يؤكد القرآن الكريم بشدة على حماية أموال الأيتام وحقوقهم ومعاملتهم بلطف، ويعتبر ذلك جزءًا لا يتجزأ من الإيمان والعدالة الاجتماعية. إهمالهم خطيئة كبرى، بينما رعايتهم تجلب مكافآت روحية عظيمة.
يتناول القرآن الكريم، بصفته كتاب الهداية الإلهية للبشرية، موضوع دعم الأيتام وحمايتهم بتفصيل كبير وبتأكيد قوي. يؤكد هذا التأكيد على الأهمية الكبيرة التي يوليها الله سبحانه وتعالى لرفاهية وأمن هذه الشريحة الضعيفة في المجتمع. من منظور القرآن، لا يحتاج الأيتام إلى الشفقة والرحمة فحسب، بل يتمتعون بحقوق يجب مراعاتها بالكامل. وأي شكل من أشكال الظلم أو الإهمال تجاههم يحمل عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. في نظر القرآن، حماية الأيتام واجب إلهي واختبار كبير للإيمان والأخلاق البشرية. أحد أهم جوانب حماية الأيتام في القرآن هو البعد المالي والاقتصادي. لقد نهى الله تعالى بشدة عن الاستيلاء الظالم على أموال الأيتام واعتبر هذا العمل خطيئة كبرى. في سورة النساء، الآية 10، يقول بلهجة تحذيرية: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا﴾. هذه الآية توضح بجلاء أن المساس بمال اليتيم يؤدي إلى عواقب نارية في الآخرة، وهو رادع قوي ضد أي سوء استخدام. يؤكد القرآن على أن الأوصياء يجب أن يحافظوا على مال اليتيم حتى بلوغه ورشده العقلي، وأن يستثمروه بأفضل طريقة ممكنة ليزداد ماله، لا أن ينقص. في سورة النساء، الآية 6، ورد: ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَىٰ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُوا ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ۚ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ حَسِيبًا﴾. توفر هذه الآية توجيهات عملية لإدارة أموال الأيتام، وتؤكد على ضرورة اختبارهم وإعادة أموالهم بعد رشد. البعد الآخر هو البعد العاطفي والاجتماعي. يأمر القرآن الكريم الأوصياء والمؤمنين بالتعامل مع الأيتام بلطف واحترام، وعدم طردهم أو إيذائهم أبدًا. تشير سورة الضحى (93)، الآيات 6 و 9، إلى أن الله نفسه وجد النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يتيماً في طفولته وآواه، ثم أمر النبي: ﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ﴾. هذا الأمر لا يشير فقط إلى رعاية الأيتام الظاهرية، بل يشير أيضاً إلى عدم ظلمهم أو إهانتهم عاطفياً. في الواقع، يوصي الإسلام ولي اليتيم بأن يعتبر اليتيم فرداً من عائلته وأن يتعامل معه مثل أبنائه. تؤكد العديد من الأحاديث أيضاً على تقبيل رأس اليتيم وملاطفته، مما يدل على أهمية البعد العاطفي في تربيتهم. يعتبر القرآن الكريم الإحسان إلى الأيتام من أهم الأعمال الصالحة، ويضعه في مصاف الإيمان بالله وإقامة الصلاة. في سورة البقرة، الآية 83، جاء: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ﴾. تبين هذه الآية أن الإحسان إلى الأيتام جزء من المواثيق الإلهية ومن أسس الإيمان والعدالة الاجتماعية. كما في سورة الماعون، الآية 2، ينتقد الذين يدفعون اليتيم بعنف ولا يحثون على إطعام المسكين، مما يدل على أهمية الاهتمام بحاجاتهم الأساسية. باختصار، أكد القرآن الكريم على حماية الأيتام في أبعاد مختلفة: المالية، والعاطفية، والاجتماعية، والقانونية. هذه الحماية ليست مجرد عمل خيري، بل هي واجب شرعي وأخلاقي يجلب السعادة الدنيوية والأخروية للفرد والمجتمع. بهذا التأكيد، أسس الإسلام مجتمعاً لا يُترك فيه أي طفل وحيداً وبدون رعاية بسبب فقدان والديه، ولا يُحرم من حقوقه الأساسية. المكافأة الأخروية العظيمة لأولياء الأيتام ووعد الصحبة مع النبي (صلى الله عليه وسلم) في الجنة، دليل آخر على المكانة الرفيعة لهذا العمل في الإسلام. يحول هذا النهج الشامل والعطوف في القرآن رعاية اليتيم من عمل فردي إلى مسؤولية مجتمعية ويجعله جزءاً لا يتجزأ من الإيمان الحقيقي.
في يوم من الأيام في مدينة قديمة، عاش رجل حكيم ورع كان معروفًا بلطفه وإحسانه. كلما رأى محتاجًا، مد يد العون. وذات يوم، كان ملك المدينة، وهو حاكم عادل ولكنه أحيانًا غافل عن آلام شعبه، يمر في زقاق فرأى امرأة عجوزًا تجلس عند باب منزل صغير بحزن عميق على وجهها. سأل الملك وزيره: "أيها الوزير، لماذا هذه السيدة العجوز حزينة هكذا؟" فأجاب الوزير: "يا سيدي، إنها الناجية الوحيدة من عائلة تيتمت قبل سنوات، وهذا البيت الصغير هو كل ما تبقى من أملاك أبنائها. إنها قلقة بشأن مستقبل أيتامها، خشية أن يتركوا بلا رعاية بعد وفاتها." تأثر الملك الذي لم يكن قد أدرك عمق معاناة الأيتام حتى ذلك الحين. في تلك اللحظة بالذات، مر حكيم المدينة من هناك. بابتسامة لطيفة، قال للملك: "أيها الملك ذو القلب الطيب، اعلم أن أفضل استثمار في الدنيا هو الاستثمار في قلوب الأطفال الأيتام وحماية حقوقهم. فدعاء اليتيم الصادق يفتح أبواب الرحمة الإلهية، ومكافأته ليست في هذا العالم فحسب، بل هي أبدية في الآخرة أيضاً." عند سماع كلمات الحكيم، لان قلب الملك. فأمر بأن يتم إنشاء صندوق خاص في المدينة لدعم الأيتام والمحتاجين من ذلك اليوم فصاعداً، وتعهد هو نفسه بالمساهمة في هذا الصندوق من أمواله الخاصة. فرح الناس فرحًا عظيمًا بهذا العمل من الملك، وامتلأت المدينة بالسلام والهدوء. تذكرنا هذه القصة بكلمة سعدي: «همه عالم تن است و ایران دل / نیست از این خوبتر گفتار از اهل دل» (العالم كله جسد، وإيران قلبه / ليس هناك قول أجمل من هذا من أهل القلوب). وأن قلوبنا يجب أن تميل نحو المحتاجين، خاصة الأيتام، لأن اللطف معهم هو لطف مع أنفسنا ويجلب رضا الخالق.