للحفاظ على الإيمان برحمة الله في الشدائد، لا تيأس أبدًا من رحمته واستعن بالصبر والصلاة. اعلم أن مع العسر يسرًا، وتوكل على الله.
إن الإيمان برحمة الله في لحظات الحياة الصعبة ليس مجرد تحدٍ، بل هو فرصة عميقة لتقوية رباطنا بالخالق الأوحد. في غمرة أمواج الحياة المتلاطمة، قد تلقي المصائب والصعوبات بظلالها الثقيلة على وجود الإنسان، فتملؤه باليأس والضعف. في مثل هذه اللحظات، يأتي القرآن الكريم، كدليل شامل ونور هادٍ، ليرشدنا نحو الأمل والثقة المطلقة في رحمة الله الواسعة. فتعاليم القرآن توضح بجلاء أن كل صعوبة تحمل في طياتها بذرة اليُسر، وكل امتحان يخبئ في قلبه حكمة عميقة. هذا الفهم العميق يرسخ أسس الإيمان بالرحمة الإلهية في قلب المؤمن، ويمكّنه من رؤية أنوار الأمل والانفراج من وراء غيوم اليأس القاتمة. يُعلّمُنا القرآن الكريم صراحةً أنه لا ينبغي لنا أبدًا أن نيأس من رحمة الله. ففي سورة الزمر، الآية 53، يقول الله سبحانه وتعالى بلهجةٍ مليئةٍ بالحب والرحمة: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ»؛ قل: «يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم (بالذنوب)، لا تيأسوا من رحمة الله، إن الله يغفر الذنوب جميعًا، إنه هو الغفور الرحيم». تُصوّر هذه الآية الكريمة قمة كرم الله ورحمته، وتؤكد للإنسان أنه مهما بلغ به الذنب أو ضاقت عليه المشاكل، فإن باب رحمة الله مفتوحٌ دائمًا. هذا الأمر الإلهي لا يقتصر على مغفرة الذنوب فحسب، بل ينطبق أيضًا على أي يأس قد يصيب الإنسان في مواجهة صعوبات الحياة وتحدياتها. فمعرفة أن الله هو «الغفور» و«الرحيم» تمنحنا الجرأة لرفع أيدينا إليه حتى في أشد لحظات اليأس والعجز، وأن نأمل في فرجه. إحدى أهم الاستراتيجيات للحفاظ على الإيمان برحمة الله في الأوقات الصعبة هي اللجوء إلى الصبر والصلاة. في سورة البقرة، الآية 153، يقول الله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ»؛ يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة، إن الله مع الصابرين. الصبر هنا لا يعني الاستسلام السلبي للمشاكل، بل هو ثبات فعال، وحفظ للسلام الداخلي، واستقامة على طريق الحق، حتى في مواجهة أصعب التحديات. الصبر أداة تساعدنا على تقبل الحكمة الإلهية وراء البلايا، وأن نعلم أن الله يعلم بحالنا وأن كل ما يحدث هو جزء من تدبيره العظيم. أما الصلاة، فهي اتصال مباشر وغير وسيط مع الله؛ لحظات يستطيع العبد فيها أن يشارك خالقه كل مخاوفه، وأحزانه، وآماله، ويطلب منه العون والطمأنينة. هذا الاتصال يولد قلبًا مليئًا باليقين بأن هناك ملجأ آمنًا في كل الظروف. علاوة على ذلك، يطمئننا القرآن بأن كل عسرٍ يأتي معه يسر. في سورة الشرح، الآيتان 5 و 6، يكرر الله هذه الحقيقة مرتين ليؤكد على أهميتها: «فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا»؛ فإن مع العسر يسرًا. إن مع العسر يسرًا. هذا التكرار ليس مجرد مواساة، بل هو وعد إلهي لا يتخلف أبدًا. هذا يعني أن الصعوبات مؤقتة بطبيعتها وهي جزء من عملية الوصول إلى اليسر والفرج. فهم هذا المبدأ القرآني يغير نظرتنا للمشاكل؛ فبدلاً من رؤيتها كعقبة، نراها جسرًا للعبور إلى مرحلة جديدة من الحياة والنمو الروحي. هذا الوعد يسكب الطمأنينة في قلب الإنسان ويمكنه من رؤية شعاع الأمل حتى في أحلك اللحظات. التوكل على الله هو ركن آخر للحفاظ على الإيمان بالرحمة الإلهية. في سورة الطلاق، الآية 3، نقرأ: «وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا»؛ ومن يتوكل على الله فهو حسبه، إن الله بالغ أمره، قد جعل الله لكل شيء قدرًا. التوكل يعني تفويض الأمور كلها إلى الله بعد بذل الجهد والسعي، واليقين بأن الله هو أفضل المدبرين. هذا الشعور بالثقة يرفع ثقل الهموم والقلق عن كاهل الإنسان ويضعه في كنف القدرة الإلهية اللامتناهية. عندما يتوكل الإنسان على الله بكل كيانه، يشعر وكأنه محاط برحمته اللامتناهية، ويعلم أن الله لن يتركه وحيدًا. في الختام، إن الإيمان برحمة الله في الأوقات الصعبة يتطلب تذكيرًا دائمًا بهذه الحقائق القرآنية، وثباتًا في العبادات، وسعيًا لفهم الحكمة الإلهية وراء كل حدث. هذا الإيمان لا يخفف أعباء الصعوبات فحسب، بل يحول كل تحدٍ إلى سلم للصعود إلى درجات أعلى من القرب الإلهي.
يُروى أن ملكًا كان في صحراء قاحلة، يكاد يهلك من شدة العطش، ولم يجد ماءً قط. وقد تملكه اليأس. في تلك اللحظة، وصل درويش، وعندما رأى حالة الملك، قال بحرارة: «أيها الملك! في هذه الشدائد، لا شيء يريح القلوب سوى ذكر الله، ورحمته لا حدود لها.» قال الملك بصوت متقطع: «ماء، ماء!» ابتسم الدرويش وقال: «الرب الذي أوصلك إلى هنا، ليس عاجزًا عن توفير حتى جرعة ماء، بشرط أن تسلم قلبك إليه ولا تيأس من رحمته.» تأثر الملك بكلام الدرويش وتوكل على الله بكل جوارحه. وما كاد الدرويش يتكلم، حتى فجّر نبع ماء من تحت قدمي الملك بشكل معجزي، وأنقذه من الهلاك. منذ ذلك الحين، لم ييأس الملك أبدًا من الرحمة الإلهية في الصعوبات، وعلم أن «في اليأس يكمن الكثير من الأمل، ونهاية الليل الأسود هي بزوغ الفجر المشرق.»