هل يمكن أن تكون السعادة الدنيوية علامة على فضل الله؟

يمكن أن تكون السعادة الدنيوية جزءًا من رحمة الله العامة، ولكنها ليست بالضرورة علامة على فضله ورضاه الخاص. يكمن فضل الله الحقيقي في الهداية والإيمان وراحة القلب والأعمال الصالحة للآخرة.

إجابة القرآن

هل يمكن أن تكون السعادة الدنيوية علامة على فضل الله؟

إن فهم مفهوم السعادة الدنيوية وعلاقتها بفضل الله وعنايته هو أحد الأسئلة العميقة والمحورية في المنظور الإسلامي. يتناول القرآن الكريم هذا الموضوع بنظرة شاملة ومتوازنة، موضحًا أبعاده المختلفة. تتطلب الإجابة على هذا السؤال تأملًا عميقًا في الآيات الإلهية لتجنب أي تفسيرات سطحية أو خاطئة. بشكل عام، يمكن أن تكون السعادة الدنيوية، التي تشمل الرخاء المادي والصحة والمكانة الاجتماعية والراحة في الحياة الدنيا، أحد مظاهر لطف الله ورحمته العامة، ولكنها ليست وحدها، ودون النظر إلى عوامل أخرى، علامة حاسمة ومطلقة على رضا الله ومحبته الخاصة. يصرح القرآن الكريم بوضوح أن الرزق والنعم الدنيوية تُمنح للمؤمن والكافر على حد سواء. فالله هو الرزاق، وهو الذي يرزق جميع مخلوقاته، بغض النظر عن إيمانهم وأعمالهم. في سورة هود، الآية 6 يقول تعالى: "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا..."، أي "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها...". تدل هذه الآية على أن توفير الاحتياجات الأساسية، بل وأكثر من ذلك، جزء من رحمة الله العامة التي تشمل جميع عباده. لذلك، مجرد امتلاك الثروة أو المكانة الاجتماعية العالية لا يعني أن الشخص يتمتع بمكانة رفيعة عند الله أو أنه قد نال لطفه الخاص مباشرة. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا من أن الدنيا وزينتها مخادعة وزائلة. في سورة الكهف، الآية 46 نقرأ: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا"، أي "المال والبنون زينة الحياة الدنيا، والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملًا". تبين هذه الآية أن ما يُنظر إليه ظاهريًا على أنه سعادة في الدنيا هو مجرد زينة مؤقتة، وأن القيمة الحقيقية تكمن في الأعمال الصالحة والمكافأة الأخروية. كم هم كثر الذين يتمتعون بالرخاء الدنيوي، لكنهم محرومون من السلام الروحي والمعنوي، وفي الحقيقة هم يبتعدون عن الله ويغفلون عن الهدف الأساسي من خلقهم؟ أحيانًا، زيادة النعم الدنيوية للأشخاص الذين انحرفوا عن طريق الحق ليست علامة على اللطف، بل هي نوع من "الاستدراج" أو إمهال مصحوب بالضلال التدريجي. يقول الله في سورة الأعراف، الآية 182: "وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ"، أي "والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون". تعلمنا هذه الآيات ألا ننخدع بالمظاهر؛ فقد يكون الشخص غارقًا في ملذات الدنيا، ولكن في الحقيقة، هذه الملذات تلهيه عن ذكر الله وتقوده نحو العذاب. قصة قارون في القرآن مثال واضح على شخص لم تجلب له ثروته الهائلة السعادة، بل كانت سببًا في هلاكه، لأنه لم ينسبها إلى فضل الله وتكبر وتورط في الفساد. إذن، ما هي العلامات الحقيقية لفضل الله الخاص ونعمته؟ يؤكد القرآن أن فضل الله الحقيقي يكمن في الإيمان، والهداية، وراحة القلب، والتوفيق لأداء الأعمال الصالحة، والبصيرة والحكمة، وفي النهاية، الفوز العظيم في الآخرة. في سورة النحل، الآية 97 يقول: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ"، أي "من عمل صالحًا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون". تشمل "الحياة الطيبة" السلام الداخلي والقناعة والرضا والشعور بالأمان الذي لا يرتبط بالضرورة بالثروة المادية، بل هو نتاج الاتصال بالمصدر الإلهي والعمل بتعاليم الدين. يمكن اعتبار السعادة الدنيوية علامة على فضل الله ونعمته فقط عندما تكون مصحوبة بالشكر، والاستخدام الصحيح للنعم في سبيل الله، وعدم الغفلة عن الهدف النهائي للحياة. إذا كان الفرد، على الرغم من تمتع ببركات الدنيا، يستخدمها لمساعدة المحتاجين، ونشر العدل، وإعلاء كلمة الحق، ومع ذلك يبقى متواضعًا وشاكرًا، فإن هذه النعم في هذه الحالة ليست مجرد اختبار، بل يمكن أن تكون مظهرًا من مظاهر فضل الله الخاص الذي منحه فرصة للخدمة وكسب المزيد من الثواب. بخلاف ذلك، وكما ينص القرآن الكريم صراحة، يمكن أن تؤدي الثروة والقوة إلى الغرور والفساد والبعد عن الحق. باختصار، يعلمنا الإسلام ألا ننظر إلى السعادة الدنيوية كهدف نهائي، بل كوسيلة لتحقيق السعادة الأبدية. يمنح الله عباده النعم الدنيوية والأخروية على حد سواء، ولكن القيمة الحقيقية تكمن في الدوام والبقاء. إن أهم لطف من الله هو الهداية إلى الصراط المستقيم والتوفيق لبلوغ القرب الإلهي. لذا، بينما يمكننا الاستمتاع بالنعم الدنيوية وشكر الله عليها، يجب ألا ننسى أبدًا أن المعيار الحقيقي للطف الله وفضله هو عمق إيماننا وتقوانا وأعمالنا الصالحة، وليس مجرد مدى امتلاكنا للممتلكات المادية. هذه النظرة تمنع الإنسان من التعلق المفرط بالدنيا وتدفعه نحو اكتساب الفضائل الأخلاقية والروحية، مما يؤدي إلى السلام والسعادة الحقيقية في كلا الدارين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جاء في گلستان سعدي أن درويشًا، على الرغم من فقره، كان يتحدث باستمرار عن قناعته وراحة باله، وكان دائم الشكر. في المقابل، كان هناك ملك، بالرغم من جميع كنوزه ومجد سلطنته، يعيش في خوف وقلق دائمين، ولم يرَ الراحة قط. ذات يوم، قال الملك للدرويش: "أنا بكل هذا الملك والثروة، لا أجد لحظة راحة، وأنت بفقرك هذا، كيف تكون سعيدًا إلى هذا الحد؟" فأجاب الدرويش: "أيها الملك! أنت عبد لمالك وملكك، وأنا عبد لربي. من كان عبدًا لله، فهو حر من الدنيا، ومن كان عبدًا للدنيا، فلن يتذوق طعم الحرية والراحة أبدًا." تأمل الملك في هذا القول وأدرك أن الراحة الحقيقية ليست في كثرة المال، بل في قناعة القلب والرضا بقضاء الله. هذه القصة توضح أن السعادة الحقيقية والطمأنينة لا تكمن في كمية الممتلكات، بل في جودة النظرة إلى الحياة والاتصال بالخالق.

الأسئلة ذات الصلة