كيف أتعلم ألا أهرب من الله؟

لنتعلم ألا نهرب من الله، يجب أن نتذكر أنه قريب دائمًا وألا نيأس أبدًا من رحمته. من خلال الصلاة، والذكر، والتوبة، والتوكل عليه، سنجد السلام والطمأنينة في قلوبنا.

إجابة القرآن

كيف أتعلم ألا أهرب من الله؟

إن الشعور بالابتعاد عن الله، أو حتى محاولة «الهروب» منه، هو تجربة إنسانية عميقة قد تنبع من الشعور بالذنب، أو اليأس، أو الغرق في هموم الدنيا، أو سوء فهم لطبيعة الله الحقيقية. ومع ذلك، يعلمنا القرآن الكريم أنه من المستحيل حقًا الهروب من الرب الرحيم، فهو أقرب إلينا من حبل الوريد، ويحيط بكل شيء بعلمه وقدرته. مفهوم «عدم الهروب من الله» يعني في الواقع إيجاد السكينة والطمأنينة في كنفه، واللجوء إليه في جميع الظروف، والحفاظ على اتصال قلبي وعملي عميق بمصدر الوجود كله. يحدد القرآن عدة سبل لتقوية هذه الرابطة وتبديد أي شعور بالهروب أو الانفصال عن الإله، موجهًا إيانا نحو السكينة واليقين في كنفه الإلهي. الخطوة الأولى وربما الأهم لمنع «الهروب» من الله هي فهم الوجود الدائم والقرب اللامحدود لله. يقول الله صراحة في القرآن: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (سورة ق، الآية 16). تذكرنا هذه الآية القوية بأن الله ليس حاضرًا دائمًا فحسب، بل هو أيضًا على دراية تامة بكل فكر ونية وهمس داخل عقولنا. لذلك، فإن الهروب الجسدي من الله لا معنى له؛ ما يجب منعه هو الهروب الروحي والعاطفي، الذي ينشأ من الجهل أو الغفلة أو الخوف غير المبرر. هذا القرب يجب أن يكون مصدر راحة وطمأنينة، وليس خوفًا أو رعبًا. عندما ندرك أنه سميع وبصير دائمًا، يراقب أفعالنا ويسمع دعواتنا، فإننا نميل أكثر إلى التواصل والدعاء إليه، بدلًا من الابتعاد. هذا الإيمان الراسخ بأن الله معنا دائمًا وعلى دراية بكل تفاصيل حياتنا، يمكن أن يزيل مشاعر الوحدة والضياع، ويجذبنا إليه. ثانيًا، يحتل مبدأ «الذكر» أو ذكر الله أهمية قصوى. الذكر ليس مجرد تلاوة كلمات معينة؛ بل يشمل حالة من اليقظة المستمرة وتذكر الله في جميع جوانب الحياة، من الروتين اليومي إلى القرارات الكبيرة. في سورة الرعد، يعلن الله: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (الرعد، الآية 28). توفر هذه الآية المفتاح الأساسي للتحرر من القلق والهم ودافع الهروب. عندما يطمئن القلب بذكر الله، فإننا لم نعد نشعر بالحاجة إلى الهروب من مشاكلنا، أو من ذنوب الماضي، أو من ذواتنا الحقيقية. الصلاة، تلاوة القرآن، الدعاء، والتسبيح، كلها أشكال عميقة من الذكر تساعدنا على البقاء متصلين دائمًا بالمدار الإلهي، مما يمنعنا من الضلال. كلما ازداد ذكرنا لله، كلما تغلغل حضوره في كياننا، وهذا الوعي الدائم يبدد مشاعر الوحدة والميل إلى الهروب. علاوة على ذلك، يقول الله: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ» (البقرة، الآية 152). هذا الوعد الإلهي دافع قوي للذكر الدائم، فذكر الله لنا يعني رحمته اللامحدودة، وهدايته العميقة، وعونه الثابت، واهتمامه الخاص بعبده، مما يسد جميع سبل الهروب بشكل فعال. تتضمن الخطوة الثالثة فهم رحمة الله الواسعة وباب «التوبة» المفتوح دائمًا. غالبًا ما تؤدي مشاعر الذنب والعار الناتجة عن الأخطاء إلى اعتقاد الأفراد بأنه لا يوجد سبيل للعودة، مما يدفعهم، بمعنى ما، إلى «الهروب» من الله، بينما في الواقع، يمكن أن يكون هذا الشعور بالذنب هو الدافع للعودة. ومع ذلك، يذكر القرآن بوضوح أن اليأس من رحمة الله هو في حد ذاته ذنب عظيم وعلامة على سوء معرفة الله. في سورة الزمر، يُكشف: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (الزمر، الآية 53). هذه الآية، وكأنها تفتح ذراعي الرحمة الإلهية على مصراعيها لجميع العباد المذنبين، مطمئنة إياهم أنه مهما كانت خطاياهم، فإن طريق العودة والمغفرة مفتوح دائمًا، بشرط أن يعودوا إليه بصدق وندم حقيقي. التوبة ليست هروبًا من الله؛ بل هي هروب نحو الله، هروب يائس ولكنه مليء بالأمل من ظلام الذنب نحو نور رحمته ومغفرته الساطع. التوبة الحقيقية تتضمن الندم العميق، والعزم الثابت على ترك الذنب في المستقبل، وإصلاح المظالم تجاه الآخرين (إن وجدت)، وأخيرًا، طلب مغفرة الله بصدق. هذه العودة لا تمحو الذنوب فحسب، بل تقوي الرابطة مع الله، وتحول شعور «الهروب» إلى شعور «العودة إلى الحضن الإلهي الآمن». الاستراتيجية الرابعة هي اللجوء إلى «الصبر» و«الصلاة» عند مواجهة تحديات الحياة وابتلاءاتها. في كثير من الأحيان، عندما يواجه الناس صعوبات، أو انتكاسات، أو ضغوط الحياة، يشعرون بالضعف والعجز، وأحيانًا يؤدي هذا الشعور إلى نوع من الانفصال عن الله، كما لو أن الله قد نساهم أو لا يأتي لمساعدتهم. لكن القرآن يقدم الحل الواضح: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ» (البقرة، الآية 153). يتضمن الصبر الثبات على طريق الحق، وتحمل المصائب بهدوء ورضا، والتحكم في رغبات النفس في مواجهة الإغراء. الصلاة هي اتصال مباشر وقوي مع الخالق، يشارك من خلالها العبد جميع همومه ويطلب منه العون. هاتان الأداتان القويتان لا تمنعاننا من الهروب وتجففان جذور الضعف والوحدة فحسب، بل تربطان قلوبنا بمصدر القوة والسكينة الذي لا ينضب. كلما شعرت بالرغبة في الهروب، التجئ إلى الصلاة، واطلب من الله بالصبر أن يثبتك على الطريق الصحيح. في الواقع، الصلاة هي عمود الدين ومعراج المؤمن؛ ملاذ تتحرر فيه الروح من القلق الدنيوي وتصل إلى السلام الإلهي. النقطة الخامسة هي فهم «أسماء الله الحسنى وصفاته». كلما ازداد تعرفنا على صفات الله مثل الرحمن (الرحمن الرحيم)، الرحيم (الرحيم الخاص)، الودود (المحب الأقصى)، الغفار (الغفور الأقصى)، الحليم (الحليم الأقصى)، الهادي (المرشد)، والرزاق (الرازق)، كلما تشكلت في أذهاننا صورة أكثر حبًا، كمالًا، وتفاؤلًا عنه. يؤدي هذا الفهم العميق إلى الانجذاب لرحمته، كرمه، وكماله بدلاً من الخوف والهروب، وتعزيز الثقة الكاملة والراسخة (التوكل) به. التوكل يعني تفويض أمورنا إليه بالكامل والثقة التامة في تدبيره وحكمته الإلهية. هذه الحالة تزيل الحاجة إلى الهروب، لأننا نعلم أننا تحت حماية قوة لا نهائية، ومعرفة بلا حدود، ولطف لا يضاهى لا يريد لنا إلا الأفضل. عندما نمارس التوكل، يرفع عن أكتافنا العبء الثقيل من الهموم والمخاوف، وندرك أنه لا أحد يمكنه أن يرشدنا أو يحمينا أفضل منه. باختصار، لتجنب الهروب من الله، يجب علينا التخلي عن المفاهيم الخاطئة عنه وأن نفهم حقًا أنه دائمًا قريب، سميع، ورحيم. يجب أن نهدئ قلوبنا بذكره، وألا نيأس أبدًا من رحمته الواسعة، وأن نعود إليه باستمرار من خلال التوبة الصادقة. في أوقات الشدة، يجب أن نطلب العون بالصبر والصلاة، وأن نعمق حبنا وثقتنا به من خلال الفهم العميق لصفاته الجميلة. هذه كلها أدوات أساسية يوفرها القرآن لإقامة رابطة لا تنفصم مع الله، ترشدنا نحو السلام الأبدي والرضا الإلهي. طريق القرب من الله هو رحلة تحويلية تتحول فيها كل خطوة شعور الهروب إلى شعور عميق بالحضور، والأمان المطلق، والرضا الكامل، مما يجعل الحياة ذات معنى وبركة حقيقية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في زمن بعيد، كان هناك تاجر غارق في أمور الدنيا، وقد جمع ثروة طائلة. خوفًا من فقدان ممتلكاته، كان يبني جدران منزله أعلى ويستأجر المزيد من الحراس. ومع ذلك، كلما زادت ثروته، زاد قلقه، وكان يحاول دائمًا الهروب من مصاعب الحياة في داخله. ذات ليلة، مر درويش مسن ورأى التاجر يسير في حديقته بوجه قلق. قال الدرويش بابتسامة لطيفة: «يا صديقي، لماذا تبني كل هذه الجدران وتهرب من ظلك؟ لن تجد السلام في جمع المال، بل في تسليم قلبك للواحد الغني بنفسه. كلما هربت من القضاء الإلهي، زادت معاناتك من المخاوف. وجه وجهك نحو الرب، فهو الملجأ الحقيقي، وستجد في قلبك سكينة لا يستطيع أي خوف أو ضرر أن يمسها.» لقد أثرت كلمات الدرويش في قلب التاجر بشدة، مما دفعه إلى التفكير. أدرك أن حياته كلها قد قضاها في الهروب من نفسه ومن الحقيقة التي مفادها أن السلام لا يمكن أن يوجد إلا في الله. ومنذ ذلك الحين، اتجه نحو الله؛ فهدأ قلبه بذكره، ولم يعد يشعر بالحاجة إلى الهروب من أي شيء.

الأسئلة ذات الصلة