للاستعداد ليوم القيامة دون قلق، ركز على الإيمان والعمل الصالح، وتوكل على رحمة الله. الأعمال الصالحة، والتوبة، وتجنب الذنوب هي مفتاح السلام والاستعداد الحقيقي.
مواجهة مفهوم يوم القيامة ويوم الحساب تثير العديد من الأسئلة والمخاوف لدى الكثيرين. كيف يمكننا أن نستعد لذلك اليوم العظيم دون أن نقع في فخ القلق المشلّ؟ هذا سؤال جوهري، ويمكن العثور على إجابته في التوجيهات العميقة للقرآن الكريم. يقدم القرآن الكريم منهجًا متوازنًا بين الخوف والرجاء بالله تعالى؛ منهجًا يدفع الإنسان نحو العمل الصالح والتوكل الحقيقي على الله، لا نحو اليأس أو اللامبالاة. الخطوة الأولى لتقليل القلق وزيادة الاستعداد هي الفهم الصحيح لطبيعة يوم القيامة. يعلمنا القرآن أن يوم القيامة هو يوم العدل المطلق والرحمة الإلهية الواسعة. الله العادل لا يظلم أحدًا أبدًا، وكل نفس سترى جزاء عملها. كما نقرأ في سورة الزلزلة (الآيتين 7-8): «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»؛ أي: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ». هذه الآيات تؤكد لنا أن أعمالنا، مهما كانت صغيرة، لا تُهمل، وأن العدل التام سيقام. هذا الفهم بحد ذاته يمكن أن يزيل جزءًا من القلق، لأننا ندرك أن النظام الحاكم ليوم القيامة هو نظام حكم وحكمة وعدل، وليس نظامًا عشوائيًا أو عبثيًا. للاستعداد، يؤكد القرآن بشدة على محورية الإيمان والعمل الصالح. الاستعداد ليوم القيامة هو في الواقع عيش حياة التقوى والسير في طريق العبودية لله. هذا الاستعداد يعني أداء الفرائض الإلهية مثل الصلاة والصيام والزكاة والحج، وكذلك مراعاة حقوق الناس. يقول الله تعالى في سورة البقرة (الآية 277): «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلَا هُمْ یَحْزَنُونَ»؛ أي: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَلَا هُمْ یَحْزَنُونَ». هذه الآية تبين صراحة أن الإيمان والعمل الصالح هما مفتاح التحرر من الخوف والحزن في يوم القيامة. لذلك، كلما كانت حياتنا أكثر توافقًا مع هذه المبادئ القرآنية، قل قلقنا. التوكل على الله يلعب أيضًا دورًا رئيسيًا في تقليل القلق. التوكل لا يعني التخلي عن الجهد، بل يعني بذل أقصى جهد ثم تسليم النتيجة إلى الله. عندما يبذل الفرد قصارى جهده ليعيش حياة صالحة ويؤدي الأعمال الصالحة، لا يبقى مجال للقلق المشلّ، لأنه يعلم أن الله أرحم الراحمين ولا يضيع أجر المحسنين. في سورة الطلاق (الآية 3) جاء: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ»؛ أي: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ». هذه الآية المريحة تذكرنا أنه بالتوكل الخالص، سيتولى الله أمورنا وينقذنا من المخاوف غير الضرورية. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن على أهمية التوبة والاستغفار. لا يوجد إنسان معصوم من الخطأ، ولكن رحمة الله واسعة وأبواب التوبة مفتوحة دائمًا. الندم على الذنوب والعودة إلى الله يمحو الذنوب الماضية ويحرر الإنسان من عبئها الثقيل. في سورة الزمر (الآية 53) نقرأ: «قُلْ یَا عِبَادِیَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ یَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»؛ أي: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». هذه الرسالة تفتح بابًا من الأمل للإنسان، وتحول القلق الناجم عن الأخطاء الماضية إلى طمأنينة التوبة والمغفرة. بالتوبة النصوح وتصحيح الأخطاء، يمكننا المضي قدمًا نحو المستقبل بقلب أكثر اطمئنانًا. باختصار، للاستعداد دون قلق، يجب أن نلتزم بأركان الإيمان والعمل الصالح. يشمل ذلك أداء الواجبات، والابتعاد عن المحرمات، والإحسان إلى الآخرين، ومراعاة حقوق الناس، والاستغفار والتوبة الدائمين. وفي الوقت نفسه، يجب أن نتوكل على رحمة الله وعدله، ونعلم أن الله عادل ورحيم. هذا التوازن بين العمل والتوكل، بين الخوف والرجاء، هو السبيل الذي لا يعدنا ليوم القيامة فحسب، بل يجلب الطمأنينة والراحة إلى حياتنا الدنيوية أيضًا. لا تقلقوا، بل اعملوا وارجوا فضله ورحمته.
يُروى أن رجلاً ورعًا كان يبقى مستيقظًا طوال الليل، خوفًا من يوم الحساب، ويبكي بمرارة من خشية العذاب. رآه الشيخ الجليل سعدي الشيرازي وسأله: «يا فتى، ما سبب هذا البكاء والنحيب كله؟» فأجاب الرجل: «أخشى أن يكون حسابي شديدًا يوم القيامة، وأن أكون بعيدًا عن رحمة الله.» ابتسم سعدي وقال: «يا أخي، أنت الذي قضيت عمرًا في الصلاح ولم تسلك إلا الطريق القويم، لماذا تخشى يوم الحساب؟ كن مطمئن القلب، فإن الرب أرحم من أن يؤذي الصالح. الخوف هو لمن سلك طريق الخطأ. بما أنك سلكت الطريق الصحيح، فبدلًا من الخوف، افرح بأعمالك الصالحة وكن واثقًا بفضل الله.» استراح الرجل لسماع هذه الكلمات وأدرك أن الاستعداد الحقيقي لا يكمن في الخوف المشلّ، بل في العمل الصالح والتوكل الصادق.