كيف يمكنني الاقتراب من الله في الأوقات الصعبة؟

في الأوقات الصعبة، توجه إلى الله بالصبر والصلاة. الذكر الدائم لله، والتوكل عليه، والدعاء الخالص يطمئن القلوب ويقربك إليه، فقد وعد الله مع العسر يسراً.

إجابة القرآن

كيف يمكنني الاقتراب من الله في الأوقات الصعبة؟

تُعَدّ الأوقات الصعبة ومواجهة التحديات جزءًا لا يتجزأ من حياة الإنسان، وفي تعاليم القرآن الكريم، لا تُقدَّم هذه الفترات على أنها مجرد عقاب، بل كفرص للنمو الروحي، وتزكية النفس، وتعميق الصلة بالرب. يذكر الله تعالى صراحة في القرآن أن البشر سيُبتَلون ليُختَبَر صبرهم وإيمانهم وتوكلهم. وبالتالي، فإن فهم هذه الحقيقة القرآنية – أن الصعوبات جزء من الحكمة الإلهية – هو الخطوة الأولى نحو الاقتراب من الله في هذه الأوقات. من أهم السبل للتقرب إلى الله في الشدائد هو «الصبر» و«الصلاة». يقول القرآن الكريم في الآية 153 من سورة البقرة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾. توضح هذه الآية بجلاء أن الصبر ليس مجرد تحمل سلبي للمشكلات، بل هو قوة فاعلة تجعل الإنسان ثابتًا في مواجهة الشدائد. ويتجلى الصبر في ثلاثة أشكال رئيسية: الصبر على الطاعة (الثبات في أداء الواجبات)، والصبر عن المعصية (الامتناع عن الذنوب رغم الميول)، والصبر على المصيبة (تحمل الصعوبات والبلايا). كل هذه الأنواع من الصبر تدفع الإنسان نحو الله، لأنه في جوهر كل منها يكمن التسليم للإرادة الإلهية والثقة بتدبيره. أما الصلاة، فهي عماد الدين ومعراج المؤمن؛ ملجأ هادئ في قلب العواصف. في لحظات الصلاة، يتحدث الإنسان مع خالقه مباشرة، متحررًا من التعلقات الدنيوية، ويقدم شكواه إليه ويطلب منه الطمأنينة. الصلاة، خاصة إذا أُديت بحضور قلب وخشوع، تصقل القلب وتقوي الروح، وهذا التقوية الروحية تمنح الإنسان القدرة على مواجهة الصعاب. وسيلة أخرى هي «الذكر» وتذكّر الله دائمًا. تقول سورة الرعد، الآية 28: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾. في لحظات القلق والاضطراب، لا شيء يمكن أن يجلب الطمأنينة مثل ذكر الله. لا يقتصر الذكر على التسبيح والأوراد فحسب، بل يشمل أيضًا التفكر في الآيات الإلهية، وتلاوة القرآن، وتذكّر صفات الله وأسمائه الحسنى. عندما يتذكر الإنسان في خضم الشدائد قوة الله المطلقة، وحكمته اللانهائية، ورحمته الواسعة، يشعر بالأمان والاطمئنان. هذا التذكّر الدائم يقلل من اعتماد الإنسان على غير الله ويزيده ثباتًا على طريق التوحيد والتوكل. وكلما كان هذا الذكر أعمق ومنبعثًا من المعرفة، زاد قرب القلب من الرب. و«التوكل» على الله مبدأ أساسي في هذا المسار أيضًا. عندما يبذل الإنسان قصارى جهده ثم يسلّم النتيجة لله، يزول عنه ثقل المسؤولية. يقول القرآن في الآية 3 من سورة الطلاق: ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾. التوكل لا يعني تجاهل الأسباب والعوامل الدنيوية، بل يعني الإيمان بأن الأسباب نفسها في قبضة الله، وهو وحده القادر على حل المعضلات. في الشدائد، عندما تبدو جميع السبل مسدودة، يفتح التوكل على الله نافذة من الأمل ويربط الإنسان بالقدرة الإلهية اللانهائية. هذا التوكل العميق يزيل الشعور بالضعف والعجز ويستبدله بالثقة في قوة الله المطلقة. و«الدعاء» والمناجاة من أنجع السبل للتقرب إلى الله وقت الشدائد. تقول الآية 186 من سورة البقرة: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾. الدعاء هو جسر اتصال مباشر بين العبد والرب. في لحظات الضعف والعجز، عندما يشعر الإنسان أنه لا معين له سوى الله، يرفع يديه بالدعاء ويبوح له بكل حاجاته ومخاوفه وآماله. هذا الاعتراف بالفقر الذاتي أمام الغنى الإلهي المطلق، يجلب أقصى درجات العبودية والقرب. حتى لو لم يُستَجَب الدعاء فورًا، فإن فعل الدعاء والمناجاة نفسه يمنح القلب راحة لا مثيل لها ويحرر الإنسان من الشعور بالوحدة واليأس. الدعاء يجعل الإنسان يدرك أن كل ما يحدث هو بإرادة وعلم إلهي، وأن السبيل للخروج من أي مشكلة هو التوسل إلى ذاته المقدسة. أخيرًا، يلعب «التفكر في فلسفة البلاء» و«الشكر» دورًا أساسيًا. يؤكد القرآن في الآيتين 5 و 6 من سورة الشرح: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ۝ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾. هذا الوعد الإلهي يبقي الأمل حيًا في قلب المؤمن. الصعوبات هي فرصة للإنسان ليدرك ضعفه أمام القدرة الإلهية ويستيقظ من الغفلة. إنها تطهر الذنوب، وترفع منزلة الإنسان، وتعلمه دروسًا لم يكن ليتعلمها في الرخاء أبدًا. حتى في قلب المشكلات، يمكن للمرء أن يجد جوانب للشكر: الصحة المتبقية، العائلة الداعمة، أو حتى مجرد فرصة الحياة نفسها. الشكر في الشدائد يغير نظرة الإنسان ويوجهه نحو الجوانب الإيجابية في الحياة، مما يزيد من الأمل والشعور بالقرب من الله. مع كل خطوة يخطوها الإنسان نحو الصبر والصلاة والذكر والتوكل والدعاء والشكر، تُزال الحجب بينه وبين ربه، ويجد نفسه في الملجأ الإلهي الآمن، أقرب من أي وقت مضى. هذه الرحلة الداخلية تحويلية وعميقة، وتحول الإنسان إلى نسخة أقوى وأكثر روحانية من ذاته.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في يوم من الأيام، كان تاجر ثري يسافر مع قافلته عبر صحراء قاحلة. فجأة، هبت عاصفة رملية عاتية، فبعثرت ممتلكاته وأغرقه اليأس. وفي خضم الفوضى، جلس درويش حكيم وزاهد، كان مع القافلة، بهدوء، يهمس ببعض الأدعية. سأله التاجر بذهول: «كيف يمكنك أن تكون بهذه الهدوء وعدم الاكتراث في هذه الكارثة العظيمة؟ لقد فقدت كل ثروتي!» ابتسم الدرويش وقال: «يا صديقي، ما فقدته لم يكن سوى غبار زائل. كنزي الحقيقي في قلبي، كنز لا تشتته عاصفة ولا يسرقه لص: كنز الثقة بالخالق. كلما تهاوى العالم الخارجي، يبقى العالم الداخلي، المبني على ذكر الله، ثابتًا راسخًا. حقًا، في لحظات العجز الشديد هذه، يشعر الإنسان بيد الرحمة الإلهية أقرب إليه من حبل وريده. كلما أدبرت الدنيا، كلما ازداد شغف الروح بالتوجه إلى خالقها، لتجد السلام في حضرته التي لا حد لها.» تأثر التاجر بشدة بهذه الكلمات الحكيمة، فنظر في داخله، ولأول مرة وسط هذا الخراب، وجد سلامًا عميقًا، وحوّل قلبه نحو الرزاق الحقيقي الأوحد. هدأت العاصفة، وعُثر على بعض البضائع المفقودة، لكن التاجر كان قد اكتشف كنزًا أثمن بكثير: إيمانًا لا يتزعزع.

الأسئلة ذات الصلة