هل من الممكن التحرر من الأنانية؟

نعم، التحرر من الأنانية ممكن من خلال تزكية النفس والإيثار والعبادة. يؤكد القرآن الكريم على ضبط النفس وتنقيتها حتى يتحرر الإنسان من التعلقات الدنيوية ويتقدم نحو الكمال الروحي.

إجابة القرآن

هل من الممكن التحرر من الأنانية؟

إن فهم مفهوم الأنانية وإمكانية التحرر منها هو أحد التحديات الإنسانية العميقة التي يعالجها القرآن الكريم باهتمام خاص. الأنانية، أو ما يشير إليه القرآن بـ 'هوى النفس' أو 'شح النفس'، هي ميل فطري يدفع الإنسان إلى تفضيل مصالحه ورغباته ومتعته الشخصية، حتى لو كان ذلك على حساب الآخرين أو يتعارض مع المبادئ الأخلاقية. يقر القرآن بوجود هذا الميل في الطبيعة البشرية، ولكنه في الوقت نفسه يقدم حلولاً للتحكم فيه، وتزكيته، وفي النهاية التحرر من جوانبه السلبية والمدمرة. التحرر من الأنانية لا يعني الإفناء الكامل للـ 'ذات' (وهو مستحيل، فالإنسان يمتلك ذاتًا)، بل يعني تطهير الـ 'نفس' وتنقيتها؛ بحيث ترتقي من مقام 'النفس الأمارة بالسوء' إلى 'النفس اللوامة' وأخيرًا إلى 'النفس المطمئنة'. هذه عملية مستمرة وجهاد أكبر داخلي. يشجع القرآن الكريم مرارًا الإنسان على البذل والعطاء، والإيثار وتفضيل الآخرين على النفس. هذه المفاهيم تتعارض مباشرة مع الأنانية. على سبيل المثال، في سورة الحشر، الآية 9، يقول الله تعالى: "وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"؛ أي "ويُؤْثِرُونَ غيرهم على أنفسهم، مع حاجتهم وفقرهم. ومن يَقِهِ اللهُ شُحَّ نفسه وحرصها على المال، فأولئك هم الفائزون بالخيرات في الدنيا والآخرة". هذه الآية توضح بجلاء أن الإيثار والعطاء هما سبيل للتغلب على الشح والأنانية في النفس، وأن الفلاح مرتبط بالتحصن من هذه الصفة المذمومة. هذا ليس مجرد توصية أخلاقية، بل هو طريق لتحقيق الفلاح والسعادة الأبدية. فبالتدرب على الإيثار والجود، يتحرر الإنسان تدريجيًا من أسر الماديات والتعلقات الدنيوية، ويخطو نحو الكمال الإنساني. تزكية النفس وتهذيب الأخلاق من التعاليم القرآنية الأساسية للتغلب على الأنانية. في سورة الشمس، الآيتين 9 و 10، نقرأ: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا"؛ أي "لقد فاز وظفر من طَهَّر نفسه من الأخلاق السيئة وعمل الصالحات، وقد خسر وخابت نفسه من خبأها بالمعاصي والآثام". تؤكد هذه الآيات على الأهمية الحاسمة لتزكية النفس. تزكية النفس تعني تطهير القلب من الرذائل الأخلاقية مثل الغرور، والحسد، والكبر، والطمع، وبالطبع الأنانية. بإزالة هذه الرذائل واستبدالها بالفضائل الأخلاقية مثل التواضع، والقناعة، والكرم، وحب بني الإنسان، يحرر الإنسان نفسه تدريجيًا من قيود الأنانية. هذه العملية لا تتم بإنكار وجود الـ 'أنا' بل بتوجيه الـ 'أنا' نحو المقصد الإلهي. عندما يغير الإنسان أهدافه من الملذات العابرة والمصالح الشخصية إلى رضوان الله وخدمة الخلق، تتلاشى الأنانية تدريجيًا. كما يقدم القرآن سبلًا عملية لمكافحة الأنانية. من أهمها ذكر الله تعالى. فالغفلة عن الله وعن الغاية الأساسية من الخلق توفر بيئة خصبة لنمو الأنانية. عندما يكون الإنسان دائم الذكر لله، ويعلم أن كل شيء منه وإليه يعود، فإن التعلقات الدنيوية والأنانية تتضاءل فيه. الصلاة، والصيام، والصدقة، والجهاد في سبيل الله (سواء كان جهادًا خارجيًا أو جهاد النفس الأكبر) كلها أدوات تساعد الإنسان على التغلب على ميوله النفسية وأنانية ذاته. فالصلاة تجعل الإنسان خاشعًا أمام عظمة الله وتبعده عن الغطرسة. والصيام تدريب على التحكم في الشهوات والرغبات النفسية. والصدقة والإنفاق يقويان روح العطاء والإيثار ويقللان من التعلق بالمال والممتلكات. والجهاد، سواء في ساحة المعركة أو في الصراع مع النفس، يتطلب التضحية ونكران الذات. لذلك، فإن التحرر من الأنانية يعني تحويل الـ 'أنا المستفيدة' إلى 'أنا إلهية' و 'أنا خادمة'. هذه العملية لا تتحقق في لحظة، بل على مدى العمر بجهد مستمر، ومراقبة، ومحاسبة، والعمل بتعاليم القرآن. فبالممارسة الدائمة للإيثار، والتواضع، والشكر، والتضحية، يمكن للإنسان أن يصل إلى درجة من الحرية من قيود النفس التي ترشده إلى السعادة الحقيقية في الدنيا والآخرة. يعد القرآن بأن من وقاه الله شح نفسه وأنانية ذاته سيفلح، وهذا بحد ذاته شهادة على إمكانية هذا التحرر.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن سلطانًا قويًا، على الرغم من جميع فتوحاته وكنوزه التي لا تُعدّ ولا تُحصى، لم يجد راحة داخلية. لقد بنى قصورًا فخمة وجمع ثروة طائلة، لكن فراغًا روحيًا استمر بداخله. ذات يوم، قصد درويشًا حكيمًا كان يعيش في كوخ متواضع خارج المدينة. سأل السلطان، منتفخًا بالغطرسة والأنانية: "يا حكيم، أمتلك كل ما قد يرغب فيه الإنسان، ومع ذلك يهرب مني السلام. ما هو علاج هذا الفقر الداخلي؟" التقط الدرويش، دون أن ينطق بكلمة، قبضة من التراب من الأرض وحاول أن يضمها بإحكام في قبضته. تسرب التراب بين أصابعه. ثم فتح كفه، وبقي التراب هادئًا على كفه المفتوحة. نظر إلى السلطان وقال: "أيها الملك، النفس البشرية كالتراب هذا. كلما شددت قبضتك عليها لنفسك، كلما تسربت منك، تاركةً وراءها فراغًا فقط. ولكن إذا فتحت يدك، مشاركًا ما تملك بحرية، دون توقع، فإن التراب يبقى، مستقرًا ومفيدًا. السلام الحقيقي والتحرر لا يأتيان من التراكم للذات، بل من إرخاء قبضة الأنانية والعطاء للآخرين." تأمل السلطان كلمات الدرويش، وأدرك أن سعيه الدؤوب وراء المكاسب الشخصية قد استعبده لرغباته. ومنذ ذلك اليوم فصاعدًا، بدأ بتوزيع ثروته على المحتاجين، وبنى المستشفيات والمدارس، ووجد فرحًا أعظم بكثير من أي فتح، مدركًا أن التحرر من متطلبات النفس يجلب الرضا الحقيقي.

الأسئلة ذات الصلة