طلب التغيير من الله ليس جائزًا فحسب، بل هو مستحب للغاية، فهو يعكس التوكل عليه والالتزام الشخصي بالتحسين. يبدأ هذا التحول بإرادة الفرد وجهده، ثم يدعمه العون الإلهي، كما يؤكد القرآن أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
إن طلب التغيير من الله، ليس جائزًا وخاليًا من أي إشكال فحسب، بل هو من أعمق وأجمل صور العلاقة بين العبد وخالقه. هذا الفعل يدل على الاعتراف المطلق بقدرة الله، وتواضع العبد أمام عظمة ربه، وإدراك حقيقة أن كل تغيير وتحول، سواء كان داخليًا أو خارجيًا، ينبع في النهاية من فيض النعمة الإلهية. يؤكد القرآن الكريم بوضوح على أهمية الدعاء وطلب العون من الله، ويعتبره وسيلة لفتح أبواب الرحمة والبركة. عندما يطلب الإنسان من الله أن يغيره، فإنه في الواقع يخطو خطوة في رحلة روحية وداخلية تشمل أبعادًا مختلفة. النقطة الأولى والأكثر أهمية هي التوكل والثقة بقدرة الله. فنحن كبشر، لدينا قيود، وأحيانًا، للتغلب على العادات السيئة، أو الضعف الشخصي، أو حتى لتغيير ظروف الحياة الصعبة، نحتاج إلى قوة تتجاوز ذواتنا. وهنا يكتسب طلب العون من الله معناه. يقول القرآن في سورة غافر، الآية 60: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"؛ هذه الآية دعوة صريحة وعامة من الله لعباده بأن يدعوه، وقد وعد بالاستجابة. طلب التغيير هو بحد ذاته مظهر من مظاهر هذا الدعاء والعبادة، لأنه يدل على التبعية والحاجة للخالق. ولكن كيف يحدث هذا التغيير؟ يقول القرآن الكريم في سورة الرعد، الآية 11: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ"؛ هذه الآية عميقة وغنية بالمعنى، وتضع مبدأ أساسيًا في عملية التغيير. هذا يعني أن طلب التغيير من الله لا ينبغي أن يفسر على أنه إعفاء من المسؤولية الذاتية. بل إن هذا الطلب نفسه جزء من "التغيير الداخلي". عندما تطلب من الله أن يغيرك، فإن هذا يدل على إرادتك ورغبتك الداخلية في التحسن، وفي التخلي عن نقاط الضعف، واكتساب الفضائل. إنه قرار فعال يتم تعزيزه بالدعاء. إذن، التغيير من المنظور القرآني هو عملية ذات اتجاهين: من ناحية، يتطلب الإرادة والجهد والعمل من جانب الإنسان؛ ومن ناحية أخرى، لا غنى عن العون والتوفيق والرحمة الإلهية. الدعاء من أجل التغيير لا يؤدي فقط إلى فتح أبواب رحمة الله وعونه لنا، بل يخلق أيضًا داخل أنفسنا شعوراً بالمسؤولية ودافعًا للعمل. هذا الدعاء أشبه ببذرة تُزرع في تربة الإرادة والعزيمة، وتسقى بماء التوكل والجهد، لتؤتي ثمارها في النهاية. ما هي أنواع التغييرات التي يمكن طلبها من الله؟ هذه التغييرات يمكن أن تكون متنوعة جدًا: 1. التغيير في العادات والأخلاق السيئة: على سبيل المثال، إذا كان الشخص يعاني من الغضب المفرط، أو الحسد، أو الكسل، أو الكذب، أو غيرها من الرذائل الأخلاقية، يمكنه أن يطلب من الله أن يعينه على التخلي عن هذه الصفات، وأن يقوي فيه الفضائل الأخلاقية مثل الصبر، الحلم، الكرم، الصدق، واللطف. هذا الطلب هو علامة على الوعي الذاتي والرغبة في تطهير النفس. 2. التغيير في مسار الحياة وطلب الهداية: غالبًا ما يجد الإنسان نفسه عند مفترق الطرق ويحتاج إلى الهداية. طلب "ثبات القلب" و"عدم الانحراف" بعد الهداية، كما جاء في سورة آل عمران، الآية 8: "رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"؛ هذا الدعاء يدل على عمق حاجة الإنسان إلى الهداية الإلهية المستمرة. 3. التغيير في الحالة الروحية والنفسية: يعاني الكثير من الناس من القلق، الاكتئاب، اليأس، أو الخوف. طلب السكينة، الصبر، الأمل، والقوة الروحية من الله، هو أحد أفضل الطرق للتعامل مع هذه الحالات. القرآن يربط السكينة دائمًا بذكر الله: "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" (الرعد 13:28). 4. التغيير في الظروف الخارجية للحياة: على الرغم من أن التركيز الأساسي ينصب على التغيير الداخلي، فإن طلب التغيير في ظروف الحياة مثل المرض، الفقر، المشاكل الأسرية أو الاجتماعية جائز أيضًا من الله. ومع ذلك، يجب أن تصاحب هذه الطلبات التسليم والرضا بالقضاء الإلهي، وأن يدرك الإنسان أن حكمة الله مقدمة على كل شيء. في الختام، هذا الطلب من الله يخلق رابطة أعمق ومستمرة معه. عندما نطلب من الله أن يغيرنا، فإننا في الأساس نضع أنفسنا على طريق النمو والكمال. الاعتقاد بأن الله سميع ومجيب يمنحنا الأمل والدافع للسعي نحو الأفضل. هذا الفعل لا يفيد الفرد فحسب، بل يساهم أيضًا في بناء مجتمع أكثر صحة وازدهارًا، لأن إصلاح كل فرد خطوة نحو صلاح المجتمع بأكمله. لذلك، بقلب مليء بالأمل والثقة، يمكن للمرء أن يطلب من الرب القدير أن يغيرنا إلى أفضل حال ويكون عونًا وداعمًا لنا في هذا المسار.
يُروى أنه في قديم الزمان، كان هناك شاب يُدعى يزدان بخش، كان ذا قلب نقي، ولكن أحيانًا كان الغضب يتغلب عليه، مما يدفعه إلى أفعال يندم عليها لاحقًا. كل ليلة، كان يتضرع إلى ربه بتواضع، قائلاً: "يا رب، انزع مني هذه الصفة الذميمة وزين قلبي بالسكينة والحلم." وفي يوم من الأيام، سأله شيخ حكيم: "يا يزدان بخش، ما هي الوسوسة التي تقلق قلبك؟" فروى يزدان بخش قصته. ابتسم الشيخ الحكيم وقال: "يا بني، عندما تطلب من الله أن يغيرك، يجب عليك أيضًا أن تسعى لمد يد العون لنفسك في هذا الطريق المستقيم. فعندما ترتفع موجة الغضب، فلتلزم الصمت ولتودع قلبك لذكره. فالله يعين من يسعى في سبيله. هذا الدعاء وهذا العمل، كلاهما جناحا طائر السعادة." استمع يزدان بخش لهذه النصيحة بقلب سليم، ومنذ ذلك الحين، كلما حاول الغضب أن يتغلب عليه، كان يهدئه بذكر الله وجهده الذاتي. ولم يمض وقت طويل حتى ترسخت صفة الحلم فيه لدرجة أن كل من رآه قال: "هذا الرجل مثال للصبر والسكينة." وهكذا، فإن طلب العون من الله وعزيمته الشخصية، أوصلته من حالة غير مرغوب فيها إلى أرقى المراتب.