كيف أفرح لنجاح الآخرين؟

لكي تفرح حقًا بنجاح الآخرين، يجب أن تتخلص من الحسد، وتؤمن بالقدر الإلهي، وتعزز الأخوة الإسلامية. هذا المنظور يطهر القلب من الحسرة ويعزز الشكر والتعاطف.

إجابة القرآن

كيف أفرح لنجاح الآخرين؟

إن الفرح بنجاح الآخرين هو إحدى أروع وأسمى الصفات البشرية. ومع ذلك، قد تميل الطبيعة البشرية أحيانًا إلى الحسد، المنافسة غير الصحية، أو حتى الحسرة. لكن الدين الإسلامي الحنيف، وخاصة آيات القرآن الكريم النورانية، يقدم حلولاً عميقة وشاملة لترقية الروح الإنسانية والوصول إلى مرتبة يمكن للإنسان فيها أن يفرح حقًا لإنجازات الآخرين. هذه التعاليم لا تساهم فقط في نقاء القلب وراحة البال للفرد، بل تعزز الروابط الاجتماعية وتؤدي إلى بناء مجتمع أكثر صحة. المبدأ الأول، وربما الأساسي، الذي يقدمه القرآن لمواجهة جذور عدم الفرح بنجاح الآخرين هو الفهم الصحيح لمفهوم "الحسد" والابتعاد عنه. الحسد يعني تمني زوال النعمة من الغير ورغبتها للنفس. هذه الصفة المذمومة لا تعتبر من الكبائر فحسب، بل إنها تلوث روح الإنسان وعقله، وتسلبه السلام. يؤكد القرآن الكريم بشكل مباشر على تجنب تمني ما فضل الله به بعضنا على بعض. في سورة النساء، الآية 32، نقرأ: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا". هذه الآية توضح بجلاء أنه لا ينبغي لنا أن نتمنى ما فضل الله به بعضنا على بعض. بل يجب أن نطلب من فضل الله وكرمه. هذا المنظور يقضي على جذور الحسد، وهي المقارنة والتمني. عندما يدرك الإنسان حكمة الله في تقسيم الأرزاق والنعم، فبدلاً من الحسد، ينخرط في الشكر ويسعد بكل خير يصل إلى أي من عباده. الحسد لهيب يحرق ذات الفرد أولاً ثم يضر بعلاقاته الاجتماعية. لذا، فإن الخطوة الأولى نحو الفرح بنجاح الآخرين هي إخماد هذا اللهيب داخل النفس. المبدأ الثاني المهم هو "الأخوة الإسلامية" و"التعاطف". يصف القرآن الكريم المؤمنين بأنهم إخوة لبعضهم البعض: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ" (سورة الحجرات، الآية 10). تقدم هذه الآية الأساسية صورة للمجتمع الإسلامي يكون فيها الأفراد كأعضاء جسد واحد. وكما ورد في الروايات، عندما يتألم عضو واحد من الجسد، تتأثر سائر الأعضاء؛ بالمثل، يجب أن يُنظر إلى فرح ونجاح مؤمن على أنه فرح ونجاح للمجتمع الإسلامي بأسره. عندما يصل الإنسان إلى هذا الاعتقاد العميق بأن نجاح أخيه أو أخته في الدين لا يضره فحسب، بل يساهم بطريقة ما في النمو والتقدم العام للمجتمع الذي هو جزء منه، يمتلئ قلبه بالفرح والرضا. هذا المنظور يحول المنافسة السلبية إلى منافسة في الخيرات، وهو أمر مرغوب فيه في القرآن. الاستراتيجية الثالثة هي الفهم العميق لـ "القدر الإلهي وتوزيع الرزق". يؤكد الله تعالى في القرآن الكريم أن توزيع الرزق وترتيب الناس في الحياة الدنيا هو بيده، وأن هذا يحدث بناءً على الحكمة الإلهية. في سورة الزخرف، الآية 32، ورد: "أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ". هذه الآية تشير بوضوح إلى أن تقسيم الأرزاق والفروقات في مراتب الناس هو من عمل الله. عندما يدرك الإنسان أن لكل شخص نصيبه المحدد من الرزق والنجاح، وأن هذا ينبع من حكمة الله البالغة، فلا يبقى مجال للحسرة أو الحسد. يزرع هذا الفهم القناعة في قلب الإنسان ويساعده على أن يكون شاكرًا لما لديه ولفضل الله، بدلاً من التركيز على ما يمتلكه الآخرون. إن الفرح بنجاح الآخرين ضمن هذا الإطار هو علامة على التسليم لإرادة الله والإيمان بعدله وحكمته. الاستراتيجية الرابعة هي "الشكر والتركيز على النمو الشخصي". يعلمنا القرآن أن نكون دائمًا شاكرين لنعم الله: "لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ" (سورة إبراهيم، الآية 7). عندما يحول الإنسان بصره عن ممتلكات الآخرين ويركز على نعمه التي لا تعد ولا تحصى وعلى فضل الله الذي لا ينضب، يتطهر قلبه من الحسرة والحسد، ويسعد بالنعم التي وهبت له وللآخرين. إن التركيز على النمو الشخصي وتطوير الذات، بدلاً من مقارنة النفس بالآخرين، يوجه طاقة الإنسان نحو البناء والتقدم. فبدلاً من تمني زوال النعمة من الآخر، يسعى الفرد جاهداً، بالعمل والاجتهاد والتوكل على الله، لتحقيق أفضل مكانة ممكنة لنفسه، ويطلب من الله الفضل لنفسه وللآخرين. الجانب الخامس هو "حسن الظن بالله" والإيمان بـ "خيرية جميع الأحداث". عندما يصل الإنسان إلى هذا اليقين القلبي بأن كل حدث يقع في العالم، بما في ذلك نجاح الآخرين، يحمل في طياته خيراً خفياً، وأنه من مشيئة الله، فإنه لا يحسد فحسب، بل ينظر إليه بإيجابية. يمكّن هذا المنظور الإنسان من الفرح بنجاح الآخرين كعلامة على رحمة الله وفضله، حتى لو كان هذا النجاح لا يتعلق به ظاهرياً. هذا النوع من الفرح هو رمز للقلب السليم والروح الواسعة التي لا تُكتسب إلا بالتقوى والمعرفة الإلهية. في الختام، للوصول إلى هذا المستوى من الفرح القلبي لنجاح الآخرين، يجب على المرء أن يسير بكل وجوده في طريق تزكية النفس. يشمل هذا الطريق تقوية الإيمان بالقضاء والقدر الإلهي، ومحاربة الرذائل الأخلاقية كالحسد والبخل، وتعزيز حس الأخوة والمحبة في المجتمع، وأخيراً، التركيز على العبودية والشكر الدائم لله تعالى. عندما يمتلئ قلب الإنسان بمحبة الله وعباده، لا يبقى مكان لظلام الحسد والحسرة، ويصبح فرح الآخرين فرحنا أيضاً. لا يقتصر هذا النهج القرآني على جلب السلام للفرد فحسب، بل يبني مجتمعاً مليئاً بالأمل والتعاطف.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أنه في مدينة ما، كان يعيش أخوان: أحدهما غني وذو ثروة كبيرة، والآخر درويش قنوع. كان الأخ الغني يزداد مالًا وجاهًا كل يوم، وتصل أخبار نجاحاته إلى مسامع الجميع. عندما كان الدرويش يسمع هذه الأخبار، لم ينشأ في قلبه حسد ولا غلب عليه حزن. بل كان يتوجه نحو القبلة ويقول بتواضع: "يا ربي، أحمدك على أنك أنعمت على أخي من فضلك ومنحته عطاءً وفيراً. ما تعطيه لأي أحد يكون بحكمتك، وما تمنعه يكون أيضًا بحكمتك. نجاحه علامة على لطفك، وأنا مسرور بذلك." سأله أحد أصدقائه، وقد لاحظ حال الدرويش، باستغراب: "يا شيخ، كيف تبقى مبتهجًا وهادئًا على الرغم من كل هذه الفروق في الحظوظ، ولا تدع الحسد يدخل قلبك؟" فأجاب الدرويش بابتسامة لطيفة: "لأنني أعلم أن الرازق واحد، وكل ما يصل إلى الآخرين يأتي من كنوز الله اللامتناهية. عيني ليست على أيدي الخلق، وقلبي لا يحسد ما قدره الله لغيري. سعادتي تأتي من رؤية عباد الله في نعمة، فأنا أعلم جيداً أن هذه النعم ليست من قوتهم بل من فضل الله، وكلما ازداد فضل الله وضوحاً، يجب أن يكون العبد أكثر شكراً. كيف يمكن لقلب إنسان يرى نفسه جزءًا من جسد أكبر، أن يفرح بمعاناة الآخر أو يحزن بفرحة الآخر؟ نحن جميعًا أغصان شجرة واحدة، وثمر كل غصن يساهم في ازدهار الشجرة بأكملها. كلما نال أخي المؤمن نعمة، أراها علامة على سعة الرحمة الإلهية، ويفرح قلبي بهذه السعة، ولا يضيق." بهذه الرؤية والخلق، عاش الدرويش دائمًا بقلب منفتح وروح هادئة، وكانت هذه بحد ذاتها أعظم ثروته التي لم يمتلكها أي غني.

الأسئلة ذات الصلة