المستحق للعبادة والإخلاص. فلنتخذ من القرآن الكريم نبراسًا ودليلًا، ولنجعل من نوايانا الصادقة عاملاً رئيسياً في جميع عباداتنا, لنحقق الإيمان الكامل ونكون ممن يُحسنون في العبادة والعمل في الدنيا وندين دائمًا بالإخلاص لله وحده.