هل العمل الصالح المنجز بنية سيئة له قيمة؟

من منظور القرآن والتعاليم الإسلامية، قيمة العمل تتحدد بنيته. فالعمل الصالح بنية سيئة لا يثاب عليه إلهياً وقد يُعتبر ذنباً، لأن الله يعلم ما في القلوب والإخلاص شرط قبول الأعمال.

إجابة القرآن

هل العمل الصالح المنجز بنية سيئة له قيمة؟

سؤالكم حول قيمة العمل الصالح الذي يُنجز بنية سيئة يتناول إحدى النقاشات الأخلاقية واللاهوتية العميقة والأساسية في تعاليم الإسلام. في الشريعة الإسلامية، يحتل مفهوم "النية" مكانة عالية الأهمية والمركزية. وقد ورد عن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) قوله المشهور: "إنما الأعمال بالنيات"، وهو حديث شريف يُعدّ مبدأ أساسياً في الفقه والأخلاق الإسلامية، ويوضح بجلاء أن قيمة وصلاحية أي عمل تعتمد في المقام الأول على الدافع والهدف الداخلي للفرد. كما يؤكد القرآن الكريم هذه الحقيقة بطرق مختلفة، مشيراً باستمرار إلى أن الله تعالى يطّلع على القلوب والنيات، لا على مجرد المظاهر الخارجية للأعمال. عندما يُؤدّى عمل صالح بنية سيئة، فإن قيمته الروحية وثوابه الإلهي يُفقد أو يُنقص بشكل كبير من المنظور الإسلامي. فمثلاً، إذا قام شخص بإعطاء الصدقة ليس رغبةً خالصةً في نيل رضا الله أو مساعدة المحتاجين، بل ليُعرف بين الناس بكرمه وجوده، فإن هذه الصدقة، وإن كانت ظاهراً عملاً صالحاً وربما قدمت فائدة مؤقتة للفقير، إلا أنها لا تحمل أي ثواب روحي في نظر الله تعالى. بل قد تُعدّ خطيئة بسبب الرياء والتظاهر. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية ٢٦٤: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۖ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا ۖ لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ". هذه الآية توضح بجلاء كيف أن الرياء والتظاهر يمكن أن يُبطل العمل الصالح ويجعله عديم الأثر من حيث الثواب الإلهي. من الأهمية بمكان أن نفهم أن الله تعالى عليم بما تكنه الصدور؛ وما يدور في أعماق القلب مكشوف له. القيمة الحقيقية للعمل لا تكمن في شكله الظاهري، بل في روح النية وجوهرها. النية النقية والخالصة ("الإخلاص") هي التي تمنح العمل قيمة أبدية وبقاءً. وعلى النقيض، فإن النية الفاسدة، أو التي تلوثت بالدوافع الدنيوية، تُجرّد العمل من محتواه الروحي. فالأعمال التي تُؤدّى لجذب انتباه الناس، أو اكتساب الشهرة، أو تحقيق منافع مادية، قد تسفر عن نتائج دنيوية، ولكنها لن تحظى بأي نصيب من الثواب الإلهي في الآخرة. هذا هو الفارق بين "النفع الدنيوي" و"الأجر الأخروي". فالعمل ذو النية السيئة قد يجلب نفعًا "دنيويًا" للمجتمع أو لشخص آخر (مثل بناء مستشفى للشهرة)، ولكنه بالنسبة لفاعله لا قيمة له من حيث "الثواب الإلهي". إن أهمية الإخلاص في الإسلام عميقة لدرجة أنه يُعتبر روح وأساس كل عبادة. فالعبادة بدون إخلاص كجسد بلا روح. يؤكد القرآن الكريم في سورة البينة، الآية ٥: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفَاءَ وَیُقِیمُوا الصَّلَاةَ وَیُؤْتُوا الزَّکَاةَ ۚ وَذَٰلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ". هذه الآية تُبيّن بوضوح أن الغاية الأساسية من الخلق والتكاليف الإلهية هي العبادة الخالصة. كون الدين خالصاً لله يعني أن النية في جميع الأعمال يجب أن تكون خالصة لوجهه تعالى. عواقب النوايا السيئة والرياء لا تقتصر على عدم الحصول على الثواب الإلهي فحسب، بل يمكن أن تؤدي أيضاً إلى العقاب. ذلك لأن الرياء شكل خفي من أشكال الشرك، أي إشراك غير الله في العبادة والطاعة. فالشخص الذي يؤدي عملاً من أجل الناس يكون قد استعبد الناس في الواقع، لا استعبد الله. وهذه الحقيقة ستنكشف يوم القيامة، حيث توزن أعمال الإنسان وفقاً لنياته. ففي حديث قدسي مشهور، يُذكر أن أول من تُسعر بهم النار يوم القيامة هم قارئ القرآن الذي قرأ ليقال عنه عالم، والمتصدق الذي تصدق ليقال عنه سخي، والمجاهد الذي جاهد ليقال عنه شجاع، وكل ذلك لم يكن لوجه الله. وهذا يبين أن العمل الصالح الظاهري إذا لم يكن بنيّة خالصة، فإنه لا يُقبل بل قد يكون سببًا للعقاب. لذا، من منظور القرآن الكريم، يكون العمل الصالح ذا قيمة حقيقية فقط عندما تكون النية التي خلفه صالحة وخالصة أيضاً. فالعمل بدون نية خالصة هو كجسد بلا روح؛ على الرغم من أنه قد يبدو جميلاً في ظاهره، إلا أنه يفتقر إلى الحياة والقيمة الحقيقية. إن الله سبحانه وتعالى عليم بالقلوب وما تخفيه الصدور، وهو يمنح الثواب بناءً على نقاء النية والتقوى. لذلك، يجب على المرء أن يسعى باستمرار ليس فقط لأن تكون أعماله حسنة ظاهرياً، بل وأن تُسقى من ينابيع النوايا النقية والصادقة، لكي تُثمر ثمارها الحقيقية في الدنيا والآخرة. إن السعي المستمر لتنقية النوايا هو رحلة روحية تتطلب التواضع والوعي الذاتي والتوجه الدائم نحو الله، وتحويل الأفعال العادية إلى عبادات عميقة، مما يضمن أن كل جهد، مهما كان حجمه، يساهم في صلاح الإنسان الأبدي وقربه من الخالق.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً ثرياً وذا شأن في قديم الزمان، شيد مسجداً عظيماً وفخماً للغاية. كان هذا المسجد من الجمال والعظمة بحيث يتحدث عنه الجميع، ويمدحون الرجل الذي بناه. وقد كان هو نفسه يستمتع بهذا الثناء والمديح، وكان يتوقع في قرارة نفسه ثواباً عظيماً من الله. في أحد الأيام، مر درويش طاعن في السن، كان من أهل الباطن والعلم، بجانب المسجد. فسأله الرجل الثري بغرور: "يا درويش، كيف ترى هذا المسجد؟ وهل تظن أني بهذا العمل قد نلت رضا الله، وسيكون لي مكانة حسنة في الجنة؟" فابتسم الدرويش وقال: "يا هذا، إن هذا البناء وإن كان جميلاً في ظاهره، فإن أحجاره لم تُبنَ من الإخلاص وطوبُه لم يُشَدّ من محبة الله. فمن أراد أن يُقبل عمله، فعليه أن يُصلح قلبه قبل أن يُصلح يديه. قيمة العمل تكمن في النية، لا في عظمة البناء. وإن كانت نيتك في قلبك غير السمعة وثناء الناس، فكل هذا الجهد لن يكون سوى هباءً منثوراً في كف يدك." غضب الرجل الثري في البداية، لكنه سرعان ما أخذ يفكر وأدرك أن الدرويش قال الحقيقة، وأن نيته من بناء المسجد كانت لكسب ثناء الناس أكثر من نيل رضا الخالق. ومنذ ذلك الحين، سعى جاهداً لأداء أعماله بنياتٍ أنقى، طالباً رضا الله وحده.

الأسئلة ذات الصلة