يوفر القرآن سبيلاً للتحرر من مقارنة الذات على إنستغرام من خلال التأكيد على الشكر، القناعة، وفهم طبيعة الحياة الدنيا الزائلة. إن قيمتنا الحقيقية تأتي من الله لا من المظاهر الدنيوية، والسلام الداخلي يُوجد بذكر الله.
في العصر الحالي، حيث أصبحت منصات التواصل الاجتماعي مثل إنستغرام جزءًا لا يتجزأ من حياة الكثيرين، تحولت مسألة مقارنة الذات بالآخرين إلى تحدٍ خطير. إنستغرام، بطبيعته البصرية حيث يعرض الأفراد غالبًا أفضل جوانب حياتهم وأكثرها إشراقًا، يمكن أن يغذي مشاعر النقص، الحسد، وعدم الرضا بين المستخدمين. على الرغم من أن القرآن الكريم لا يشير مباشرة إلى 'إنستغرام' أو 'وسائل التواصل الاجتماعي'، إلا أنه يقدم مبادئ وتوجيهات خالدة تساعدنا في مواجهة هذه التحديات النفسية والروحية وتحقيق السلام الداخلي. إن الإجابة القرآنية للتحرر من فخ المقارنة تكمن في فهم أعمق لمفاهيم مثل التوحيد، القناعة، الشكر، الانتباه إلى الذات الإلهية، والمنظور الآخروي. المبدأ القرآني الأول والأكثر جوهرية للتحرر من المقارنة هو إدراك أن قيمتنا وهويتنا الحقيقية تنبع من الله تعالى، وليس من تأييد الآخرين أو الممتلكات المادية. فالقرآن يذكر صراحة أن الإنسان قد خُلق 'في أحسن تقويم' (سورة التين، الآية 4). هذه الآية تدل على الكرامة المتأصلة التي منحها الله للإنسان، وهذه الكرامة لا تتوقف على الثروة أو الجمال أو النجاحات الدنيوية التي تعرض على إنستغرام. عندما يصل الإنسان إلى هذا الإيمان العميق بأن قيمته عند خالقه وليس في عيون المخلوقات، يتحرر تدريجيًا من الحاجة إلى التأييد الخارجي. إن التركيز على العلاقة مع الله، بدلاً من السعي وراء الإعجابات والمتابعين، يمنح الإنسان معنى وهدفًا حقيقيًا. المبدأ الثاني هو أهمية الشكر والقناعة. يؤكد القرآن في آيات عديدة على أهمية الشكر. في سورة إبراهيم، الآية 7، يقول الله تعالى: 'لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ'، أي: 'لئن شكرتم لأزيدنكم [من فضلي]؛ ولئن كفرتم إن عذابي لشديد'. هذه الآية تشير إلى أن الشكر ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو مفتاح لزيادة النعم والسلام الداخلي. على النقيض من ذلك، فإن المقارنة المستمرة بالآخرين والتركيز على ما ينقص المرء يعتبر نوعًا من كفران النعم. عندما نفكر ونشكر على ما نملك – من صحة، وأسرة، وأمن، وإيمان – بدلاً من التركيز على بيوت الآخرين الأكبر، أو رحلاتهم الفاخرة، أو أشكالهم الجسدية الأجمل، تمتلئ قلوبنا بالرضا والسلام. هذا النهج يساعدنا على التحرر من فخ 'تمني ما فضل الله به بعضكم على بعض' المنهي عنه في سورة النساء، الآية 32: 'وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا'. هذه الآية تعلمنا أن نرضى بقسمتنا ونطلب من فضل الله، بدلاً من أن نحدق في ما يملكه الآخرون. المبدأ الثالث هو فهم الطبيعة العابرة والخادعة للحياة الدنيا. فكثير مما يُعرض على إنستغرام هو مظهر من مظاهر الجمال والثروات والملذات الدنيوية، التي يصفها القرآن مرارًا بأنها غير دائمة وخادعة. سورة الحديد، الآية 20 تعبر عن هذه الحقيقة بشكل جميل: 'اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۗ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ'. هذه الآية تشبه الحياة الدنيا باللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر في الأموال والأولاد، والتي تزول في النهاية كالنبات الذي يخضر ثم يصفر ثم يصبح حطامًا. هذا المنظور القرآني يساعدنا على عدم أخذ بريق الدنيا، كما يُرى على إنستغرام، على محمل الجد، وندرك أن العديد من هذه العروض ليست حقيقة حياة الناس، بل هي مجرد أجزاء منتقاة وأحيانًا مصطنعة. وبالتركيز على الآخرة والمكافآت الأبدية، يتحرر الإنسان من المنافسات الدنيوية العبثية التي تزداد حدتها في وسائل التواصل الاجتماعي. أخيرًا، للتحرر العملي من هذه المقارنات، يمكننا، مستلهمين من القرآن، تغيير نهجنا في استخدام إنستغرام: 1. تحديد النية: قبل فتح إنستغرام، نحدد نيتنا لاستخدامه بشكل مفيد لا للمقارنة. 2. تقليل وقت الاستخدام: نبتعد عن الإفراط. 3. تصفية المحتوى: نلغي متابعة الحسابات التي تثير فينا الحسد أو عدم الرضا. 4. التركيز على تطوير الذات: نخصص الوقت والطاقة التي ننفقها في المقارنة للتعلم، والتطور الروحي، ومساعدة الآخرين. 5. ذكر الله: يتحقق سلام القلب بذكر الله (سورة الرعد، الآية 28)، وهذا الذكر هو أفضل ترياق للاضطرابات الناتجة عن المقارنة. بشكل عام، يرشدنا القرآن نحو فهم قيمتنا الحقيقية، وشكرنا على ما نملك، وعدم التعلق بمظاهر الدنيا الخادعة. باتباع هذه المبادئ، يمكننا تحقيق السلام الداخلي والرضا في عالم وسائل التواصل الاجتماعي المبهر، والتحرر من المقارنات غير المجدية.
يُحكى أن ملكًا عظيمًا، على الرغم من عظمته وروعته، كان في يوم من الأيام غارقًا في الحزن في خلوته، يسأل نفسه: 'لماذا لست سعيدًا بكل هذا المجد؟' في تلك اللحظة، نظر من النافذة ورأى درويشًا يرتدي ثيابًا بالية، يتكئ على حجر، يغني بمرح وبقلب سعيد. استدعى الملك الدرويش بدهشة وسأله: 'أيها الدرويش، ما الذي جعلك سعيدًا إلى هذا الحد، بينما أنا، بكل مملكتي، لا أجد سلامًا في قلبي؟' أجاب الدرويش بابتسامة دافئة: 'أيها الملك! أنا أتمتع بنعمة القناعة، ولا أطمع في مال أو منصب أحد. كل ما أملكه، أعتبره من فضل الله، وأنا راضٍ به. أما أنت فدائمًا تسعى لزيادة ممتلكاتك وتقلق من فقدان ما تملك، وهذا ما يحرمك السلام. الثروة الحقيقية تكمن في سلام القلب، لا في كثرة الممتلكات.' هذه الكلمات من الدرويش أنارت قلب الملك وذكرته بأن الفرح والرضا الداخلي يفوقان أي مقارنة أو تفاخر دنيوي.