لماذا لا ينبغي لي أن أتحكم في كل شيء؟

الإنسان ذو فهم وقوة محدودين، والله وحده هو المسيطر المطلق والمدبر الحقيقي للأمور. محاولة التحكم في كل شيء تتعارض مع مفهوم التوكل وتؤدي إلى القلق واليأس؛ يجب على المرء أن يركز على جهوده مع الثقة بالله وترك النتائج له.

إجابة القرآن

لماذا لا ينبغي لي أن أتحكم في كل شيء؟

إن فهم حقيقة أن الإنسان لا يملك القدرة على التحكم في كل شيء هو أحد أعمق تعاليم القرآن الكريم، والذي يمكن أن يجلب سكينة لا مثيل لها إلى حياتنا. تميل الطبيعة البشرية إلى الأمن، والقدرة على التنبؤ، والسيطرة على الظروف، وهذا الميل نفسه يدفعنا أحيانًا لمحاولة التحكم في كل جانب من جوانب الحياة، من أصغر التفاصيل اليومية إلى أكبر الأحداث المصيرية. ومع ذلك، فإن القرآن، برؤيته العميقة والحكيمة، يحدد حدود القدرات البشرية ويهدينا لقبول حقيقة أسمى: خالق الكون هو المدبر الحقيقي للأمور، والقوة المطلقة هي لله وحده. يذكرنا القرآن مرارًا وتكرارًا بأن علمنا محدود، وأن العديد من الأمور، حتى ما يبدو مفيدًا لنا، قد لا يكون كذلك في الواقع، والعكس صحيح. ففي سورة البقرة، الآية 216، يقول الله تعالى: ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾. هذه الآية توضح بجلاء أن نظرتنا للخير والشر محدودة وناقصة، بينما الله، بعلمه اللامتناهي، يعلم جميع الأبعاد الخفية والظاهرة للأمور. فمحاولة التحكم المطلق لا تقودنا إلى هدف لا يمكن بلوغه فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى القلق، والإحباط، والإرهاق الروحي. أحد أهم المفاهيم المستنبطة من القرآن في هذا الصدد هو مفهوم "التوكل". التوكل يعني الثقة والاعتماد على الله بعد بذل كل الجهود الممكنة. هذا لا يعني التخاذل أو الاستسلام السلبي؛ بل يعني أن يبذل الإنسان كل ما في وسعه لتحقيق أهدافه، ولكنه يسلم النتيجة النهائية للقدرة الإلهية المطلقة. في سورة الطلاق، الآية 3، نقرأ: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾. هذه الآية تشير إلى أن الله قد قدر لكل أمر مصيرًا، وإذا سار الإنسان بتوكل حقيقي، فإن الله نفسه سيتولى تدبير أموره. وبذلك يرتفع عن كاهل الإنسان العبء الثقيل للتحكم في جميع المتغيرات، مما يجعله خفيفًا ومطمئنًا. علاوة على ذلك، فإن محاولة التحكم في كل شيء يمكن أن تكون علامة على الغرور ونسيان مكانة الإنسان الحقيقية أمام ربه. فالقرآن في آيات عديدة ينسب الملكية والتدبير لكل شيء إلى الله. ففي سورة النور، الآية 42، يقول الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾. عندما يكون الملك والتدبير لله وحده، كيف يمكن لمخلوق محدود أن يدعي السيطرة على كل شيء؟ هذا النهج ليس غير واقعي فحسب، بل يمكن أن يعيق النمو الروحي والمعنوي للإنسان؛ لأنه يمنعه من التأمل في قدرة الله اللامتناهية والاستسلام لإرادته الحكيمة. فالسكينة الحقيقية والتحرر من القلق الناتج عن عالم دائم التغير لا يتحققان إلا عندما يتقبل الإنسان أن دوره هو السعي في الطريق الصحيح ثم التوكل على الخالق، وليس الإصرار على تحقيق النتائج المرغوبة بأي ثمن. لذا، فإن التخلي عن الحاجة إلى التحكم في كل شيء يعني الاستسلام للحكمة الإلهية وقبول حدود القدرة البشرية. هذا القبول يساعدنا على تركيز جهودنا على ما هو في متناول سيطرتنا حقًا: أي نوايانا، وجهودنا، وأخلاقنا، وردود أفعالنا تجاه الأحداث. يمكننا أن نبذل قصارى جهدنا، ولكن لا يمكننا ضمان أن تكون النتيجة هي بالضبط ما نرغب فيه. هذا التعليم القرآني لا يرفع عنا عبئًا نفسيًا ثقيلًا فحسب، بل يجعلنا نواجه تقلبات الحياة بسكينة أكبر، وفي الوقت نفسه، يعزز إيماننا بحكمة الله ورحمته اللامتناهية. في النهاية، فإن الحياة مع قبول هذه الحقيقة، وهي أن الله تعالى هو المدبر الوحيد للوجود، ستتحول إلى مسار مليء بالهدوء والرضا والتوكل؛ مسار يمكن أن يكون فيه كل حدث، حتى غير المرغوب فيه، بوابة للنمو والمعرفة، لأن كل شيء تحت نظر الله وإرادته.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن تاجراً كان شديد الطمع والحذر، يدير كل شيء بدقة ووسواس عظيمين. كان يحسب حتى الرياح والأمطار لكي تصل سفنه بسلام إلى وجهتها. ذات ليلة، هبت عاصفة مفاجئة فأغرقت سفنه، فتلوى التاجر من شدة الحزن. وفي تلك الأثناء، مر به درويش بسيط القلب، فرآه وقال بابتسامة: "يا رجل، لقد بذلت جهدك، ولكن أليس أمر الرياح والأمطار بيد غيرك؟ لا تحزن، فإن ما قُدر لك، خارج عن تدبيرك أيضًا." عند سماع هذا، توقف التاجر للحظة وفكر، وأدرك أن الراحة الحقيقية ليست في التحكم بكل شيء، بل في الاستسلام والتوكل على الواحد الأحد القادر على كل شيء.

الأسئلة ذات الصلة