لا، لا يمكن للنوايا الطيبة أن تبرر فعلًا خاطئًا أو محرمًا في جوهره. في الإسلام، يجب أن تكون النية والفعل نفسه صالحة ومتوافقة مع الأوامر الإلهية حتى تكون مقبولة.
في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، تحتل العلاقة بين النية والعمل مكانة بالغة الأهمية. السؤال الذي يطرح نفسه: "هل يمكن للنوايا الطيبة تبرير الأفعال الخاطئة؟" هو أحد القضايا الأساسية في الأخلاق الإسلامية والفقه، والإجابة عليه بشكل قاطع هي "لا". في الإسلام، تُعتبر النية بمثابة القلب والروح للعمل، وتُعطى قيمة عظيمة. ومع ذلك، هذا لا يعني أن كل فعل، وإن بدا للوهلة الأولى بنية طيبة، يمكن تبريره إذا كان خاطئًا أو محرمًا في جوهره. يقدم القرآن الكريم نظامًا أخلاقيًا شاملاً يولي اهتمامًا للمحفز الداخلي (النية) وللجانب الخارجي (العمل) على حد سواء. يجب أن يتوافق كلاهما مع مرضاة الله وأن يلتزما بالشريعة حتى يكونا مقبولين. يؤكد القرآن الكريم بوضوح على مسؤولية الفرد عن أفعاله. كل شخص سيرى نتيجة عمله، سواء كان خيرًا أو شرًا. يشير الله في آيات عديدة إلى عواقب الأفعال، ولا يخفى عليه شيء. هذا يعني أن الفعل الخاطئ بطبيعته، مثل السرقة، أو الكذب، أو الظلم، أو العدوان، لا يفقد صفته المحرمة والممنوعة، حتى لو تم ارتكابه بدافع يبدو خيريًا مثل مساعدة المحتاجين. لقد وضعت الشريعة الإسلامية حدودًا واضحة لما هو حلال وما هو حرام – هذه هي "حدود الله". تجاوز هذه الحدود، حتى بأطيب النوايا، غير مسموح به؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، خاصة عندما تكون الوسيلة مخالفة لأوامر الله الصريحة. أهمية النية في الإسلام عالية جدًا. النية تحوّل الأفعال العادية والمباحة إلى عبادات وتضاعف أجر الأعمال الصالحة. على سبيل المثال، مساعدة الفقراء بنية خالصة لوجه الله تعالى يجلب أجرًا عظيمًا. لكن السرقة من مال غني لمساعدة الفقراء، هو فعل بسبب طبيعته المحرمة، لا يجلب أجرًا حتى مع نية المساعدة، بل يعتبر ذنبًا. وذلك لأن السرقة نفسها من محرمات الله وتؤدي إلى الفساد في النظام الاجتماعي وانتهاك حقوق الأفراد. يؤكد القرآن الكريم بشدة على احترام حقوق الآخرين، والعدل، والصدق، ولا يسمح بانتهاك هذه المبادئ بحجة النية الطيبة. من حكم الله في تحديد الحلال والحرام، الحفاظ على النظام والسلام في المجتمع وحماية حقوق الإنسان. إذا كان من المفترض أن تبرر النية أي فعل خاطئ، فلن يستقيم أمر، ويسود الهرج والمرج والظلم. على سبيل المثال، إذا كذب شخص بقصد "حماية سمعته"، فهل يصبح هذا الكذب حلالًا؟ قطعاً لا. لأن الكذب بحد ذاته فعل مذموم في القرآن الكريم وليس من صفات المؤمنين الصادقين. في الإسلام، يجب أن يكون الطريق إلى الأهداف المشروعة مشروعًا بحد ذاته. النية هي المحرك للعمل؛ ولكن هذا العمل يجب أن يسير على المسارات التي حددتها الشريعة. يتفق علماء الإسلام على هذه المسألة. هناك قاعدة فقهية مشهورة تقول: "المقاصد لا تبرر الوسائل". هذه القاعدة تعبر بوضوح عن الحقيقة التي مفادها أن تحقيق هدف جيد لا ينبغي أن يتم من خلال طريق خاطئ أو محرم. يتوقع الله من الإنسان أن تكون نيته صافية وأن يكون عمله صحيحًا ومتوافقًا مع الأوامر الإلهية. هذان جناحان يطير بهما الإنسان نحو الكمال ومرضاة الله. النية الخالصة تنشط الأعمال وتجعلها مثمرة، لكنها لا تستطيع إحياء أو إضفاء الشرعية على عمل ميت (باطل أو محرم). في الواقع، الفعل الخاطئ، حتى لو تم بنية طيبة، قد تكون شدة عقوبته الأخروية أقل، لكنه لا يقلل من أصل تحريمه، وسيكون له عواقب سلبية في هذه الدنيا ولن يصبح حلالًا شرعًا. مثال آخر يمكن أن يوضح الأمر: إذا جمع شخص أموالًا للفقراء عن طريق القمار أو بيع المخدرات، فهل تبرر نيته هذه الأفعال المحرمة؟ بالتأكيد لا. هذه الأفعال ليست محرمة فحسب، بل تؤدي أيضًا إلى الفساد في المجتمع. لقد أظهر لنا الله طريق كسب الرزق الحلال وتقديم المساعدة الصحيحة. لذلك، في المنهج القرآني، كل من "السبب" (النية) و "الكيفية" (العمل) مهمان، ويجب أن يكون كلاهما في طريق الحق ومرضاة الله. وهذا يدل على نظام أخلاقي متماسك وعادل للغاية لا يسمح بإساءة استخدام المفاهيم النبيلة مثل النية ويسعى باستمرار للحفاظ على المعايير الإلهية ومصلحة البشر.
يحكى أن كسرى أنوشيروان العادل كان يشرف على بناء قصر عظيم. فسأل العمال الذين يجلبون الطوب: "من أين تأتون بهذا الطوب؟" فأجاب أحدهم: "يا مولاي، هذا الطوب مأخوذ من أنقاض بيت قد هدمه صاحبه الذي اغتصب ماله من يتيم ظلمًا وعدوانًا." فلما سمع أنوشيروان ذلك، غضب غضباً شديداً وأمر قائلاً: "كيف يمكن لبناء أن يقوم على أساس من الظلم أن يبارك ويدوم؟ فبيتٌ طوبه ملوث بالجور والظلم، لن يبقى قائماً أبدًا، مهما كان مظهره جميلاً." ثم أمر بهدم ذلك البناء. هذه الحكاية تعلمنا أنه حتى لو كانت نية الباني بناء شيء جميل ومفيد، ولكن إذا كانت الوسيلة التي استخدمت لذلك قد اكتسبت من خلال الباطل والظلم، فإن هذا العمل لن يقبل أبدًا ولن يدوم. لأن طهارة النية لا تطهر خبث العمل، والبناء الذي يقوم على أساس خاطئ سينهار في النهاية.