لمواجهة وسوسة السلطة، يجب علينا التركيز على تقوى الله والانخراط في خدمة الآخرين.
وسوسة السلطة هي أحد التحديات الكبيرة التي تواجه الإنسان في حياته اليومية. تعتبر السلطة من أعظم المغريات التي قد تؤدي إلى الانحراف عن الطريق الصحيح، وهي وسيلة للعديد من الأشخاص لتحقيق طموحاتهم الشخصية أو الاجتماعية، مما يؤدي إلى أن يتجاهل الكثيرون المبادئ القيمية والأخلاقية في سبيل الوصول إلى هذه السلطة. إن هذه الوسوسة ليست جديدة، بل إنها موجودة منذ خلق الإنسان الأول، وقد تم تحذير الناس منها عبر العصور المختلفة. في القرآن الكريم، يحذر الله تعالى الإنسان مراراً وتكراراً من الانغماس في شهوات الدنيا وأطماعها. في سورة آل عمران، الآية 14، يأمرنا الله بالانتباه إلى "زُيِّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة..."، حيث تشير هذه الآية بشكل واضح إلى أن الشهوات وحب الدنيا يمكن أن تجر الإنسان إلى الفتنة. هنا يمكن طرح سؤال مهم: كيف يمكن للإنسان أن يواجه هذه الوسوسة ويتجنب الانحراف نحو الفساد؟ الجواب يكمن في التركيز على التقوى والورع والسعي المستمر للحصول على رضى الله. في سورة البقرة، الآية 177، يوضح الله لنا أن "ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرك والمغارب ولكن البر من آمن بالله..."، تؤكد هذه الآية على أن الفعل الخيري والإنسانية يتجاوز الشكل الخارجي، بل يتعلق بالمقاصد والنيات الباطنية. دور العبادة والتقوى في مواجهة وسوسة السلطة العبادة الحقيقية في الإسلام تبدأ بأمر واجب على كل مسلم وهو العمل على تقوية العلاقة بين العبد وربه. فالإيمان الحقيقي ليس مجرد شعائر فقط، بل هو يقين وثقة أن الله يراقب أفعالنا ونياتنا. وعندما يشعر الإنسان بهذه القرب، فإنه يصبح أقل عرضة للوقوع في فخاخ السلطة وألعابها. إن الأشخاص الذين يسعون دائماً لنيل رضا الله يجدون أنفسهم محصنين ضد تأثيرات الدنيا ولذائذها. كما أن ذكر الله وحضور القلب في العبادات يعتبر من أقوى وسائل الحماية. فكلما كان الفرد في ذكرٍ وتفكرٍ في آيات الله ورحمته، كان أكثر قدرة على مقاومة وسوسة السلطة والفخاخ المنصوبة له. إن الصلاة، الصيام، والصدقة كلها أعمال تذكرنا بأهمية الالتزام بالقيم والمبادئ الروحية بدلاً من الانجراف وراء الأطماع البشرية. تنمية الروح الخدمية إحدى الطرق الأكثر فعالية لمقاومة وسوسة السلطة هي الدعوة إلى تنمية روح الخدمة للآخرين. حيث أن خدمة المجتمع والناس تأخذ الإنسان بعيدًا عن الأنانية والبحث عن السلطة. قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "خير الناس أنفعهم للناس"، وهي دعوة واضحة للتوجه نحو العمل من أجل خير الآخرين وتقديم المساعدة لهم. إن اتجاه الإنسان لمساعدة الآخرين يقوي لديه شعور الألفة والمودة ويدفعه إلى العطاء والكرم. فعندما يبحث الشخص عن منهج أكثر إنسانية، فإنه عمومًا يقوم بتقدير القيم التي تقدم النفع للمجتمع، وبالتالي يتجاوز التفكير في المكاسب الشخصية. في النهاية، إن وسوسة السلطة تحدٍ يحتاج إلى قوة إرادة وعزيمة قوية من الفرد. بإيمان راسخ، ورغبة حقيقية في تقديم الخير للناس، يصبح من الممكن تجاوز تلك الشهوات الدنيوية. وعندما نركز على العطاء ورؤية ما هو أبعد من أنفسنا، نجد أن السلطة ليست الهدف الذي نسعى إليه، بل يكون السلام الداخلي والرضا هو الغاية الأساسية. لذا، ينبغي علينا أن نتذكر دائمًا أن الحياة ليست مجرد صراعات للسيطرة أو الحصول على النفوذ، بل هي رحلة للتحقق من الذات وتحقيق الأهداف النبيلة من أجل خدمة الإنسانية ومواجهة كافة أنواع العدوان التي قد تواجهنا. إن الالتزام بالقيم الأخلاقية والدينية، ومساعدة الآخرين، سيكونان هما الأسيجة القوية أمام وسوسة السلطة التي تسعى لتفكيك روح الإنسان وإبعاده عن سبل الفلاح والنجاح.
في أحد أيام الصيف الحارة، كان رجل يُدعى علي يمر عبر ساحة المدينة. فجأة، رأى مديرًا ناجحًا يتحدث عن السلطة والنفوذ. فكر علي في كيفية وصوله إلى هذا المنصب. لكن أثناء تفكيره المستمر، تذكر آيات القرآن وقال لنفسه: 'هل أريد أن أحقق هذه القوة، أم أرغب في خدمة الناس؟' منذ ذلك اليوم، قرر أن يركز على مساعدة الآخرين بدلاً من السعي وراء السلطة والسير في طريق رضا الله.