يؤكد القرآن على الصبر والصلاة وذكر الله والتوكل عليه للحفاظ على الهدوء والصحة النفسية في الظروف الصعبة. تساعد هذه التعاليم الإنسان على مواجهة المصائب بأمل وصمود، مع العلم أن اليسر يأتي بعد كل عسر.
القرآن الكريم، بصفته كتاب الهداية الإلهية، مليء بالتعاليم التي لا تقتصر على الأبعاد الجسدية والروحية فحسب، بل تهتم بشكل خاص بالصحة النفسية للإنسان، خاصة عند مواجهة الظروف الصعبة والأزمات الحياتية. من منظور القرآن، ترتبط الصحة النفسية ارتباطًا وثيقًا بالإيمان، وعلاقة الإنسان بربه، وكيفية تعامله مع المصائب. يقدم هذا الكتاب الإلهي حلولًا أساسية وعميقة للحفاظ على الهدوء والتوازن الداخلي، حتى في ذروة الصعوبات، وهي جديرة بالتأمل والتطبيق لكل إنسان، بغض النظر عن خلفيته. أحد أهم المفاهيم القرآنية في هذا الصدد هو مفهوم "الصبر". فالصبر في القرآن ليس مجرد تحمل سلبي، بل هو ثبات واستقامة وضبط للنفس بشكل فعال في مواجهة المشاكل والابتلاءات. يشير الله تعالى في آيات عديدة إلى أهمية الصبر ويعتبره مفتاح الفرج ومفتاح معية الله. ففي سورة البقرة، الآية 153، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". توضح هذه الآية بجلاء أن الصبر والصلاة هما ركيزتان أساسيتان لتجاوز الصعاب والحفاظ على الصحة النفسية. يمنح الصبر الإنسان القدرة على التحمل، والصلاة هي ارتباط مباشر بمصدر الطمأنينة اللامتناهي. كما يؤكد القرآن على "ذكر الله" كمصدر أساسي لسكينة القلوب. ففي سورة الرعد، الآية 28، يقول: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". تحمل هذه الآية رسالة حاسمة وعالمية: في عالم مليء بالضجيج والتوتر، النقطة الحقيقية التي يمكن الاعتماد عليها للوصول إلى السكينة هي ذكر الله الدائم. يمكن أن يتم هذا الذكر من خلال تلاوة القرآن، الأذكار والتسبيح، والتأمل في عظمة الله. استمرار الذكر والتوجه إلى الله بمثابة مرساة تنقذ سفينة وجود الإنسان من الغرق في أمواج الحياة المضطربة. مفهوم آخر حيوي جدًا للصحة النفسية في الظروف الصعبة هو "التوكل على الله". التوكل يعني بذل الجهد الأمثل من جانب الإنسان، ثم تفويض النتائج إلى الله. هذا الثقة في القدرة والحكمة الإلهية يرفع العبء الثقيل من المخاوف والقلق الناتج عن عدم اليقين. عندما يؤمن الفرد بأن لا شيء خارج عن إرادة الله وتدبيره، وأن الله هو خير المدبرين، فإنه لا يصاب باليأس العميق والقنوط حتى في مواجهة الفشل والإخفاقات. يساعد هذا المنظور الإنسان على إبقاء نور الأمل حيًا في قلبه في جميع الظروف، وأن يعلم أن بعد كل عسر يسرًا. "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" في سورة الشرح، الآيتين 5 و 6، تعبر صراحة عن هذا الوعد الإلهي وتمنح الإنسان الأمل بأن لا صعوبة تدوم. ويؤكد القرآن أيضًا على عدم "اليأس من رحمة الله". يعتبر اليأس والقنوط من الكبائر، لأنهما يدلان على عدم معرفة صحيحة بقدرة الله وعفوه اللامتناهي. في سورة يوسف، الآية 87، يقول يعقوب عليه السلام لأبنائه: "وَلَا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ". تحمل هذه الآية رسالة حازمة لمكافحة الاكتئاب والقلق العميق؛ فدائمًا ما يكون هناك طريق للعودة والفرج من الله. علاوة على ذلك، يغير القرآن نظرة الإنسان إلى الابتلاءات والصعوبات. يعتبر الحياة الدنيا ميدان اختبار، والمصائب وسيلة للنمو والتطهير والارتقاء الروحي للإنسان. ففي سورة العنكبوت، الآية 2، يقول: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ". هذا الفهم بأن المشاكل جزء لا يتجزأ من مسار النمو يساعد الفرد على مواجهتها بمنظور أكثر واقعية ومقاومة. أخيرًا، يشير القرآن أيضًا إلى أهمية "المغفرة والعفو"، و"الشكر"، و"خدمة الخلق"، وكلها تؤثر إيجابًا بشكل غير مباشر على الصحة النفسية. فالمغفرة تزيل العبء الثقيل للحقد والعداوة من القلب. والشكر، حتى في ظروف النقص، يوجه نظرة الفرد نحو النعم الموجودة ويزيد من شعوره بالرضا. وخدمة الآخرين تعزز شعور الهدف والقيمة، وتخرج الإنسان من التركيز على مشاكله فقط. هذه التعاليم القرآنية، في مجموعها، توفر إطارًا شاملاً وقويًا للمرونة النفسية والحفاظ على الهدوء في مواجهة تحديات الحياة، وتوضح أن الصحة النفسية مرهونة بعلاقة عميقة مع الخالق وقبول حكيم للمشيئة الإلهية.
يُروى في گلستان سعدي أن أحد الدراويش مرض وبلغ به الضعف مبلغه. ويئس الأطباء من شفائه. زاره أحد أصدقائه فرآه رغم الألم والمعاناة الشديدين، لم يتذمر، وكانت السكينة بادية على وجهه. سأله صديقه: "كيف تتحمل هذا الحال وبهذا الهدوء؟" ابتسم الدرويش وقال: "في اليوم الذي خلقني الله وقدر رزقي، قدر معه الألم والمرض أيضًا. أنا عبد لذلك الرب الذي هو حكيم ليس فقط في منح النعم، بل في تقدير البلايا أيضًا. فكيف لا أرضى بما أراد هو؟ هذا الهدوء ينبع من التسليم للقضاء الإلهي ومعرفة أن الله لا يترك عبده أبدًا." تذكرنا هذه القصة أنه عندما نسلم قلوبنا لله، حتى في أصعب الظروف، نجد سلامًا وسكينة لا يستطيع أي طبيب وصفها.