هل كون المرء وحيدًا في طريق الحق يعني أن الطريق خاطئ؟

لا، كون المرء وحيدًا في طريق الحق لا يعني أبدًا أنه خاطئ. تاريخ الأنبياء وآيات القرآن تظهر أن الحق غالبًا ما يكون في الأقلية، وأن صحته إلهية لا تعتمد على عدد الأتباع.

إجابة القرآن

هل كون المرء وحيدًا في طريق الحق يعني أن الطريق خاطئ؟

في تعاليم القرآن الكريم السامية، إحدى المفاهيم الأساسية التي تتكرر مرارًا وتكرارًا هي أن الحق، حقيقة مستقلة عن عدد أتباعها أو مؤيديها. بعبارة أخرى، كون المرء وحيدًا أو ضمن أقلية لا يعني أبدًا أن الطريق الذي يسلكه خاطئ؛ بل قد يكون غالبًا علامة على نقائه وصحته. يحذرنا القرآن مرارًا من اتباع غالبية الناس، موضحًا أن كثيرًا من البشر ينحرفون عن طريق الحق عن غير وعي، بسبب اتباع أهوائهم، أو تقاليد الأجداد، أو مغريات الدنيا. هذا مبدأ أساسي: فالحق يستمد معاييره من مصدر إلهي، وليس من الرأي الجماعي أو التصويت الشعبي. وعلى الرغم من أن الصحبة والتضامن في طريق الحق يوفران القوة والتشجيع، إلا أن غيابهما لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يؤدي إلى الشك في الطريق نفسه. تاريخ الأنبياء والأولياء الإلهيين مليء بمشاهد أصروا فيها على الحق والصواب رغم قلة أتباعهم، بل حتى في عزلة تامة. فعلى سبيل المثال، دعا النبي نوح (عليه السلام) قومه إلى التوحيد لأكثر من تسعمائة عام، وفي النهاية، آمن به عدد قليل فقط. واجه السخرية والاستهزاء من قومه طوال دعوته، لكنه لم ينحرف أبدًا عن طريق الحق وأنجز مهمته الإلهية. بناء السفينة في البرّ، وسط سخرية الناس، يجسد أقصى درجات التوكل والثبات لمؤمن وحيد في طريق الحق. وبالمثل، وقف النبي إبراهيم (عليه السلام) وحده ضد عبادة الأوثان وجهل قومه، وصدح بنداء التوحيد بتكسير أصنامهم. لقد كان بالفعل 'أمة وحده'، لأن قلبه وروحه كانا مليئين بالحق والتوحيد، حتى لو لم يرافقه أحد. تعلمنا هذه القصص أن الحق أحيانًا يضيع وسط صخب الباطل، وأن من يمتلكون بصيرة إلهية فقط هم القادرون على تمييزه والتمسك به. يشير القرآن في آيات عديدة إلى حقيقة أن طالبي الحق والمؤمنين الحقيقيين قد يكونون في الأقلية. فمثلاً، في سورة الأنعام (6:116) يقول تعالى: ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾. هذه الآية تظهر بوضوح أن معيار الحق ليس الأغلبية، وقد تكون غالبية الناس منحرفين عن الصراط المستقيم. وكذلك في سورة الأعراف (7:187) يقول: ﴿...وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾. هذه تحذيرات من الله لنا لكي نبحث عن علامات الحق في الكتاب الإلهي وسنة الرسول، بدلًا من اتباع التيار السائد بغير تفكير. الثبات على طريق الحق، حتى في العزلة، يتطلب صبرًا ويقينًا وتوكلًا لا حدود له على الله. هذا الطريق لا يدل على ضعف الطريق، بل يثبت عمق الإيمان وصلابة الإرادة. المؤمن الحقيقي هو الذي يرى معيار الحق في رضا الله والمنطق الإلهي، لا في عدد الإعجابات والتشجيعات الشعبية. أحيانًا يكون اختبار الإيمان بالتحديد في هذه النقطة: حيث يجب على الفرد أن يختار بين راحة التوافق مع الأغلبية وصعوبة الثبات على طريق الحق (والذي قد يصاحبه العزلة). في هذه الظروف، يذكرنا القرآن بأن الله دائمًا مع الصابرين والمتوكلين عليه. يمكن أن يتحول شعور الوحدة في هذا الطريق إلى قوة دافعة لتعميق الصلة بالله والاعتماد على قوته التي لا تنضب. هذه الوحدة الظاهرية هي في الواقع نوع من الخلوة مع الحقيقة والرب، مما يجعل الإنسان أقوى وأكثر ثباتًا. وفي الختام، رسالة المؤمن ليست في جمع أكبر عدد من الأتباع، بل في الاستقامة على طريق الحق، وتبليغه بأفضل وجه، والعمل به بكل وجوده، حتى لو وضع هذا الطريق في أقلية يرفضها المجتمع. هذا هو طريق الأنبياء والصديقين الذين فضلوا الحق دائمًا على الأهواء، ولم يستسلموا أبدًا لضغوط ووساوس العصر. لذلك، كونك وحيدًا في طريق الحق لا يعني أبدًا أن الطريق خاطئ، بل هو شهادة على استقلالية الرأي، الشجاعة الإيمانية، وأصالة المسار الذي ينبع من المصدر الإلهي اللامتناهي.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

جاء في گلستان سعدي: «المرءُ له صديق وللآخر عدو، ومن كان مع الحق، فهو عدو للباطل.» ذات يوم، كان رجل حكيم يسير في سوق مزدحم وصاخب. رأى الناس يركضون جميعًا في اتجاه واحد، يتبع بعضهم بعضًا دون تفكير. توقف الحكيم ونظر حوله، وسأل حكمته: «هل الطريق الصحيح هو بالضرورة الطريق الذي يسلكه الجميع؟» في تلك اللحظة، تذكر نصيحة رجل عجوز حكيم كان يقول: «كم من بئر قد يكون على الطريق، وقد تقع فيه قطيع لا محالة.» فغيّر الحكيم مساره، وبدلًا من اتباع الحشد، اختار بتفكير وبصيرة طريقًا آخر، طريقًا قلّما يسلكه أحد. كان يعلم أن في طريق الحق، تكون الوحدة أحيانًا أفضل من رفقة حشد وجهته الخطأ ونهايته الضلال. استمع إلى نداء قلبه وعقله، وبالتوكل على الرب الواحد، سلك طريقًا علم أنه، وإن كان قليل السالكين، إلا أنه يؤدي إلى الصلاح والحقيقة. وهكذا، أحيانًا تكون الوحدة في طريق الحق بحد ذاتها علامة على الشجاعة وصحة الاختيار، لا خطأ.

الأسئلة ذات الصلة