هل يمكن أن يؤدي الأمل المفرط إلى التقاعس؟

الأمل الحقيقي في الإسلام يقترن دائمًا بالجهد والعمل الصالح، وهو قوة دافعة لا ذريعة للتقاعس. يؤكد القرآن الكريم على التوازن بين الأمل في الرحمة الإلهية والخوف من التقصير في الواجبات، فمجرد الأماني دون سعي مذمومة.

إجابة القرآن

هل يمكن أن يؤدي الأمل المفرط إلى التقاعس؟

في تعاليم القرآن الكريم العميقة والغنية، يحتل مفهوم الأمل (الرجاء) مكانة خاصة جدًا. إن الأمل في رحمة الله الواسعة، ومغفرته، ومكافأة الأعمال الصالحة، هو أحد أركان الإيمان التي تدفع المؤمن إلى الثبات على طريق الحق وتجنب اليأس، الذي يُعتبر ذنبًا عظيمًا. ينهى القرآن المؤمنين عن اليأس تمامًا، ويعتبره من صفات الكافرين؛ كما يقول تعالى: «لَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ» (يوسف: 87). تُظهر هذه الآية أن الأمل في الفرج والرحمة الإلهية، حتى في أصعب الظروف، حيوي للمؤمن، وهذا الأمل لا يمنع العمل بل هو محركه. ومع ذلك، هناك نقطة دقيقة جدًا يجب الانتباه إليها في فهم القرآن، وهي التمييز بين 'الأمل الحقيقي' و'الأماني الكاذبة' أو 'التوكل في غير محله'. الأمل الحقيقي الذي ينبع من الإيمان بالله وقدرته، دائمًا ما يكون مصحوبًا بـ 'العمل الصالح' و'السعي'. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على أهمية 'العمل' و'الجهد' إلى جانب 'الإيمان'. ففي العديد من الآيات، يُذكر الإيمان والعمل الصالح جنبًا إلى جنب، وهذا بحد ذاته يشير إلى أن الإيمان بدون عمل والأمل بدون سعي، ناقص وغير مثمر. على سبيل المثال، يقول الله تعالى في سورة الكهف، الآية 110: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا» (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملًا صالحًا ولا يشرك بعبادة ربه أحدًا). تُظهر هذه الآية بوضوح أن الأمل في رحمة الله ومكافأته يجب أن يؤدي إلى العمل والجدية في طريق العبودية، وليس إلى التراخي واللامبالاة. كما أن القرآن قد سنَّ سنة إلهية مفادها أن التغيير والتحول في حياة الأفراد والمجتمعات يعتمد على التغيير في أنفسهم. في سورة الرعد، الآية 11، نقرأ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). تقدم هذه الآية خارطة طريق واضحة لأي تقدم ونجاح؛ أي أنه ما لم يسع الفرد أو المجتمع لتحسين وضعه ويتخذ إجراءً فعالًا، فإن الأمل في التغيير سيكون مجرد أمنية لا أساس لها. وبالتالي، فإن الأمل الحقيقي لا يؤدي إلى التقاعس، بل هو المحرك الأساسي للحركة والمبادرة والسعي المستمر. من يرجو فضل الله ورحمته، يعلم أن الله يحب العاملين ويجازيهم. أحد الجوانب الأخرى المهمة في القرآن هو مفهوم 'التوكل'. التوكل يعني تفويض الأمور إلى الله بعد بذل كل الجهود الممكنة، وليس التخلي عن العمل والانتظار دون أي سعي. وقد قال النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم): «اعقلها وتوكل»، أي: «اعقل ناقتك ثم توكل على الله». على الرغم من أن هذا الحديث ليس واردًا مباشرة في القرآن، فإن الروح العامة لآيات القرآن تدل عليه. يدعو القرآن المؤمنين إلى التدبر والمشاورة والتخطيط ثم التوكل على الله. التوكل الصحيح يكمل العمل ويجلب راحة البال ويزيل القلق، ولكنه لا يكون أبدًا ذريعة للكسل والبطالة. فمن يتوقف عن السعي بأمل كاذب ويقول «الله هو الرزاق»، فإنه في الواقع قد أساء فهم مفهوم التوكل. فالله هو الرزاق، ولكنه يرزق عن طريق الأسباب وبجهد عباده. كما يحذرنا القرآن من 'الأماني الباطلة' و'الأوهام التي لا أساس لها'. في سورة النساء، الآية 123، يقول تعالى: «لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ» (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب؛ من يعمل سوءًا يجز به). تُبين هذه الآية بوضوح أن مجرد التمني لتحقيق الأهداف، سواء كانت دنيوية أو أخروية، لا يكفي، وأن الثواب والعقاب مبنيان على الأعمال، وليس فقط على الأماني. هذا نقد للفكر الذي يعتقد أنه يمكن تحقيق الخلاص أو النجاح بمجرد الأمل ودون عمل. في الواقع، هذا النوع من الأمل، الذي يمكن أن يُطلق عليه أيضًا 'الأمل الكاذب' أو 'الغرور'، هو العامل الذي يمكن أن يؤدي إلى التقاعس والكسل. فمثل هذا الشخص، بدلاً من استخدام الأمل كمحفز للتحرك، يحوله إلى أداة لتبرير كسله. في الختام، يُعد التوازن بين 'الرجاء' (الأمل) و'الخوف' (الخوف من الله وعواقب الذنوب والتقصير) مهمًا جدًا في الإسلام. فالمؤمن الحقيقي هو الذي يرجو رحمة الله ويخشى عقاب ذنوبه وتقصيره. هذان الجناحان يحافظان عليه في مسار الاعتدال. فالأمل المحض بدون خوف قد يؤدي إلى الغرور والإهمال في أداء الواجبات، والخوف المحض بدون أمل قد يؤدي إلى اليأس والقنوط. يدعونا القرآن إلى السير في هذا المسار الوسط: «ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ... وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا ۚ إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ» (الأعراف: 55 و 56). أي ادعوا ربكم خوفًا وطمعًا، لأن رحمة الله قريبة من المحسنين. تُظهر هذه الآية أن الأمل في الرحمة يجب أن يصاحبه عمل الخير (الإحسان)، وهذا الإحسان ينبع من الخوف من الله كي لا يُقصّر. لذلك، فإن الأمل المفرط يؤدي إلى التقاعس فقط عندما يخرج عن مساره الصحيح والقرآني ويتحول إلى أمنية لا أساس لها أو وهم يتعارض مع مبدأ 'العمل الصالح' و'الجهد'. الأمل الحقيقي في الإسلام دائمًا ما يكون محفزًا ومولدًا للعمل.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى في گلستان سعدي أن درويشًا كان يفكر في نفسه: «ليت الله يرزقني دون أي جهد!» وبهذا الأمل الواهي، توقف عن العمل وجلس في زاوية منزله ينتظر. مرت الأيام وبقيت مائدته فارغة. حتى مر رجل حكيم ذات يوم بجانب منزله ورآه جالسًا جائعًا ومضطرب الوجه. فسأله الحكيم: «لماذا لا تعمل؟» فأجاب الدرويش: «لقد توكلت على الله وآمل أن يرزقني من الغيب.» فابتسم الحكيم وقال: «يا صديقي، التوكل الصحيح هو أن تعقل ناقتك أولًا، ثم تتوكل على الله. إن الله هو الرزاق، ولكن ليس لمن يجلس عاطلاً ويتخلى عن العمل. إنه يكافئ الجهد والعمل، لا الأماني الخام.» فاستفاد الدرويش من كلام الحكيم، ونهض وانشغل بالعمل، ومنذ ذلك الحين لم يترك أمله أبدًا دون عمل، وتغيرت حياته.

الأسئلة ذات الصلة