كيف نتخلص من الاعتمادات غير الصحية؟

لم يتطرق القرآن الكريم بشكل مباشر إلى موضوع الاعتمادات غير الصحية، لكنه حثّ على مفاهيم كثيرة يمكن أن تساعد الأفراد في التغلب على هذه الاعتمادات. كما نعلم جميعاً، إن الاعتماد على الأشخاص أو الأشياء بطريقة غير صحية يمكن أن يكون له تأثيرات سلبية على حياتنا. ومن هنا، يمكننا استنتاج أن الاعتماد على الله واكتشاف الذات هما من المفاهيم الجوهرية التي تشجعنا على تحقيق توازن نفسي وروحي. يعد الإيمان بالله ومراقبته أساسيًا في بناء علاقة صحيحة مع الذات والآخرين، مما يزيد من مستوى الوعي الذاتي ويساعدنا في كسر حلقة الاعتمادات غير الصحية. في سورة آل عمران، الآية 159، يقول الله تعالى: 'فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك.' هذه الآية تعكس مفهوم أهمية اللطف والصبر في التعامل مع الآخرين، وتشير إلى ضرورة تحليل سلوكياتنا وعواطفنا قبل أن نوجهها نحو الآخرين. يجب أن نكون لطيفين مع أنفسنا أولاً، وأن نعمل على تقوية الصلة بالله، حيث أن هذه العلاقة تعزز الثقة بالنفس والدعم الروحي. علاوة على ذلك، في سورة الأنفال، الآية 23، نجد: 'لكن الله يهديكم إلى الخير.' هذا تأكيد على أن عملية التواصل مع الله والدعاء والتوكل عليه توفر لنا الوسائل اللازمة للتغلب على صعوبات الحياة. عندما نشعر بالضغط أو نعاني من الاعتماد المفرط على علاقات اجتماعية أو عاطفية، فإن الرجوع إلى الله وإعادة تقييم مشاعرنا يمكن أن يساعدانا على فهم قيمتنا واستقلاليتنا. من خلال اللجوء إلى الإيمان، يمكننا أن نتجاوز مشاعر القلق وندرك أن الاعتماد على الله هو الطريق الصحيح لتحقيق السلام الداخلي. في الحياة اليومية، يمكننا استخدام هذه الحكم للتخفيف من اعتماداتنا غير الصحية. على سبيل المثال، إذا شعرنا أننا نعتمد بشدة على أصدقائنا أو أحبائنا لتحقيق سعادتنا، يمكن أن نقوم بتقييم أسباب ذلك. هل نحن في حاجة إلى دعمهم لعلاج جروحنا النفسية؟ أم أن الاعتماد عليهم يأتي من ضعف داخلي؟ من خلال طرح هذه الأسئلة، نبدأ في فهم كيف أن الاعتمادات غير الصحية تؤثر على تجربتنا الحياتية. بحمد الله، لدينا القدرة على الاعتماد على الله أولاً، مما يتيح لنا مراعاة احتياجاتنا الخاصة والتحكم في مشاعرنا. إذا تمكنا من إعطاء الأولوية للاعتماد على الله، فإننا سنكون أقل عرضة للاعتماد على الآخرين لتحقيق السعادة أو الرضا. الإيمان بالله يفتح لنا أعيننا ويجعلنا ندرك قيمة الاختيارات التي نقوم بها. عندما نرجع إلى الله في أوقات ضعفنا، نجد القوة والقدرة على التغلب على التحديات. ومن المعروف أيضًا أن الاكتفاء الذاتي هو أحد الجوانب الأساسية للصحة النفسية. عندما نصبح مستقلين عاطفيًا، نستطيع التعامل مع الضغوطات والتحديات بطرق أكثر فاعلية. لذا، فإن التعلم عن الاعتماد على الذات مهم أيضاً. إن اعتمادنا على الله لا يتناقض مع الالتزام بالأسرة والأصدقاء، بل يعزز ذلك. فعندما نستمد قوتنا من علاقتنا بالله، نصبح قادرين على تقديم الدعم للآخرين بدون تحميلهم عبء نحتاجه لتحقيق سعادتنا. وبذلك، نخرج من دائرة الاعتماد المفرط، وندخل في شراكات صحية متوازنة. كما يمكننا أن نستمد الإلهام من قصص الأنبياء في القرآن الكريم الذين واجهوا العديد من التحديات ولكنهم اعتمدوا دائماً على الله في كل شيء. مثلاً، قصة يوسف عليه السلام تشير إلى الصبر والإيمان في مواجهة الخيانة والابتلاءات. هذا النوع من الاعتماد على الله يعزز الثقة بالنفس ويساعد على تخفيف الضغط الناتج عن الاعتماد على الآخرين. يمكننا أيضاً أن نتعلم من قوله تعالى: 'إن مع العسر يسراً' (الشرح: 6) وكيف أن الفترات الصعبة هي جزء طبيعي من الحياة، لكنها ليست دائمة. يذكرنا ذلك أننا يمكننا تجاوز التحديات عن طريق الثقة بالله والاعتماد عليه. نفس الشيء يسري على الاعتمادات غير الصحية، إذ علينا أن ندرك أن الاعتماد على الله يوفر لنا الأمل والدعم الذي نحتاجه لمواجهة أي معضلة. في الختام، يجب أن نتذكر دائماً أن الله موجود لدعمنا. من خلال اتخاذ خطوات واعية نحو الاعتماد على الله واكتشاف الذات، يمكننا التغلب على أي اعتمادات غير صحية. ولنجعل من إيماننا بالله حجر الزاوية في بناء حياتنا، حيث يمكن أن يقودنا ذلك إلى حياة أكثر استقراراً وسعادة.