القرآن لا يصف الشك بأنه 'طبيعي' بطبيعته، لكنه يقر بحدوثه في رحلة الإيمان البشرية ويقدم علاجات مثل التأمل في الخلق وذكر الله لتحقيق اليقين. الهدف النهائي للإيمان هو السلام الداخلي واليقين، لا الشك الدائم.
في رحلة الحياة المتشابكة، وفي مسيرة السلوك الروحي، قد تنشأ لحظات من التساؤل، وحتى الشك والتردد، في قلوب البشر. هذه الظاهرة ليست غير مألوفة، خاصة عند مواجهة تحديات الحياة، أو الشبهات الفكرية، أو الإغراءات الخارجية. ومع ذلك، فإن القرآن الكريم، وإن لم يستخدم صراحة مصطلح «طبيعية الشك» بالمعنى النفسي الحديث، إلا أنه يتعرض بوضوح لحالات الإنسان الروحية والإيمانية المختلفة، بما في ذلك وجود الشك والحاجة إلى اليقين. يعتبر القرآن الإنسان كائنًا مخيّرًا يتعرض باستمرار للاختبارات والخيارات، وهذه المسيرة أحيانًا تتضمن تذبذبًا وحاجة إلى بصيرة أكبر. لذلك، يمكن القول إن القرآن يعترف بوجود الشك في البشر كتحدٍ ومرحلة يجب تجاوزها، ويقدم حلولاً متعددة لتحقيق اليقين وراحة البال. القرآن لا يبني الإيمان على التقليد الأعمى، بل يدعو إلى التفكير والتعقل والتدبر في آيات الله وعلامات الخلق. هذه الدعوة إلى التدبر بذاتها توفر مجالاً لطرح الأسئلة والبحث عن إجابات أعمق. وفي الحقيقة، قد يؤدي هذا التساؤل الأولي في بعض الأحيان إلى تعزيز أساسي للإيمان؛ لأن الإنسان الذي يصل إلى الحقيقة بالبحث والتحقيق، سيكون إيمانه أكثر رسوخًا. ولكن المسألة تصبح حساسة عندما ينحرف هذا التساؤل عن مساره ويتحول إلى شك مدمر يبعد الإنسان عن طريق الحق. يشير القرآن الكريم صراحة إلى أولئك الذين في قلوبهم «مرض»، والشك يزداد فيهم. هذا المرض القلبي ينبع من عدم قبول الحق، والغرور، واتباع أهواء النفس. في المقابل، المؤمنون الحقيقيون هم الذين آمنوا بالله ورسوله ولم يرتابوا أبدًا في إيمانهم. هذا يدل على أن الشك في الإيمان، وإن كان قد يطرأ على بعض الأفراد، فإن هدف الدين هو الوصول إلى حالة من اليقين والطمأنينة لا يبقى فيها مجال لأي شك. للتغلب على الشك وتحقيق اليقين، يقدم القرآن الكريم استراتيجيات عملية وعميقة. أول وأهم طريقة هي «التفكير والتدبر في الآيات الآفاقية والأنفسية». نظرة إلى عظمة الخلق، ونظام الكون، وعجائب الطبيعة، وحتى التركيب المعقد لوجود الإنسان نفسه، كلها علامات على قوة الله تعالى وحكمته ووجوده. يدعو القرآن مرارًا البشر إلى الملاحظة والتأمل في هذه العلامات ليتوصلوا من خلالها إلى حقيقة الوجود وتعميق إيمانهم. توضح الآيتان 190 و 191 من سورة آل عمران بوضوح هذا المسار لـ«أولي الألباب» (أصحاب العقول)، كيف أنهم بالتفكير في خلق السماوات والأرض يدركون عظمة ربهم ويقولون: «ربنا ما خلقت هذا باطلاً». هذا النوع من التفكير يفتح أبواب اليقين للإنسان. الحل الثاني الهام هو «الاهتمام بالقرآن وكلام الوحي». القرآن نفسه هدى ونور لمن يريد التخلص من ظلمات الشك والجهل. تلاوة القرآن وتدبره وفهم معانيه، يمنح الإنسان بصيرة، ويحتوي على إجابات للعديد من الشبهات. آيات القرآن حجة ودليل واضح على صحة الرسالة الإلهية ووجود خالق حكيم وقدير. كلما ازداد الإنسان ألفة بكلمة الله وتدبر فيها، قلّت شكوكه الذهنية، وأشرق قلبه بنور اليقين. «الذكر وذكر الله» و «الصلاة» أيضًا من الأعمدة الرئيسية لتقوية الإيمان ودرء الشك. ذكر الله يجلب السكينة للقلوب ويحمي الإنسان من هجمات وساوس الشيطان والأفكار المشتتة. الصلاة، كمعراج المؤمن وجسر الاتصال مع الله، هي مصدر هائل للطاقة الروحية التي تغذي الروح وتقوي الإحساس بالوجود الإلهي في الحياة. عندما يتصل الإنسان بالله بكامل وجوده في الصلاة والدعاء، يتلاشى الضعف والتردد من كيانه، ويحل محله الثقة والطمأنينة القلبية. كذلك، تلعب «الصبر والاستقامة» في مسار التدين، خاصة في مواجهة المشاكل والامتحانات، دورًا أساسيًا في إزالة الشك. فالإيمان الحقيقي ينضج في بوتقة الاختبارات، وكل تحدٍ يتم تجاوزه بالصبر والتوكل على الله يقوي الإيمان. أخيرًا، «طلب العون من الله» و «مصاحبة الصالحين» هما أيضًا وسيلة لفتح الآفاق. يجب على الإنسان أن يطلب من الله دائمًا أن يثبته على طريق الحق ويحفظ قلبه من أي انحراف أو شك أو تردد. الدعاء الصالح وطلب البصيرة من الرب يمكن أن يحل العديد من المعضلات الروحية. بالإضافة إلى ذلك، فإن معاشرة الأفراد المؤمنين والتقيين والعالمين يمكن أن يساعد في إزالة الشبهات وتقوية الروح الإيمانية. تبادل الآراء مع من هم ثابتون في دينهم ويمتلكون الخبرة والمعرفة الكافية يمكن أن يزيل الغموض ويقدم توجيهات قيمة. لذلك، في حين أن لحظات من التساؤل والغموض قد تنشأ في ذهن الإنسان، فإن القرآن الكريم لا يرى هذه اللحظات نهاية، بل فرصة لتعميق الإيمان والتحرك نحو اليقين المطلق، ويقدم حلولاً عملية وروحية تأخذ بيد الإنسان لتجاوز هذه المراحل والوصول إلى السلام والطمأنينة القلبية. هذه العملية بحد ذاتها جزء من نمو الإنسان الروحي وكماله، مما يجعله أكثر ثباتًا في عبادته لله تعالى.
يُروى أن رجلاً بقلبٍ مليءٍ بالأسئلة وعقلٍ مضطربٍ، ذهب إلى حكيمٍ وقال: «يا سيدي، أحيانًا تتسلل الشكوك إلى قلبي فتسلب مني طمأنينتي. ماذا أفعل؟» فابتسم الحكيم وقال: «يا صديقي، كأنك في بستانٍ تهب فيه الرياح أحيانًا فتهز أوراقه. إذا كانت جذور الشجرة راسخة، فلا بأس من اهتزاز الأوراق؛ بل الأوراق نفسها دليل على حيوية الشجرة وصمودها أمام الرياح. قوِّ جذور إيمانك بالتفكير في آيات الله وذكره. حينئذٍ سترى أن كل شبهة تأتي ستوصلك إلى يقينٍ أكبر، لا إلى شكٍّ وتردد.» عند سماع هذا، وجد الرجل الطمأنينة وعلم أن البحث والتفكير، إذا كان في سبيل الحق، فهو جناحٌ للطيران لا فخ.