من منظور القرآن، لا ينفصل كون الإنسان صالحًا عن كونه متدينًا. فالتدين الحقيقي يتجلى في الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة، بينما الصلاح الحقيقي ينبع من الإيمان بالله، مما يمنحه المعنى والثبات.
من منظور القرآن الكريم، فإن مفهومي 'كون الإنسان صالحًا' و 'كونه متدينًا' ليسا منفصلين؛ بل هما مترابطان بعمق ويكمل أحدهما الآخر. يرى القرآن أن الخير الحقيقي والمستدام ينبع من إيمان عميق بالله والتزام بأوامره. بعبارة أخرى، تتجلى التدين الحقيقي في الأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة والسلوك الحسن تجاه الخالق والمخلوق. فمجرد فعل الخير دون الإيمان بالله واليوم الآخر، من وجهة نظر القرآن، لا يصل إلى الكمال وقد يفتقر إلى الاستدامة والعمق والجزاء الأخروي. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على العلاقة التي لا تنفصم بين الإيمان (التصديق القلبي بالله وما أنزل منه) والعمل الصالح (القيام بالأعمال الطيبة والمقبولة). في العديد من الآيات، يذكر هذان المفهومان جنبًا إلى جنب، وتُوعد الجنة والنجاة لمن 'آمنوا وعملوا الصالحات'. هذه التركيبة تدل على أن الإيمان بدون عمل هو ادعاء أجوف، والعمل بدون إيمان يفتقر إلى الروح والتوجيه الإلهي. فالإيمان الحقيقي هو دافع قوي لفعل الخير، لأن المؤمن يفعل الخير ليس فقط لكسب رضا الناس، بل لكسب رضا ربه، وهو يعلم أن جزاء أعماله محفوظ عند الله. هذا المنظور يمنح الأعمال الصالحة معنى وعمقًا يتجاوز حدود الحياة المادية، ويدفعها نحو الأبدية. وفقًا للقرآن، فإن 'كون الإنسان صالحًا' يشمل أبعادًا مختلفة لا يمكن أن تصبح شاملة وكاملة إلا من خلال 'التدين' الحقيقي. تشمل هذه الأبعاد: أداء حقوق الله (مثل التوحيد والعبادة الخالصة)، وأداء حقوق النفس (مثل النقاء وتزكية الذات)، وأداء حقوق الناس (مثل العدل والإحسان والصدق والأمانة)، وأداء حقوق الطبيعة. الدين الذي يقدمه القرآن ليس مجرد مجموعة من الطقوس والشعائر؛ بل هو نظام حياة شامل يغطي جميع جوانب الوجود الإنساني، ويهدف إلى تربية الإنسان الكامل. فالإنسان الذي يسير باستمرار في طريق التقوى والخير هو مسؤول، ومخلص لوعوده، ولطيف وعادل مع الآخرين، ولا يسكت على الظلم والفساد. هذه كلها مظاهر للتدين الحقيقي. تخيل شخصًا يقوم بالعديد من الأعمال الصالحة؛ يساعد الفقراء، ويعامل الناس بلطف، ويعتبر فردًا مفيدًا في المجتمع. هذه الأعمال لا شك أنها قيّمة وستكون لها آثار إيجابية في هذا العالم. ولكن إذا كان هذا الشخص لا يؤمن بالله، ولا بالحساب، ولا بالحياة بعد الموت، فما هو دافعه للقيام بهذه الأعمال الصالحة؟ قد يكون دافعه هو الرضا الداخلي، أو الشهرة، أو الاحترام الاجتماعي، أو حتى الخوف من العقوبة القانونية. بينما المؤمن يفعل الخير بدافع إلهي؛ أي لكسب رضا الله الذي خلقه ورزقه، وهو على يقين بالجزاء الأخروي. هذا الاختلاف في الدافع يغير عمق العمل واستدامته. فالشخص المتدين يعلم أن كل عمل يقوم به، حتى أصغره، مسجل وسيتم محاسبته عليه يوم القيامة. هذا الوعي يدفعه إلى الاستمرار في الخير وتجنب الشر، حتى في الخلوة. لذلك، يوفر 'التدين' من منظور القرآن إطارًا لـ 'كون الإنسان صالحًا' يتجاوز الأخلاق الإنسانية البحتة. هذا الإطار يمنح الإنسان هدفًا ساميًا ويوجهه نحو الكمال المطلق. يعلم الدين الإنسان أن خالقه قد خلق العالم بنظام وعدل، وأن الإنسان يجب عليه أيضًا أن يراعي هذا النظام والعدل في حياته. يقدم الدين أساسًا متينًا للأخلاق لا يتزعزع بتغير الأذواق البشرية. بالإضافة إلى ذلك، يمنع التدين الحقيقي الرياء والنفاق؛ لأن المؤمن الحقيقي يعلم أن الله مطلع على بواطنه ونياته، وأن مجرد الأعمال الظاهرية دون إخلاص النية لا قيمة لها. في الختام، لا يعتبر القرآن الكريم مجرد كون الإنسان صالحًا كافيًا؛ بل يرى أنه جزء لا يتجزأ من التدين. بالنسبة للمسلم الحقيقي، فإن كون الإنسان صالحًا ليس خيارًا، بل هو ثمرة وشرط إيمانه. فالتدين بدون أعمال صالحة وأخلاق حسنة هو تدين ناقص، وادعاء الإيمان بدون تجليه في السلوك لا معنى له. ولهذا السبب، يدعو القرآن دائمًا المؤمنين إلى القيام بالأعمال الصالحة والالتزام بالمبادئ الأخلاقية، ويقدم هذين الأمرين كمفتاح النجاة في الدنيا والآخرة. فالإيمان القلبي بالله واليوم الآخر، مصحوبًا بالأعمال الصالحة التي تنبع من هذا الإيمان، يمهدان الطريق لتحقيق الكمال الإنساني والسعادة الأبدية.
في الأزمنة الغابرة، عاش جاران في إحدى المدن. كان أحدهما يُدعى 'محب الظهور' (ظاهر پرست)، الذي كان دائمًا يقوم بأعماله أمام الملأ وبضجة كبيرة؛ كان يساعد الآخرين، ولكنه كان يحرص دائمًا على أن يعلم الجميع بسخائه. كانت كل أعماله الطيبة مصحوبة بإعلان عالٍ ليسمع ثناء الناس. أما الآخر فكان يُدعى 'صاحب الباطن النقي' (باطن گرا)، الذي كان يقوم بأعماله بهدوء ونية خالصة. كان يساعد المحتاجين بصمت، ويزور المرضى، ويقوم بأعماله الصالحة فقط لإرضاء ربه. كان الناس يعرفون عنه أقل، ولكن كان هناك سكينة في وجوده تنبع من قلبه المليء بالإيمان. ذات يوم، أصاب البلدة جفاف شديد، وواجهت المجاعة. 'محب الظهور' الذي كان دائمًا يسعى للعرض، أغلق مخازنه وفكر فقط في نفسه. أما 'صاحب الباطن النقي'، فقد قسم كل ما يملك مع الناس، وبتصبر وتوكل على الله، شجع الآخرين أيضًا على التحمل ومساعدة بعضهم البعض. في ذلك الوقت، أدرك الناس أن الصلاح الحقيقي ليس في المظهر والتباهي، بل في النية الصادقة والإيمان العميق بالله، الذي يبقى ثابتًا حتى في أقسى الظروف ويجلب الخير الحقيقي.