كيف ننصح دون أن نسبب الضغينة؟

الحمد لله الذي أنزل الكتاب هدى للناس، والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. فإن تقديم النصيحة للناس هو من أرقى وأسمى القيم الإنسانية التي دعا إليها الدين الإسلامي. فالنصيحة ليست مجرد كلمات تقال، بل هي فعل من أفعال التعاطف والمحبة. وفي القرآن الكريم، نجد طرقاً ومبادئ واضحة لتقديم النصيحة بطريقة تجلب الخير والمحبة، دون أن تؤدي إلى نتائج عكسية كالحسد أو الضغينة. أولاً، ينبغي علينا أن نستحضر الآيات القرآنية التي تؤكد على هذا المعنى. نجد في سورة النحل، الآية 125، قوله تعالى: "وَادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ". ففي هذه الآية، يوجه الله سبحانه وتعالى الدعوة إلى الدين بطريقة تتسم بالحكمة، مما يعني أن العاطفة بحاجة إلى أن تقترن بمعرفة. فالنصيحة الحكيمة تُقدَّم بتفكر وتمعن، بحيث يستشعر الشخص المُستقبل لها أنه لا يُنقض ولا يُحكم عليه بل هو مُعَزَز ومُشَجَّع. ويمكن القول إن تقديم النصيحة ينبغي أن يكون مصحوبًا بلغة لطيفة وصديقة. فإذا نظرنا إلى الأشخاص الذين نجحوا في تقديم النصيحة، نجد أنهم استخدموا كلمات لطيفة، ونبرة هادئة، مما ساعد على الحد من التوتر والخوف. فوراء كل نصيحة هناك نية صادقة ورغبة في إفادة الآخرين، لذا ينبغي أن تكون حافزًا لا سببًا للغضب أو التجريح. علاوة على ذلك، نجد نصيحة لقمان لابنه في سورة لقمان، الآية 17، حيث يقول: "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ". هذه الآية تعكس أهمية تقديم النصيحة بشكل إيجابي وبأسلوب يهدف إلى تعزيز الخير. إن عبارة "أقم الصلاة" تحمل في طياتها دعوة للعبادة والإلتزام الديني، في حين تشير كلمة "وامر بالمعروف" إلى أهمية التصديق بالتعاليم والأخلاق الحسنة. كل هذه القيم يجب أن تُزرع في نفوس الآخرين بطريقة تتناسب مع فهمهم ومداركهم. يعتبر اعتماد اللغة الإيجابية في تقديم النصيحة من الأمور الأساسية. الخطيب أو المُستشار الذي يريد توصيل رسالته يجب أن يتجنب كلمات التشكيك أو الانتقاد المباشر. بل عليه أن يقدم النصيحة بشكل يعكس حبه ومراعاته لمشاعر الآخرين. ومن الأمور المهمة أيضًا أن يتم تقديم النصيحة في الوقت المناسب. فالتوقيت له تأثير كبير على كيفية استقبالها، إذ إن النصيحة قد تؤثر بشكل إيجابي إذا كانت في الوقت المناسب وبالأسلوب الصحيح. إضافة إلى ذلك، يفهم الكثيرون أن النصيحة تتطلب تهيئة الأجواء المناسبة لتقبلها. التقدير والثقة هما مفاتيح لتقديم فكرة النصيحة، بمعنى أنه إذا كان هناك علاقة طيبة وحب بين المستشار والمستشير، فسيكون من الأسهل على المتلقي تقبل النصيحة. وينبغي أيضًا أن يكون المستشار مثالًا حيًا للفضائل التي ينصح بها. فالتطبيق الحي للسلوك الأخلاقي يضفي على النصيحة مصداقية وقوة. أيضًا، تجدر الإشارة إلى أن تقديم النصيحة هو عملية تفاعلية. إذ يتعين على المُستشار أن يستمع جيدًا، وإذا دعت الحاجة، يُجري مناقشة تُساعد في تقديم النصيحة بشكل يتسم بالتعاون والفهم المتبادل. وعليه أن يشعر بتقدير لمشاعر ورأي الشخص المُستقبل للنصيحة. الأمر الآخر الذي يتعين مراعاته هو طبيعة الشخص الذي يتلقى النصيحة. فالأفراد يختلفون في تقبلهم للنصائح، فهناك من يقبلها هناك من يرفضها. لذا ينبغي أن يكون المُستشار مُلمًا بكيفية التعامل مع الشخص المُستقبل، وأن يتمتع بحساسية خاصة تسمح له بفهم حالته النفسية ومدى استعداده لتقبل النصيحة. بناءً على ما تم ذكره، يُمكن القول إن تقديم النصيحة من الأمور الضرورية في بناء المجتمعات الصحية والمتماسكة. فهي تُعبر عن الإيثار والرغبة في تحسين العلاقات الشخصية والاجتماعية. يجب أن تُؤخذ النصيحة بعين الاعتبار كوسيلة للتواصل والتفاعل الإيجابي بين الأفراد. أهدافنا ينبغي أن تتجه نحو بناء الثقة وتقريب القلوب، انطلاقًا من محبة الله ورسوله. فلنتذكر دائمًا أن النصيحة يجب أن تأتي من محبة صادقة وفهم عميق من المُستشار، حتى لا يشعر المستشار بنفور أو استياء، بل يشعر بالعطوفة والدعم. وفي ختام حديثنا، نسأل الله أن يجعلنا ممن يأخذون بأسباب الخيرات، ويدعون إلى الفضيلة ما استطعنا، وأن يوفقنا في نشر القيم الإيجابية في حياتنا اليومية، إنه سميع مجيب.