نعم، يهتم الله تمامًا بنواياك الخام وغير المكتملة، فهو عليم بما في الصدور ويقدر النية الصادقة. هذه النوايا هي بذور الأعمال الصالحة التي ينميها الله.
نعم، بلا شك ولا ريب، إن الله تعالى لا يلتفت فقط إلى نوايانا، بل إن علمه يحيط بكل ما يدور في القلوب، حتى قبل أن تتحول إلى فعل أو تتشكل بالكامل. هذا أحد الجوانب المعجزة لقدرة الله اللامتناهية ورحمته التي لا حدود لها، فهو سبحانه وتعالى يعلم بأدنى الميول، والأفكار غير الناضجة، والرغبات غير المكتملة التي تخطر على ذهن الإنسان وقلبه. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على علم الله المطلق، ويصفه بأنه "عليم بذات الصدور"، أي عليم بما في الصدور. هذا يعني أن لا نية، مهما كانت خام أو ناقصة، تبقى خافية عن بصره وعلمه. تخيل أن الإنسان كائن معقد ذو أفكار ومشاعر داخلية تتطور باستمرار. في كثير من الأحيان، لا تكون نوايانا واضحة تمامًا وشفافة في البداية؛ قد تكون مشوبة بالشك، أو الخوف، أو عدم اليقين. في بعض الأحيان، تشرق في أذهاننا نية خير، لكننا لا نملك بعد المسار الكامل، أو الوسائل، أو حتى القدرة التامة لتحقيقها. في مثل هذه الظروف، هل من الممكن أن يتجاهل الله، خالقنا الفريد، مثل هذه النوايا الأولية غير المتشكلة؟ الإجابة القاطعة هي "أبدًا". بسبب كماله المطلق، الله عليم بجميع أبعاد الوجود البشري. يعلم أننا كائنات في حالة تطور روحي وفكري. مسار الإيمان والعبودية هو مسار تدريجي، والنوايا أيضًا تتطور في هذا المسار من حالة خام إلى حالة أكثر نضجًا واكتمالًا. الأهم هو أن تُزرع بذور النية الطيبة في القلب. يقدر الله النوايا الصادقة والنقية، حتى لو كانت في مراحلها الأولية ولم تصل بعد إلى مرحلة الفعل. هذه هي رحمة الله الواسعة التي تسمح للعبد بأن يجد طريقًا لكسب رضا ربه حتى من خلال أفكاره وميوله الداخلية. تحتل النية مكانة رفيعة جدًا في الإسلام. قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "إنما الأعمال بالنيات". على الرغم من أن هذا الحديث يشير أساسًا إلى أن قيمة الفعل وثوابه يعتمدان على النية الكامنة وراءه، إلا أنه من المنظور الأوسع للقرآن، حتى النوايا الحسنة الصرفة التي لا تتحقق بسبب عوائق خارجية أو ضعف بشري، تحظى بفضل إلهي. لنفترض أن شخصًا لديه نية صادقة لمساعدة الفقراء، لكنه بسبب فقره هو أو بسبب صعوبات أخرى، لا يستطيع تنفيذها. الله يعلم هذه النية الصادقة وقد يكافئ عليها أو على الأقل يأخذها في الاعتبار في ميزان رحمته. وهذا يدل على عدل الله وفضله، حيث يظهر اهتمامه بعباده حتى في المراحل الأولية للإرادة واتخاذ القرار. إن اهتمام الله بنوايانا الخام وغير المكتملة هو مصدر عظيم للأمل والدافع. هذا يعني أننا لا ينبغي أن نيأس من البدء في عمل صالح، حتى لو شعرنا بالعجز أو أن أفكارنا غير ناضجة. كل خطوة، وكل فكرة حسنة، وكل نية صادقة تُتخذ في سبيل رضا الله لا تخفى عن بصره ولن تبقى بلا مكافأة. ينظر الله إلى قلوبنا، إلى أعماق وجودنا، وإلى مدى إخلاصنا وجهدنا في سبيل الخير. يزيد هذا المفهوم من مسؤوليتنا الأخلاقية؛ لأننا نعلم أن أعمق أفكارنا ونوايانا مكشوفة أمام الحضرة الإلهية. لذا، يجب علينا دائمًا أن نسعى لتطهير النوايا وتوجيهها نحو الخير. يدعو القرآن الكريم الإنسان إلى التفكر والتدبر، وغالبًا ما يبدأ هذا التدبر بنوايا أولية وتساؤلات داخلية. يرى الله هذه المراحل الأولية من التفكير أيضًا ويقدرها. فهو لا يعلم النوايا الكاملة فحسب، بل يعلم بذور النوايا أيضًا ويتعامل معها. هذا يدل على علاقة الله العميقة والشاملة مع خلقه. إنه مثل أب عطوف يشجع ويقدر حتى أصغر المحاولات غير الكاملة لطفله للمشي أو الكلام. هكذا يتعامل الله مع عباده؛ فهو يشجع نمونا وتطورنا الروحي. لذلك، يمكن القول بثقة تامة إن الله لا يولي اهتمامًا فقط لنوايانا الخام وغير المكتملة، بل إنه يعلمها ويفهمها ويقبلها في مسار رحمته وفضله، ويوجهها نحو الكمال والنقاء. هذا الأمل يدفعنا نحو تنمية النوايا الصالحة والسعي المستمر لتنفيذها، وإن كان ذلك بنواقص. هذا الضمان يمنحنا السلام والطمأنينة بأن لدينا إلهًا، حتى في ضعفنا ونواقصنا، ينظر إلينا برحمة ويساعدنا في مسار النمو والكمال. وهذا دليل على الحكمة والعدل الإلهي اللذين ينظران إلى جوهر الوجود وعمق إرادة الإنسان، متجاوزين الأعمال الظاهرية.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك درويش فقير تمنّى في قرارة نفسه بناء مسجد. لم يكن لديه مال ولا قوة بدنية ليضع لبنة فوق لبنة، لكنه كان يذهب كل يوم إلى قطعة الأرض الخالية المخصصة للمسجد، وبحسرة وأنين، كان يربي نيته الخالصة في قلبه ويقول لنفسه: "يا ليت لو أملك القدرة لأحضر حجرًا واحدًا لبيت الله!" وأحيانًا كان يجد حصاة صغيرة ويضعها في زاوية من الأرض ويقول: "هذه أيضًا نيتي لبناء بيتك يا ربي!" في نفس الوقت، بنى أمير ثري وقوي مسجدًا عظيمًا وفخمًا أبهر العيون. كان يحمل في قلبه الغرور، ويعتقد أنه بهذا العمل قد نال منزلة رفيعة عند الله. ذات ليلة، رأى الدرويش في المنام أن نداءً جاءه من الغيب: "لقد قُبل مسجد الأمير، لكن الثواب الكامل قد وصل إلى الدرويش الفقير الذي وضع حجرًا صغيرًا بنية خالصة." تعجب الدرويش وسأل: "كيف ذلك؟" فأجاب النداء: "لأن الأمير بنى ذلك المسجد بغرور، وكان يبحث عن اسمه في كل لبنة، أما الدرويش فقد وضع تلك الحصاة الصغيرة بكل كيانه وبنية خالصة لوجهنا، ونحن ننظر إلى النوايا، لا إلى عظمة البنيان." هذه الحكاية تدل على أن الله يولي اهتمامًا لجوهر قلب الإنسان وإخلاص نيته، حتى لو كانت قدرته قليلة وعمله ضئيلًا.