كيف نتعايش مع الفقر والنواقص؟

للتعامل مع الفقر والنواقص، يؤكد القرآن على الصبر، التوكل على الله، الشكر على النعم الموجودة، والسعي لتحسين الظروف، معتبراً الفقر اختباراً إلهياً وداعياً إلى التكافل الاجتماعي.

إجابة القرآن

كيف نتعايش مع الفقر والنواقص؟

الحياة الدنيا مليئة بالصعود والهبوط، وكل إنسان في مسار حياته قد يواجه تحديات، صعوبات، ونواقص، ومنها الفقر والضيق المالي. هذه الحالة، بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الاجتماعي، هي تجربة إنسانية مشتركة يمكن أن تضع الروح والنفس تحت ضغط كبير. ومع ذلك، يقدم الإسلام، وتحديداً تعاليم القرآن الكريم، حلولاً عميقة وشاملة لمواجهة هذه الظواهر. لا تساعد هذه الحلول على تحمل الظروف فحسب، بل تحولها إلى فرص للنمو الروحي والتقرب الإلهي. ينظر القرآن إلى الفقر ليس كنهاية المطاف، بل كاختبار يمكن أن يؤدي إلى سمو الإنسان وارتقائه. الركن الأول والأهم في مواجهة الفقر والنواقص من منظور القرآن هو «الصبر». والصبر في الرؤية القرآنية لا يعني مجرد التحمل السلبي؛ بل يشمل الثبات، والمثابرة، والتحلي بضبط النفس من الجزع واليأس، والتوكل على الله في مواجهة المصائب. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 153: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ». هذه الآية توضح بجلاء أن الصبر والصلاة هما ركنان أساسيان لمواجهة الشدائد. فالصبر يمنح الإنسان القوة للوقوف بثبات أمام عواصف الحياة، وألا يفقد أمله، وأن يبحث بهدوء عن الحلول. والصبر يعني التسليم التام للقضاء الإلهي بعد بذل الجهود اللازمة، وهذا التسليم ليس ضعفاً، بل هو قمة القوة الروحية. الصبر يبعد الإنسان عن اليأس ويجعله يؤمن بأنه بعد كل عسر يسر، كما ورد مرتين في سورة الشرح الآيتين 5 و 6: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ﴿٦﴾». هذا التكرار هو تأكيد على الوعد الإلهي وطمأنة للقلوب القلقة، مشدداً على أن اليسر ملازم للعسر لا محالة. ثاني الحلول المهمة هو «التوكل على الله». التوكل يعني أن الإنسان بعد أن يبذل قصارى جهده وطاقته، يسلم نتيجة عمله لله تعالى، ويكون على يقين بأن الله هو الرزاق الحقيقي. هذا الاعتقاد يرفع حملاً ثقيلاً عن كاهل الإنسان ويحرره من القلق والهموم الزائدة. في سورة الطلاق، الآيتين 2 و 3 نقرأ: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴿٢﴾ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴿٣﴾». هذه الآيات تبشر بأن التقوى والتوكل هما مفتاحا فتح أبواب الرزق والخروج من المشاكل. التوكل لا يعني الخمول والقعود، بل هو العمل والاجتهاد مصحوباً باليقين القلبي بتدبير الله تعالى. المؤمن يعلم أن رزقه بيد الله، وجهده هو مجرد وسيلة للوصول إليه. «الشكر» هو مفهوم رئيسي آخر يؤكد عليه القرآن لمواجهة النواقص. قد يبدو الشكر في زمن الفقر غريباً للوهلة الأولى، لكن الشكر لا يعني فقط الشكر على الوفرة، بل يعني تقدير النعم الموجودة، وإن كانت قليلة، وكذلك الشكر على الصحة، والإيمان، والعائلة، وغيرها من الممتلكات غير المادية. الشكر يغير نظرة الإنسان؛ فبدلاً من التركيز على ما يفتقده، يوجهه إلى ما يملكه، ويعزز فيه الشعور بالغنى والرضا. يقول الله تعالى في سورة إبراهيم، الآية 7: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدٌ». هذه الآية وعد إلهي صريح بأن الشكر يؤدي إلى زيادة النعم والبركة في الحياة، حتى لو لم تكن تلك النعمة مادية. الشكر يفتح أبواب الرحمة الإلهية ويساعد الإنسان على رؤية بصيص الأمل ونقاط القوة حتى في أسوأ الظروف. كذلك، تلعب «القناعة» والرضا بما هو موجود دوراً كبيراً في راحة البال النفسية للأفراد ذوي الدخل المحدود. القناعة لا تعني التوقف عن السعي لطلب المزيد من الرزق، بل تعني الرضا بالرزق الحلال والبعد عن الطمع والجشع غير المبرر، وعدم مقارنة النفس بالآخرين. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «القناعة كنز لا يفنى». فالقناعة تحرر الإنسان من الهموم المادية وتسمح له بالتركيز على القيم الروحية والأخروية. ويعتبر القرآن الكريم الفقر والنواقص «اختباراً إلهياً». في سورة البقرة، الآية 155 نقرأ: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ». هذه الآية تشير إلى أن الفقر، والمرض، والخوف، وغيرها هي كلها وسائل لاختبار إيمان الإنسان وثباته. إن فهم هذه الحقيقة بأن المشاكل جزء من سنة الله في تربية البشر، يساعد الفرد على مواجهتها بنظرة أكثر إيجابية، ويسعى بدلاً من الشكوى، لكسب رضا الله تعالى. بالإضافة إلى ذلك، فإن «الجهد والسعي» لتحسين الوضع المعيشي لم يُهمل أبداً في الإسلام. يأمر القرآن المسلمين بالسعي لكسب الرزق الحلال. في سورة الملك، الآية 15 جاء: «هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ ۖ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ». هذه الآية تؤكد أن الرزق الإلهي يتحقق من خلال الجهد والحركة. لذلك، على المؤمن أن يسعى بنشاط لتحسين ظروفه الاقتصادية ويجتنب البطالة والكسل، مع التوكل على الله. أخيراً، يمثل «التركيز على الآخرة وزوال الدنيا» منظوراً قوياً جداً للتعامل مع المصاعب المادية. يؤكد القرآن مراراً أن الحياة الدنيا فانية وغير مستقرة، وأن الجزاء الحقيقي يكمن في الدار الآخرة. قد لا يكون فقر الدنيا شيئاً يذكر أمام غنى الآخرة، بل قد يكون سبباً لزيادة الأجور الأخروية. في سورة الكهف، الآية 46 يقول: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا». هذه النظرة تساعد الإنسان على ألا يصاب باليأس والقنوط أمام النواقص المادية، وأن يوسع أفق رؤيته، بحيث يرى المشاكل الدنيوية صغيرة ومحتملة مقارنة بالخلود. علاوة على ذلك، فإن «طلب المساعدة من المجتمع والمحسنين» جزء لا يتجزأ من التعاليم الإسلامية. الإسلام ليس ديناً فردياً، بل يؤكد بشدة على المسؤوليات الاجتماعية والتكافل. فإزالة الفقر ومساعدة المحتاجين هي من الواجبات الأساسية للمسلمين الأغنياء، وقد وردت آيات كثيرة عن الزكاة والصدقات والإنفاق. يمكن للفقير، مع الحفاظ على كرامته الإنسانية، أن يستفيد من هذه المساعدات. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 273: «لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا». هذه الآية ترسم صورة للفقير الشريف وتشجع المسلمين على التعرف على هؤلاء الأشخاص ومساعدتهم. في الختام، التعايش مع الفقر والنواقص من منظور القرآن هو نهج متعدد الأوجه يشمل الصبر، والتوكل، والشكر، والقناعة، والجهد، وفهم فلسفة الاختبار الإلهي، والتركيز على الآخرة، والاستفادة من الدعم الاجتماعي. هذه التعاليم تساعد الإنسان على تجاوز هذه الأوقات الصعبة بهدوء وكرامة وأمل، بل وتحويلها إلى سلم للوصول إلى الكمال الروحي. هذا المنظور الشامل لا يساعد الإنسان على التخلص من الصعوبات فحسب، بل يمكنه من مواجهة كل ما يحدث في حياته بقلب مطمئن وإيمان راسخ.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن ملكاً قديراً كان ذات يوم يجلس وسط ثروته وبهاء مملكته، ولكنه كان يشعر بقلق عميق. وفي تلك الأثناء، مر درويش يرتدي خِرقة بالية ويحمل وعاءً بسيطاً، يسبح بحمد الله ومليئاً بالسكينة. الملك، وهو يراقب هدوء الدرويش، سأله: «ألا تقلق من أين ستأتي وجبتك التالية أو أين ستنام الليلة؟» ابتسم الدرويش وأجاب: «يا أيها الملك، أنا لا أقلق، فرزّاقي هو الله، وهو يطعم حتى طيور السماء. فكيف ينسى عبداً توكل عليه؟ أما أنت أيها الملك، فمع كل ثروتك، تقلق بشأن الغد وما بعده! لقد منحني فقري سلاماً حرمتك إياه مملكتك». أدرك الملك، متأثراً بحكمة الدرويش، أن الغنى الحقيقي لا يكمن في الممتلكات بل في القناعة والتوكل على الله.

الأسئلة ذات الصلة