من منظور القرآن، النجاحات الجديرة بالثناء هي فقط تلك التي تقوم على الحق والعدل والأخلاق، وتؤدي إلى رضا الله. أما النجاحات المحققة بالظلم والفساد فلا يقرها القرآن ولا يثني عليها أبداً.
في منظور القرآن الكريم، يتجاوز مفهوم النجاح بكثير مجرد الإنجازات المادية أو الدنيوية. يقدم القرآن تعريفاً شاملاً للنجاح يشمل ليس فقط التقدم الخارجي، بل أيضاً النمو الداخلي، نقاء الروح، والتوافق مع القيم الإلهية والأخلاقية. بناءً على ذلك، فإن الإجابة على سؤال «هل كل شكل من أشكال النجاح يستحق الثناء؟» هي لا؛ فمن وجهة نظر القرآن، يعتمد استحقاق النجاح للثناء بشكل عميق على طبيعته، ووسائله، وأهدافه النهائية. النجاح الحقيقي الجدير بالثناء هو ذلك الذي يتحقق من خلال طريق الحق والعدل والأخلاق، ويؤدي إلى خير وصلاح الفرد والمجتمع. يؤكد القرآن مراراً على أن النجاحات الدنيوية، مهما بدت مبهرة ظاهرياً، إذا لم تكن مصحوبة بالتقوى والعدل والأخلاق، فلا قيمة حقيقية لها، بل قد تؤدي إلى الهلاك والخسران الأبدي. على سبيل المثال، قصة قارون في سورة القصص (الآيات 76 إلى 82) تُعد مثالاً بارزاً لنجاح مادي عظيم، لكن بسبب تكبره وجحوده وعدم مراعاته لحقوق الآخرين، لم يكن يستحق الثناء فحسب، بل أدى إلى هلاكه التام. يوضح القرآن بجلاء أن المال والسلطة، إذا كانا وسيلة للظلم والفساد ونسيان الله، ليسا نجاحاً بل هما سبب للعذاب والفشل النهائي. وبالتالي، لا يكون الثناء على النجاح ذا معنى إلا إذا كان ذلك النجاح قائماً على المبادئ والتعاليم الإلهية. من وجهة نظر القرآن، يرتبط النجاح الحقيقي (الفلاح) ارتباطاً وثيقاً بتزكية النفس، والتقوى، وأداء الأعمال الصالحة، وإقامة العدل والقسط. فقد ذكرت سور مثل المؤمنون والأعلى والشمس بوضوح معايير النجاح الحقيقي. ففي سورة المؤمنون (الآيات 1 إلى 11)، يُنسب الفلاح والفوز للمؤمنين الذين يتصفون بصفات كالخشوع في الصلاة، والبعد عن اللغو، وإيتاء الزكاة، وحفظ الفروج، وأداء الأمانات، والوفاء بالعهود. تُظهر هذه الآيات أن النجاح هو مجموعة من الفضائل الأخلاقية والعبادية، وليس مجرد اكتساب الثروة أو السلطة. فبلوغ هذه الفضائل هو ما يستحق الثناء الحقيقي، لأنه يؤدي إلى صلاح الفرد في الدنيا والآخرة. الهدف الأسمى لأي سعي من منظور القرآن يجب أن يكون كسب رضا الله تعالى والسعادة الأخروية. النجاحات الدنيوية، مهما كانت عظيمة، إذا لم تكن في سبيل هذا الهدف، تُعتبر عابرة وبلا قيمة. يؤكد القرآن في سورة هود (الآية 112) على الاستقامة والثبات على الحق، وهذا الثبات هو الذي يهيئ للنجاح الحقيقي والثناء الإلهي. كذلك، في سورة الإسراء (الآية 23) بعد الأمر بعبادة الله وحده، يُؤكد على الإحسان إلى الوالدين، وهذا بحد ذاته نوع من النجاح في العلاقات الإنسانية والأخلاق، وهو قطعاً جدير بالثناء. لذا، فإن معيار الثناء هو مدى قرب النجاح من المعايير الإلهية وتأثيره في الإصلاح والبناء. في الختام، يمكن القول إن الثناء على النجاح في الرؤية القرآنية هو فعل مشروط. فليس فقط كيفية تحقيق النجاح، بل النية والهدف من ورائه أيضاً لهما أهمية قصوى. فالنجاحات القائمة على الظلم، الخداع، الاستغلال، أو أي فعل آخر مكروه، لا يمكن أبداً أن تُمدح من منظور إلهي وأخلاقي، حتى لو بدت مفيدة ظاهرياً على المدى القصير. ما يستحق الثناء والإشادة حقاً، هو النجاح الذي يتحقق بصدق النية، والجهد الصادق، ومراعاة حقوق الآخرين، وعلى طريق الحق والعدل، مما يؤدي إلى نمو متعالٍ في الأبعاد المادية والمعنوية. مثل هذه النجاحات، لا تُشكر في هذه الدنيا فحسب، بل تجلب معها الجزاء الأخروي ورضا الله الدائم. هذا المنظور الشامل للنجاح يعلمنا أن نقيم أهدافنا ووسائلنا دائماً ضمن إطار التعاليم الإلهية.
يُروى في روضة السعدي (كلستان) أن ملكًا كان يسافر مع وزير حكيم. كان الملك يتفاخر بعظمة حكمه وثروته، قائلاً: «ما أعظم النجاح الذي أنعم علينا!» فأجاب الوزير بأدب: «يا مولاي، النجاح الحقيقي يكمن في سلامة الروح والعدل، لا في اتساع الملك وكثرة المال. لقد سمعت قصة رجل كسب لقمة عيشه بالحلال وعاش قانعًا. كان فقيرًا في الظاهر، لكن قلبه كان مضاءً بنور الله ومليئًا بالراحة. في المقابل، رأيت ملكًا يمتلك كنوزًا وافرة، لكنه لم ينم ليلة واحدة مرتاحًا خوفًا من الأعداء وحسد الأشرار. لم يكن نجاحه جديراً بالثناء، لأنه كان ممزوجاً بالخوف والظلم.» فكر الملك وتأمل، وأدرك أن الثناء لا ينبع من المظهر، بل من الجوهر والنوايا النقية.