جميع الذنوب قابلة للمغفرة بالتوبة الصادقة، إلا الشرك بالله إذا مات المرء عليه دون توبة. أما حقوق العباد، فيجب ردها أو نيل مسامحة صاحبها.
في المنهج الشامل والرحيم للإسلام، تأتي الإجابة على سؤال ما إذا كانت جميع الذنوب قابلة للمغفرة مصحوبة بأمل عظيم ورحمة إلهية لا حدود لها. القرآن الكريم، كلام الله، يفتح نافذة من الأمل للعباد المذنبين، مؤكداً أن رحمة الله سبقت غضبه. المبدأ العام هو أن نعم، تقريباً جميع الذنوب قابلة للمغفرة مع التوبة الصادقة والعودة إلى الله. هذا أحد أجمل الجوانب وأكثرها تشجيعاً في الإسلام، حيث يسمح للإنسان، بغض النظر عن حجم ذنوبه، بأن يختار دائماً طريق العودة والتطهر. لقد تناول الله هذا الموضوع في آيات عديدة، داعياً عباده إلى التوبة. على سبيل المثال، في سورة الزمر، الآية 53، يقول تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»؛ قل: «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم (وارتكبوا ذنوباً كثيرة)! لا تيأسوا من رحمة الله، فإن الله يغفر الذنوب جميعاً؛ إنه هو الغفور الرحيم». هذه الآية تشير بوضوح إلى أن نطاق المغفرة الإلهية واسع جداً ويشمل جميع الذنوب، بشرط أن يعود العبد إلى ربه بندم وعزم أكيد. ولكن في هذه الرحمة الواسعة، هناك استثناء مهم جداً يتحدث عنه القرآن الكريم صراحة: الشرك بالله. الشرك يعني جعل شريك لله في العبادة أو في ذاته وصفاته. يعتبر هذا أعظم ذنب في الإسلام لأنه يهز الركن الأساسي للتوحيد، وهو أساس الدين. يقول الله تعالى في سورة النساء، الآيتين 48 و 116: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ»؛ «إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء». هذه الآية توضح بجلاء أن الشرك هو الذنب الوحيد الذي، إذا مات الفرد عليه دون توبة، لا يُغفر. ومع ذلك، حتى الشرك، إذا تاب منه الفرد في حياته وعاد إلى التوحيد، فإنه يُغفر. النقطة الأساسية هنا هي «التوبة قبل الموت». أبواب الرحمة الإلهية مفتوحة حتى اللحظة الأخيرة، وهناك طريق للعودة حتى لأعظم المذنبين، شريطة أن يتوجهوا إلى الله بصدق وإخلاص. بالإضافة إلى الشرك، هناك نوع آخر من الذنوب يختلف عن الذنوب التي هي بين العبد وربه فقط: وهي الذنوب التي تتعلق بحقوق الآخرين (حقوق العباد). هذه هي الذنوب التي انتهكت حقوق الآخرين (البشر)، مثل الظلم، الغيبة، النميمة، السرقة، أو إلحاق الضرر بمال أو نفس أو عرض الآخرين. لغفران هذا النوع من الذنوب، بالإضافة إلى التوبة والندم من العبد، من الضروري أن تُرد حقوق الناس أو يُستحصل على رضا صاحب الحق. على سبيل المثال، إذا سرق شخص مالاً، فعليه إعادته إلى صاحبه أو طلب مسامحته. وإذا اغتاب شخصاً، فعليه أن يطلب منه المسامحة (إذا لم يترتب على ذلك مفسدة أكبر) أو يستغفر له ويقوم بأعمال صالحة. إن الله تعالى، على الرغم من أنه أرحم الراحمين، لا يغفر حقوق العباد دون رضا صاحب الحق، لأن هذا يقتضي العدل الإلهي، والالتزام بحقوق عباده مهم جداً له. هذا الأمر يظهر الأهمية الكبيرة للتفاعلات الإنسانية والالتزام بالعدالة الاجتماعية في الإسلام. التوبة، بمعنى العودة من الذنب إلى طاعة الله، لها شروط يجب مراعاتها لتكون التوبة حقيقية ومقبولة. هذه الشروط هي: الندم الحقيقي على الذنب المرتكب، التوقف الفوري عن هذا الذنب، والعزم الصادق على عدم العودة إليه في المستقبل. إذا كان الذنب يتعلق بحقوق العباد، فإن إضافة جبران الحقوق للشروط السابقة ضروري. عملية التوبة هذه لا تجلب التطهير من الذنوب فحسب، بل تؤدي أيضاً إلى تطهير الروح، النمو الروحي، وإيجاد سلام القلب في الفرد. التوبة ليست حدثاً لمرة واحدة في الحياة، بل كلما ارتكب الإنسان خطأ، فإن أبواب التوبة مفتوحة له ويمكنه تصحيح مساره بالعودة إلى الله. هذا يدل على أن الإسلام ليس دين اليأس، بل هو دين الأمل، الرحمة، والفرص المتكررة للتصحيح والعودة. لذلك، فإن الإجابة على هذا السؤال واضحة جداً: نعم، تقريباً جميع الذنوب قابلة للمغفرة بالتوبة الحقيقية والالتزام بشروطها، باستثناء الشرك الذي لا يغفر إذا مات الفرد عليه دون توبة. يجب أن يكون هذا الحقيقة دائماً مصدراً للأمل والدافع للعودة إلى الكمال والنقاء ويمنع الإنسان من اليأس.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك رجل قد ارتكب العديد من الذنوب طوال حياته، وكان قلبه ملوثاً بهذه الأفعال. ذات يوم، استيقظ على نفسه ويئس من كثرة معاصيه. فذهب إلى عارف وحكى له حاله. ابتسم العارف وقال: «يا صديقي، ألم تسمع أن الله قال: 'لا تيأسوا من رحمته'؟ كل ذنب، مهما عظم، هو قطرة في بحر رحمة الله الواسع. إذا كنت نادماً حقاً وتوجهت إليه، فسترى كيف سيغمر بحر رحمته كل ذنوبك، ولا يترك لها أثراً، إلا ذنب الشرك، فإذا مت عليه دون توبة، فلا غفران. فقم واغسل قلبك بماء التوبة، فإن الله يحب التوابين وقد فتح أحضانه للأطهار.» سمع الرجل هذا الكلام، وبقلب منكسر ونية خالصة، بدأ بالتوبة وشرع في حياة جديدة بسلام وعبادة، وتذوق حلاوة المغفرة.