الحفاظ على روح إيجابية بجانب التفكير الديني ممكن تماماً من خلال مفاهيم مثل التوكل على الله، الصبر، الشكر، وتجنب اليأس. هذه المبادئ القرآنية تساعد الفرد على النظر إلى الحياة بأمل وسلام داخلي، متجذر في الإيمان.
إن الحفاظ على روح إيجابية إلى جانب التفكير الديني ليس ممكنًا فحسب، بل إن هذين الأمرين مترابطان بعمق وبشكل لا ينفصم في تعاليم الإسلام والقرآن. فدين الإسلام، خلافًا لبعض التصورات الخاطئة، مبني على مبادئ الأمل والتوكل والصبر والشكر والنظرة البناءة للحياة. آيات القرآن الكريم وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) مليئة بالتوجيهات التي تساعد المؤمن على مواجهة التحديات والصعوبات بروح قوية وهادئة ومليئة بالأمل. إن التفكير الديني الحقيقي يقود الفرد نحو التفاؤل والقناعة وقبول الحكمة الإلهية، ويحرره من اليأس والخوف والقلق غير الضروري. أحد أهم المفاهيم القرآنية التي تساعد على الحفاظ على روح إيجابية هو 'التوكل' على الله. التوكل يعني الثقة الكاملة في تدبير الله وإرادته. عندما يؤمن الإنسان بأن الله حكيم وعليم ورحيم، وأن لا شيء يحدث إلا بإذنه، يطمئن قلبه. ففي سورة الطلاق، الآية 3، نقرأ: 'وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا'؛ أي: 'ومن يتوكل على الله فهو كافيه؛ إن الله بالغ أمره؛ قد جعل الله لكل شيء قدراً.' هذه الآية تمنح المؤمن الطمأنينة بأن الله سيكفيه إذا أوكل أمره إليه، وهذا الاعتقاد يزيل القلق الناجم عن المستقبل المجهول ويستبدله بالسكينة والاطمئنان. هذا التوكل لا يعني التخلي عن الجهد، بل يعني بذل الجهد ثم تسليم النتائج لله، مما يؤدي بحد ذاته إلى تقليل التوتر وزيادة المرونة. المفهوم الآخر هو 'الصبر'. الصبر في القرآن ليس مجرد تحمل المصاعب، بل يشمل أيضاً الثبات على الحق، والمواظبة على العبادة، وضبط النفس أمام المعاصي. في سورة البقرة، الآية 153، جاء: 'يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ'؛ أي: 'يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة؛ إن الله مع الصابرين.' هذه الآية تبين أن الصبر والصلاة هما ركيزتان أساسيتان لمواجهة المشاكل والحفاظ على السلام الداخلي. الصلاة هي اتصال مباشر بالخالق ومصدر للطاقة الروحية، والصبر هو القدرة على مقاومة الضغوط دون فقدان الأمل والهدوء. عندما يعلم الإنسان أن الله مع الصابرين، فإنه لا يشعر بالوحدة حتى في أصعب الظروف ويتطلع إلى الأجر الأخروي على صبره. 'الشكر' هو مفتاح آخر للروح الإيجابية. يؤكد القرآن مراراً على أهمية شكر نعم الله. في سورة إبراهيم، الآية 7، جاء: 'لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ'؛ أي: 'لئن شكرتم لأزيدنكم؛ ولئن كفرتم إن عذابي لشديد.' الشكر لا يؤدي فقط إلى زيادة النعم، بل يغير عقلية الفرد من التركيز على النواقص وما يفتقده إلى تقدير ما لديه والوفرة من حوله. هذا التغيير في المنظور يعزز فوراً الشعور بالرضا والتفاؤل لدى الفرد. عندما يركز الفرد على الفرص والبركات من حوله بدلاً من المشاكل، تصبح روحه أكثر إيجابية بشكل طبيعي. هذا التمرين الذهني يساعده على رؤية الجمال والألطاف الإلهية في الحياة اليومية. كما ينهى القرآن الكريم بشدة عن 'اليأس'. اليأس يعتبر من الكبائر وعلامة على عدم المعرفة الصحيحة بالرب. في سورة الزمر، الآية 53، جاء: 'قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ'؛ أي: 'قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله؛ إن الله يغفر الذنوب جميعا؛ إنه هو الغفور الرحيم.' هذه الآية تحمل رسالة قوية من الأمل والرحمة الإلهية اللامتناهية. حتى في قمة الخطايا والأخطاء، باب التوبة والعودة إلى الله مفتوح. هذا الموقف لا يقتصر على الذنوب، بل يصدق أيضاً على الفشل والنكسات الدنيوية. فالمؤمن يعلم أنه لا توجد نهاية مطلقة وأن هناك دائماً طريقة للتعويض والعودة، وهذا الأمل هو وقود روحه الإيجابية. بالإضافة إلى ذلك، فإن 'الذكر' وذكر الله يطمئن القلوب. في سورة الرعد، الآية 28، نقرأ: 'أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ'؛ أي: 'ألا بذكر الله تطمئن القلوب.' الذكر ليس مجرد تكرار أذكار، بل هو تذكير دائم بحضور الله في الحياة، وقوته ورحمته، واعتمادنا عليه. هذا التذكير المستمر يعزز الشعور بالأمان والسلام الداخلي ويساعد الفرد على الحفاظ على مركزه الداخلي في خضم صخب الحياة، والبقاء بعيداً عن القلق والاضطراب. إن التفكير الديني الصحيح يعلمنا أن المشاكل والصعوبات هي أيضاً جزء من سنة الله لنمو الإنسان وابتلائه. فكل مشكلة هي فرصة للنمو، واكتساب الخبرة، والاقتراب أكثر من الله. هذه النظرة تحول المشاكل من تهديدات إلى فرص، وتمكن الإنسان من التعامل معها بطريقة بناءة. هذا الإيمان العميق لا يمنع اليأس والخذلان فحسب، بل يمهد أيضاً لنمو الفرد ورفعته الروحية. في الختام، الروح الإيجابية والتفكير الديني ليسا متوافقين فحسب، بل هما مكملان لبعضهما البعض. يوفر التفكير الديني السليم أساساً متيناً للتفاؤل والمرونة والأمل، والروح الإيجابية هي تجسيد لهذا الإيمان في الحياة اليومية. من خلال ممارسة هذه المبادئ، يمكن للفرد أن يحقق السلام والسعادة الحقيقية التي تكمن جذورها في أعماق القلب والاتصال بخالق الوجود.
في يوم من الأيام، كان درويش يسير قرب بستان برأس مطأطئ ووجه دامع. رآه البستاني وسأله: "يا صديقي، ما الذي يهمك هكذا؟ هل انتهى العالم بالنسبة لك؟" تنهد الدرويش وقال: "أنا قلق بشأن مستقبلي، كيف سيكون." أجاب البستاني بابتسامة لطيفة: "يا أخي، هل نسيت التوكل على الله؟ انظر إلى هذا البستان؛ نحن نزرع البذور، لكن نموها وإثمارها من الله. نحن نسعى، لكن النتيجة في يده. إذا كل صباح، بدلاً من القلق بشأن المستقبل، أوكلت قلبك إلى الخالق وعرفت أنه الرزاق الرحيم، سيطمئن قلبك وتفرح روحك." فكر الدرويش في هذه الكلمات وأدرك أن البستاني كان على حق. ومنذ ذلك الحين، لجأ إلى التوكل على الله وفهم أن السلام الحقيقي يكمن في الإيمان وقبول التدبير الإلهي، وأن الروح الإيجابية هي هدية تمنح للإنسان بهذا الاعتقاد.